You are currently viewing أطروحة دكتوراه ابو ذر سلمان / بعنوان: جدليّة الحقيقة والمجاز في التّفكير النّقدي والبلاغي عند العرب

أطروحة دكتوراه ابو ذر سلمان / بعنوان: جدليّة الحقيقة والمجاز في التّفكير النّقدي والبلاغي عند العرب

المستخلص

ففي اختيار أطروحتي الموسومة بـ(جدليةِ الحقيقةِ والمجازِ في التفكيرِ النقدي والبلاغي عندَ العرب) ما يقدم قراءةً – أحسبها – جديدةً في الكشفِ عن هذه الثنائية ؛ إذ تكمن أهميةُ العنوانِ في الكشفِ عن فكرةٍ مفادها (أن ثنائية الحقيقة والمجاز ترتبط بأصالة التّفكير النّقدي العربي ونظرية الأدب عند العرب) بتقصي هذه الثنائية في داخل منظومة الجملة العربية وفي الفكرين النقدي والبلاغي العربي , وبيان أهمية التّصوير المجازي في سياق الكلام بوصفه عنصرًا فاعلًا بالتأثير في المتلقي, وتجليّه مقاصد المتكلم حتى تصبح الرسالة التي أرسل بأوضح ما يكون صياغة لفظية ومعنى عميقًا ومؤثرًا ؛ لأنه المجاز في تمثّلاته وإجراءاته في نصوص القرآن العظيم أو كلام العرب شعرًا ونثرًا يعزز بلاغةَ الكلامِ والمتكلمِ على حدّ سواء حتى يصلَ بالمتلقي حدَّ التأثر والإقناعِ ؛ إذ تحاولُ دراستي الجمعَ بين الحقيقةِ والمجاز بفكر جدليّ شامل يرصدُ هذه الثنائيّة رصدًا واسعًا في ضمن التفكيرِ الأصيلِ المتطلّعِ والمتقدّمِ إلى النظرة الشّموليّة بين الشّكلِ والمضمون , أو المبنى والمعنى , أو الدّال والمدلول .

         ولعلّنا نقف مع ثنائيةِ الحقيقةِ والمجازِ في التّفكيرين النّقدي والبلاغي حتى نستدلَ على أنواعَ للمجاز وإجراءات تراوحت في الوصف لها بين الحقيقة والمجاز , وكانت النصوصُ القرآنيةُ والشعريةُ ميدانًا لتمثّلات العلماء القدماء والمحدثين العرب بين مُؤثّر ومُتأثّر , قديم وحديث , ولطبيعة الدراسة النقديّةِ – البلاغيّةِ , ومادّتها , وموضوعها فقد انقسمت الخطّة فيها على تمهيدٍ وثلاثةِ فصولٍ وخاتمةٍ .

         جاء التمهيدُ بعنوان : ( ثنائيّة الحقيقة والمجاز في المنظور الْجَدَلي ) وفيه تأسيسٌ للجَدَل والمُجادَلة وأنّه جاءَ للحديثِ عن هذه الثنائيةِ في البحث البلاغي , فلا تُذكر الحقيقة إلا ويُذكر المجاز معها والعكسُ صحيح مع بيان بواكير ظهور هذه الثنائيةِ ورؤية النّقاد لها .

         في حين تصدى الفصل الأول المعنون (الرّؤية الجدليّة في التّفكير العلميّ (المعياريّ)) للحديث عن ارتباط علم البلاغة بغيره من علوم العربية بوصفه علمًا مستقلًا قائمًا بذاته , فبعد أن كان البحثُ البلاغي غيرَ منتظمٍ في كتابات الجاحظ (ت255ه) ومن تقيّله وصولًا إلى عبد القاهر الجرجاني (ت471ه) الذي بدأ يؤسس لمعايير البلاغة استنادًا إلى العقل والذوق والنّصوص وتحليلها , حتى نصل إلى المعيارية المحضة في التّفكير البلاغيّ الذي استقر على يد أبي يعقوب السكاكي (ت626ه) الذي قسّم علم البلاغة على ثلاثةِ علومٍ : (المعاني – البيان – البديع) وانضوت تحت هذه العلوم موضوعات محددة , فهذا المتن الذي جعلَ من البلاغة علمًا موصوفًا بالجمودِ وقصور القدرة على التحليل , ودراسة موضوعات البلاغة على أنها قوانين بحتة فجاءت الدراسة لتعيد النظر في هذه المعيارية وتبحث في الكشفِ عن مجازيةِ صنوفِ البيانِ من حقيقيتها.

         وجاء الفصلُ الثاني موسومًا بـ(الرّؤية الجدليّة في التّفكير النّقدي (الفلسفي)) للحديث عن إن التأويلَ ناتجٌ عن التّفكير النّقدي المستند إلى العقلِ , ذلك التأويل الذي ارتبط بعلمِ الكلامِ المتعانق مع علمِ البلاغة في باكورة ظهوره حتى كان من علماء البلاغة صنف المتكلمين الذين جسدوا في كتبهم ملامحَ مذهبهم الأشعري أو المعتزلي بتحكيم العقل في رسم مادياتهم النقدية , مما قاد هذا الأمرُ النقادَ إلى رؤيةٍ جدليةٍ في التفسير القرآني من زاويةِ رؤيتهم للحقيقة والمجاز , حتى تمخّضت على يد عبد القاهر الجرجاني رؤية الناقد الفذ الذي أخذَ على عاتقه تأسيسَ رؤيةٍ ناقدةٍ للنصوص الشعرية والموازنة بينها , وهكذا سارَ العلماءُ بعد عبد القاهر لاستظهار خصوصية اللغة الإبداعية بوساطةِ تّفكيرٍ نّقدي يستند إلى علاقة فلسفية تقترب من الحقيقة حينًا ومن المجاز ومتعلقاته حينًا أخر , فقامت رؤيةُ هذا الفصل على تفعيلِ رؤيةٍ نقديّةٍ جديدةٍ بالاستنادِ إلى رؤية عبد القاهر الجرجاني في آلية التعامل الإبداعي مع التّشبيه , والاستعارة , والكناية والخروج من النظرةِ النمطية لهذه الفنون , ثم خُتمَ الفصل في تأصيل (مجازِ المجازِ) وهي محاولةٌ تنظرُ إلى آليةِ قيامِ بعض المجازات على مجازات أُخر , والكشف عن كيفيةِ تكوين (مجاز المجاز) .

         ويكون مسك الختام لاستكمال محاور الدراسة مع الفصل الثالث الذي وسَمتهُ (تمظهرات المجاز) للحديث عن تمظهرات المجازِ التي تمثلت بـ(التّثنية , وتراسل الحواسّ , والأسلوب الحكيم, والأسطورة) , وسبب اختيارنا لهذه التمظهرات , هي أنها تأتي في ضمن ميدانِ علم المخيّلة في البناء الفني لكلّ منه حتّى تتمظهر بين ثنائية ضّديّة (الحقيقة والمجاز) , وهذا ما أثبته الفصلُ بأن هذه الفنون ما هي إلّا شكلٌ من أشكالِ الصّراع بين الحقيقةِ والمجاز وتميل في مظهرِها إلى الأخيرِ أكثر حتّى تنصهرَ فيه في ضمن سياقاتها اللافتة , ولعلّنا ندركُ الرؤيةَ النقديةَ ممتزجةً برؤيةٍ بلاغيّةٍ لدى العلماء الذين خاضوا في تفسير إجراءات تلك الموضوعات المنضوية تحت اسم تمظهراتِ المجاز في إطار دراستي لهذا الفصل , ولكلّ موضوع أو تمظهر مجازي ذي آلية ذات خصوصيّة تستقل بها عن الأخرى حتى يتّحدَ الجميع في خدمةِ التّصوير المجازي ومخالفة الحقيقة أو مقتضى الظاهر وما ينتج عن ذلك من دلالاتٍ مثيرةٍ في سياقٍ ربّما يكون نصًا قرآنيًّا أو شعريًا أو نصًّا نثريًّا , والذي يهمّنا من ذلك كلّه , كيف كان استقراء العلماء لهذه التمظهرات حتى وضعوها في ضمن ميدان فسيح مترامي الأطراف آلا وهو (المجاز) فكانت رؤيةً علميّةً تستندُ إلى النّظر , والاستدلالِ , والتّحليل والتّفسير المنطقي المحكم للذوقِ . 

اترك تعليقاً