المستخلص
فإن محاولة الوقوف عند فكر المرأة ومنتَجها الإبداعي كان مَصَبّ عناية الكثير من النقاد والدراسات، فالقصيدة النسوية عالم رحب من أفكار المرأة ومشاعرها لتعبر بوساطتها عن ذاتها وعن الآخر بطرائق تنسجم مع ( أدبّية الأدب ).
وقد تناولت الشاعرة العراقية القضايا الذاتية زيادة على القضايا الوطنية والقومية، بل قدمت شعراً أظهرت من خلاله موقفها مما أصاب وطنها العراق، وأظهرت تضامنها مع القضايا العربية في كثير من قصائدها.
كما عبّرت عن موقفها من السياسة والسلطة، وتمردت على التابوات منها: (الجنس، والدين، والسياسة) وكثيراً ما كانت تلجأ إلى التخييل لتنال حريتها في التعبير، ولا سيما عند الحديث عن الجسد، وقد اتهمت بأنها تولي جسدها عناية واضحة من باب الإغواء. ولم يقف الإبداع النسوي عند هذا الحدّ، بل نرى أن الشاعرة العراقية أسهمت في تحقيق أنماط من المغايرة الشكلية و المضمونية .
إذ تتبع الدراسة جمع الظواهر المثارة، مستقرئةً منها الصيغ و المعايير، و متعرضاً لوجهات النظر المختلفة، ما يتفق منها مع رأي الباحثة، وما يختلف، فتناولها بالوصف و التحليل و التقييم، ثم إبداء رأيه فيما بين يديه من تلك الموضوعات.
ولعلّ الرجوع في هذا المضّمار إلى رأي الأستاذ الدكتور سمير الخليل حول مسألة النسوية و الذكورة ، فهو يحيل على فهم واضح لهذه النظرة، ويضع الدراسة في مسارها الملائم.
وبُنيت هذه الدراسة على تمهيد كشف عن الاصلاحات النظرية و الإجرائية المتعلقة بموضوع الدراسة، و كان عنوانهُ 🙁 شعر المرأة العراقية: مدخل تعريفي).
ثم قسمنا الدراسة على ثلاثة فصول :
فان الفصل الأول (القصيدة النسوية العراقية في ضوء حركة التطور الشعري)، يتمركز حول سيطرة الثقافة الذكورية و قمعها للثقافة المقابلة أو في شتى المحاولات التي تسعى لتحديد المسارات لا انفصالها ، أو إذا استمرت تلك الثقافة الذكورية فلا بد من الانفكاك.
ان السؤال المحوري في هذا الفصل هو عن كيفية إفادة المرأة من المصادر الشعرية التي نهلت منها قديمها و حديثها ؛ و كيف مزجت التاريخ الماضي و المعاصر في مرجعياتهما النصية التأريخية المستندة إلى بناء نصّي تجديدي ، و كيف تمظهرت المرجعية الاجتماعية لديهما عن طريق الحكايات الأسطورية و الخرافية و الوقائع و الأخبار و مجموعة من المأثورات الشعرية أو الدينية ، مما يكوّن تركيباً متعدداً و متنوعاً من الثقافات؛ فحضر الشّعبي و الرسّمي، و الشّفوي و المكتوب ، و العالمي و العربي.
أما الفصل الثاني المضمون ﺒ (السلطة الاجتماعية وأثرها في تشكيل القصيدة العراقية)، فتطرّق إلى ما يتعلق بالعلاقة بين الرجل و المرأة، فقد كان بمنزلة محاولة لرصد مسألة السلطة مع كثير من الاحتراز في تقديم الآراء حتى لا نقع في فخ المحظور. فالشواعر قد قُلْنَ الكلمات، لذلك تركنا الحرية للنص كي ينطق بطريقة تصوير تلك التابوهات القريبة من عوالم علم الاجتماع و كيف تجلت في تكوين القصيدة، وكذلك انصبت المحاولة على الفكر الديني و ما أحدثه من تحولات في تمفصلات القصيدة.
أما الفصل الثالث( الهوية النسويّة مهيمناً موضوعياً في الشعر النسويّ)، فتتركز المحاولة فيه على المصطلح المنفلت من التعريف بسبب تغير مفهومه، و اختلاف استعمالاته تأريخياً ما جعله موضع اختلاف كبير بين الدارسين و النقاد، إذ استعمل هذا المصطلح لتحديد الاختلافات بين الرجال و النساء على مستوى الوظيفة الاجتماعية.
و وقفت الدراسة هنا عند السياقات المختلفة التي اندرج ضمنها هذا المصطلح ، و الدلالات المختلفة التي حملها تاريخياً ، و علاقاته بمفهوم الجنس و اللغة، و هيمنة هذا المصطلح و كيف تجلى في القصيدة العراقية. حاولت الدراسة التوغل في الملامح الأنثوية التي توزعت بين سطور القصائد ، و تطرق هذا الفصل أيضاً إلى الصورة المُجَرَّدة في القصائد قبل أن ينهي الحديث عن تلك المصطلحات المحرّكة للقصيدة.
و انتهت الدراسة إلى خاتمة لخصت أهم النتائج و الملاحظ العلميّة المشتقّة من الرؤية الشمولية ، أهمها ما يكشف عن أن الشاعرة العراقية استطاعت التحوّل من الهامش إلى الصدارة.
إن هذا العمل ما كان له أن يظهر لولا فضل الله ثم متابعة أستاذي المشرف الأستاذ الدكتور إياد عبد الودود عثمان الحمداني فقد قدّم توجيهات قيّمة ، و أنار لي الكثير من طرائق التعامل مع النّصوص الإبداعيّة و المقولات الثقافية ، فهو قاموس كبير من العلم ، و الأخلاق ، تعلمتُ منه الصّبر ، و الإرادة ، و الموضوعيّة ، فاللهَ أسألُ له التّوفيق و السّؤود ، فلولاه ما كان لهذا العمل أن يستوي و يُنجز.