اعلام المكتبة المركزية / المهندس مهند
المستخلص
إنَّ من المهم دراسة الفرق الاسلاميَّة والمذاهب الّتي تعدّ امتدادًا لتاريخنا العربيّ الإسلاميّ على وجه الخصوص، وتمثّل الفرق الإسلاميَّة تراثًا يكوّن مفاصل الحياة عبر العصور المختلفة على اختلاف صراعاتها وتقلّباتها ولاسيّما الصّراعات السياسيَّة الّتي تمثّل قلب تلك المذاهب الفكريَّة، ومن هذا المنطلق كان اختيارنا لعنوان هذه الدراسة مبنيًّا على أساس دراسة الفرق الإسلاميَّة فصيغ العنوان بـــــ(الفرق الإسلاميَّة في كتاب الحور العين عن كتب العلم الشّرائف دون النّساء العفائف لنشوان الحميريّ ت 571ه دراسة تاريخيَّة تحليليَّة) فهي دراسة متشعّبة ما بين التّاريخ وعلم الكلام والفلسفة، وإنَّ الخوض في مجال الفكر الإسلاميّ يستند إلى عدّة مرتكزات أهمَّها الحياديَّة والجرأة في الكتابة، إذ كُتبت الكثير من المصنّفات حول الفرق الإسلاميَّة إلّا أنَّنا حاولنا الدّخول لدراسة هذه الفرق من خلال أحد المصنّفات الأدبيَّة وهو كتاب (الحور العين) لصاحبه نشوان الحميريّ(573هـ/1177م). ولعلَّ أهميَّة هذه الدّراسة تبرز في كشف وإضاءة جانب من التّاريخ من خلال دراسة هذه الفرق وتتبّع ما أحدثته من صراعات وجدل فكريّ على مستوى السّاحة الإسلاميَّة، وتأثير هذه الآراء على الفكر الاسلاميّ، ونأمل أن تكون فاتحة خير لدراسات أعمق وأوسع، وأن تكون انطلاقة جديدة على مستوى دراسة التّاريخ والفكر والفلسفة. ويعدّ نشوان الحميريّ(573هـ/1177م) من أبرز مفكّري القرن السّادس الهجريّ في اليمن، وكتب في اللغة والنّحو والفكر، ولديه روائع شعريَّة ورسائل أدبيَّة من أبرزها كتابه(الحور العين)، الذي يمثّل صلب دراستنا في الأطروحة هذه، ولقد حاول في كتابه هذا أن يبيّن للقارئ معرفة عن كلِّ شيء شيئًا، ويتحدَّث عن اللغة، والأدب، وفلاسفة اليونان، وأديان الهند، والفرق الإسلاميَّة وتشعّباتها. وممّا تقدَّم تولَّدت لدى الباحث دوافع الخوض في غمار الكتابة الأكاديميَّة والبحث في هذا الموضوع المهمّ، ولإدراكنا بأهميَّته في إغناء المكتبة العربيَّة لحاجتها لمثل هكذا موضوعات، لما لذلك من أهميَّة في تحليل الأحداث التّاريخيّة الاخرى، والتي صاحبت نشوء الفرق الإسلاميَّة. تكمن أهميَّة الموضوع في ارتباطه بأكثر من جانب، فهو مرتبط بالتّاريخ والإسلام، ولامتداد هذه الجوانب بواقعنا المعاصر وحياتنا الاجتماعيَّة، ومن المعلوم أنَّ المسلمين اختلفوا في الكثير من الأمور العقديَّة، والسّياسيَّة، فبعد رحيل الرّسول صلّى الله عليه واله وسلّم بمدة ليست بالطّويلة بدأ المسلمون يختلفون في فهمهم لهذا الدّين، ونتج عن ذلك ظهور أكثر من فرقة إسلاميَّة أثَّرت على مجرى التّاريخ الإسلاميّ، لذلك وجدنا الرّوايات التّاريخيَّة مختلفة حول أيّ فرقة نريد دراستها، إذ إنَّ أغلب المؤرّخين كتبوا تاريخ وعقائد هذه الفرق كلّ حسب ما يراه، وليس حسب ما تراه تلك الفرق، لذلك كان علينا أن ندرس هذه الفرق دراسة تاريخيَّة تحليليَّة عسى أن نُوفّق فيها، ومن الله التّوفيق. إنَّ أيَّ باحثٍ لا بدَّ أن يواجه بعض الصّعوبات الّتي تقف في طريق دراسته، ولعلَّ من أبرز هذه الصّعوبات هي الخوض في دراسة الفرق الإسلاميَّة من خلال وجهة نظر أحد المصنّفين اليمنيين، وهذه المسألة نواجه فيها صعوبة لسبب هو أنَّ في دراستنا الأكاديميَّة خلال مراحل الدّراسة لم نهتمّ بها، ولا يقع اللوم على عاتق الكلّيَّة أو الجامعة، إنَّما هي مشكلة عامّة على مستوى العراق، وما أريد قوله هو قلّة معلوماتنا عنها فضلًا عن ذلك أنَّ محور دراستنا (الحور العين) بالأصل رسالة أدبيَّة فكيف إذا كانت دراسة الفرق من خلال نصّ أدبيّ، وتكمن المشكلة الأساسيَّة في تحقيق الكتاب الذي لم يكن بالمستوى المطلوب للدراسة، ففيه الكثير من التّصحيف وعدم الاهتمام، كما أنَّه لم يُعرف صاحب الكتاب بالشكل الوافي، أمَّا على مستوى الموضوع فإنَّ الصّعوبة تكمن بشكل عامّ في الخوض في هذا المجال الذي يحتاج لإدراك عميق لكلِّ ما يتعلَّق بظهور أيّ فرقة (الحالة السّياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والفكريَّة والقوميَّة والعسكريَّة) كما أنَّ الكتابة في هذا المجال تحتاج الى جرأة وحياديَّة بشكل أكاديميّ ولاسيّما أنَّنا نعيش بظروف تتسم بالصّعوبة على مستوى العراق، فالحروب شملت المنطقة بصورة عامّة أي ما زال هنالك توجّس لدى الكثير من الباحثين للكتابة في هذا المجال، كما أنَّ الصّعوبة تكمن في تحدّي نفسيّ من باب عدم الانجرار خلف أيّ من هذه الفرق، فلقد لاحظنا من خلال هذه الدراسة أنَّ اغلب المصنّفات والمصنّفين حينما يتحدّثون عن أيّ فرقة يتمّ دراستها والبحث فيها من منظور فقهيّ ومذهبيّ، فلم يعيروا أيّ اهتمام للجانب التّاريخيّ ولظروف نشوء هذه الفرق لذلك غالبًا لم توفّق هذه الدّراسات في جانب الحياديَّة.