المستخلص
وقد اتخذت هذه الدراسة من التسهيل وشروحه منطلقاً لدراسة هذه الظاهرة، لما عُنِي به هذا الكتاب من كثرة الشروح والدارسين ، فكثُرت الآراء حول دراسة نصوصه وتشعبت لما وقع فيها من أدلة وآراء ، وقد اعتمدت الدراسة على الشروح المطبوعة، ويقوم منهجها على ركيزتين أساسيتين هما: نفي الأدلة النحوية ، ونفي الآراء المؤسسة للقواعد النحوية المبنية على تلك الأدلة بطبيعة الحال، ، ، فعُنيت هذه الدراسة بالجانب الثاني من الآراء وهو ما قام على الخلاف أو الخروج على رأي المصنّف ونفي أدلّته ومناقشة آرائه لكون منهج هذه الدراسة يتخذ من الردود النحوية منطلقاً له وأساساً يناقش في ضوئه آراء المصنف وشرّاح التسهيل على حد سواء فما منهج هذه الدراسة إلا مظهرٌ من مظاهرِ الخلاف النحوي وجزءٌ لا يتجزأ من أشكال الردود النحوية.
ومما أود الإشارة اليه أمران، الأول: أنّ هذه الدراسة التي تحمل هذا العنوان لا تقوم على نفي الحجة أو إنكارها إطلاقا ، فمما لا شكَّ فيه أن القواعد العربية حين بُنيتْ بُنيتْ على حِجج نقلية أو عقلية لايمكن إنكارها، وإنّما هي دراسة قائمة على بيان ما لا حجة له في موضِعه ، أو في طريقة عرضِه، والاستدلال أو الاستشهاد به ، وليس البحث عن حجته ، الثاني: أنّ قضية نفي الحجة قضية نسبية وليست مطلقة فهي تُقبلُ عند نحوي و لا تُقبل عند آخر، فما يراه أحدهم فيه حجة، يراه غيره لا حجة فيه.
فالدراسة هي نوع من الردود بعبارة مختلفة تقوم على رد الدليل سواء كان هذا الدليل نقليًا أم عقليًا، وهي قائمة على عرض المسائل التي وصفها النحاة بأنّها لا حجة فيها وإمكانية دراستها دراسة علمية دقيقة مع البحث عن الأسباب التي دفعت العالم الى التصريح بنفيها ، وهل كان هذا التصريح من العالم كافياً ليثبت انه لا حجة في هذه المسألة؟
وجدير بالذكر أننا نعدم في هذه الردود النحوية _التي تتخذ من نفي الحجة مرتكزا لها_ ذلك التباين الملحوظ في طرائق نفي الحجة، ومظاهره، وأسبابه، وأشكاله، وسبب ذلك عائد الى مذهب الشرّاح أنفسهم؛ لكونهم ينتمون الى مذهب واحد هو مذهب البصرة، وبهذا يكون تعاملهم مع الأدلة النحوية واحدا أو يكاد يكون كذلك، فمرتكزات المنهج البصري ومنطلقاته تفرض على الشرّاح _أو تكاد تكون_ منهجاً مشتركاً بينهم في تعاملهم مع الأدلة النحوية وردّها، و لا سيّما في تعاملهم مع الأدلة النقلية وردّها أو وصفها بالشذوذ أو القلة أو الندرة… وغيرها من الأوصاف.
ولم يتبع الشراح منهجًا واحدًا في التعامل مع نص التسهيل بل انقسموا على طائفتين : الأولى اتخذت من منهج نفي الحجة اساساً لها وذلك ما نجده عند صاحب النص نفسه في شرحه للتسهيل، ونجدها كذلك عند أبي حيّان وهو من أكثر الشراح تصريحا بنفيها ، وفي أحيان قليلة مع ناظر الجيش ، إذ ظهر عند أصحاب هذا المذهب نفي الحجة صريحاً في مواضع مختلفة ولا نبالغ إن قلنا إنّ نفي الحجة كان مقتصرا عليهم.
والثانية: اكتفت بترديد نص التسهيل وبعض أراء مَن سبقهم من دون مناقشتها أو الرد عليها أو الاختلاف معها أو نفي حجتها، من دون إضافة يمكن أن نفيد منها في مجال هذا البحث سوى بعض المواضع التي يمكن أن يعتمد عليها في تعضيد الآراء أو ترجيحها.
وهذه الدراسة تختص بمظهر من مظاهر التعامل مع الأدلّة والآراء النحوية، وتجسد صفة من صفات التعامل مع هذه الآراء، وطرائق مناقشتها وأساليب الرد عليها، فهي تصف بصورة عامة طرائق دراسة هذه الآراء في المذاهب النحوية ، ولاسيّما مذهب البصرة سواء كان ذلك على المستوى العام ، وأعني بذلك عند مذهب بعينه، أو كان على مستوى خاص أي على مستوى نحوي فأكثر، ومن هنا انتهج البحث المنهج الوصفي في دراسة هذا النوع من التعامل مع الأدلة، والآراء النحوية.
وبناءً على ما تقدم جاءت هذه الدراسة مقسمة على ثلاثة فصول تسبقها مقدمة وتمهيد بعنوان (الحجة في النحو العربي و شروح التسهيل لابن مالك)، وتعقبها خاتمة و ثبتُ المصادر والمراجع ، اختص الفصل الأول منها بدراسة نفي الحجة السماعية والقياسية بعنوان ( ما لا حجة فيه في الأدلّة النحوية) وجاء على مبحثين:
المبحث الأول: ما لا حجة فيه في السماع (كلام العرب)، وتضمن الحديث فيه عن بعض المسائل التي نفى ابن مالك وبعض الشرّاح الأدلة فيها سماعاً.
المبحث الثاني: ما لاحجة فيه في القياس، والذي تضمن الحديث فيه عن نفي الحجة القياسية.
أمّا الفصل الثاني فاختص بدراسة نفي الحجة لمذهب نحوي معيّن وتضمن مبحثين:
الأول بعنوان: ما لاحجة فيه للمذهب البصري، والثاني: ما لاحجة فيه للمذهب الكوفي.
أما الفصل الثالث فاختص بدراسة ما لا حجة فيه لنحوي أو أكثر، وانقسم على ثلاثة مباحث : الأول: ما لا حجة فيه لنحوي واحد وانقسم على قسمين: الأول: تضمن ما لاحجة فيه لنحوي بصري ( الاخفش، و ابن جني، و الفارسي، و الزمخشري) ، والثاني: ما لا حجة فيه لنحوي كوفي: وتضمن نفي حجة كل من( الكسائي والفراء) .
والمبحث الثاني كان بعنوان: ما لاحجة فيه لأكثر من نحوي، ( المبرد وابن كيسان، والمبرد وابن السراج والفارسي، والكسائي والفراء) والمبحث الثالث بعنوان: نفي حجة المصنف. ثمّ خاتمة تضمنت أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، ثم ثبت المصادر والمراجع والتي اعتمدت شروح التسهيل بالدرجة الاولى ثم ما يقرب للموضوع من مصادر في الأصول النحوية والخلاف النحوي.
ولعلّ من أقرب الدراسات الى منهج هذه الدراسة هي دراسات الخلاف النحوي و دراسات الردود النحوية ، أمّا الصعوبات التي واجهت الباحثة فللّه الحمد لم تكن لي صعوبات غير صعوبة تصنيف المادة العلمية بطريقة تضمن استقلال كل قسم من هذه الدراسة عن الآخر استقلالًا تاماً ؛ وذلك يعود الى تداخل المادة العلمية التي تشكل عينة البحث.