المستخلص
فإنَّ صحيح البخاري يُعدُّ أهمَّ كتب الحديث على الإطلاق ، وقد حظي بالعناية الكبيرة من قبل المسلمين على اختلاف طبقاتهم وتباين مذاهبهم ، وهو الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله – r – وسنته وأيامه ، صنفه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) واستغرق في تحريره ستّة عشر عامًا ، وقد تلقاه العلماء بالقبول في كل عصر وشهدوا له بالتفوق على كل ما سبقه من المصنفات ، فألفت حوله الكتب الكثيرة من شروح ومختصرات ، وتعليقات ، ومستدركات ، ومستخرجات ، وغيرها مما يتعلق بعلوم الحديث ، ومن اهم هذه الشروح كتاب (فتح الباري شرح صحيح البخاري) للحافظ ابن حجر العسقلاني الذي يُعدُّ أهم كتب ابن حجر أخذ في جمعه وتأليفه ، وإملائه ، وتنقيحه أكثر من خمس وعشرين سنة ، ومن ثناء العلماء عليه قول تقي الدين الدِّجْوي : ((أُوتي هذا بسطةً في العلم واللَّسن وكيف لا ؟ وهو الإمام ابن الإمام أبو الفضل بن أبي الحسن ، لقد بهر ابنُ حجر بفضله العقولَ والأفكارَ ، كما فاق حَجَرُه الياقوت بل غيره من الحجَّار … ﱡﭐ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﱠ [البقرة : 74] ، فإنه جمع فأوعى وأوعب جمعًا وأبدع لفظًا ومعنى وجمع إحسانًا وحُسنًا))([1]) ، وقد ظهر في شرحه وتفسيره المنهج اللغوي بمستوياته المختلفة مما جعل دراسة هذا المنهج واستخراج أساليبه وخفاياه من قبل الباحثين أمرًا عظيم الفائدة ؛ لأن من يقرأ الشرح يجد المناهج اللغوية متداخلة ومتكاملة لحاجة الشرح ولها أثر مهم في كشف ملامح الحديث النبوي الشريف من خلال رصد الظاهرة اللغوية في الحديث النبوي الشريف من جوانبه كلها ، ولما كان شرف العلم بشرف المعلوم والحديث النبوي هو المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي وإنَّ الخوض فيه يقود إلى سعادة الدارين كانت همتي منصرفة لتحصيل شيء ييسر لي ذلك ، ومن هنا كان السعي لاستكمال بحثي في مرحلة الدكتوراه فاخترت الكتابة في موضوع (منهج ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) في تفسير الحديث النبوي الشريف لغويًا) ، والفضل يعود لله أولًا ثم إلى الأستاذين الفاضلين بتوجيه العنوان وتسديده الدكتور (إبراهيم رحمن الأركي) والدكتور (محمد عبد الرسول سلمان) حفظهما الله وجزاهما خير الجزاء .
– عنوان البحث وفكرته :
إنَّ عنوان البحث هو : (منهج ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) في تفسير الحديث النبوي الشريف لغويًا) ، والبحث يهتم بالكشف عن الوسائل التي استخدمها ابن حجر في تفسير الحديث النبوي الشريف وأثر هذه الوسائل في إيضاح المعنى فيه .
فالتفسير اللغوي يقصد به بيان المعاني بما ورد في لغة العرب وهو عام يشمل كل مصادر البيان في التفسير ، والمراد بما ورد في لغة العرب : ألفاظها وأساليبها التي نزل بها([2]) ، وقيل : ((من أراد معرفة ما في كتاب الله عزَّ وجل وما في سنّة رسول الله r في كل كلمة غريبة أو نظم عجيب لم يجد من العلم باللغة بُدًّا))([3]) ، فالتفسير اللغوي يعتمد على شخصية ابن حجر العلمية التي تجمع عدة صنوف ثقافية فإلى جانب ثقافته الحديثية الواسعة كان يحوز ثقافة قرآنية واضحة وأخرى لغوية ونحوية وتاريخية فعكف على تأليف كتابه حتى خَلَّف نتاجًا غزيرًا يصدر عن نظرة لغوية فاحصة معمقة وفكر ناقد شهد له بذلك كثير من العلماء فاعتمد علوم اللغة في تبيين المراد من الحديث النبوي الشريف ، فهي تُعدُّ – (علوم اللغة) – الأساس الذي استندت إليه علوم القرآن والحديث وتفسيرهما فهي – علوم اللغة – نشأت لخدمة القرآن الكريم والوصول إلى معانيه واستنباط احكامه ودعمه وكشف أسراره وإعجازه ، فلا نكاد نجد تفسيرًا يخلو من اعتماد صاحبه على علوم اللغة ، ومن أشهر هذه الكتب كتاب (فتح الباري شرح صحيح البخاري) ، إذ بَثَّ في شرحه الكثير من القضايا اللغوية فيعرض في الحديث الواحد أوجه الإعراب المحتملة ، ثم ينظر إلى أثرها البلاغي كما يحدد الميزان الصرفي للكلمات ، وهكذا تجلت قوة المفسر ابن حجر اللغوية وتوظيفها لتفسير الأحاديث النبوية الشريفة .
– أهمية الموضوع وجدوى دراسته : تأتي أهمية الموضوع وجدوى دراسته من حاجة المكتبة العربية إلى إلقاء الضوء على دراسة التفسير اللغوي للغة الحديث النبوي الشريف ، ولاسيما في كتاب فتح الباري، إذ وظّف في شرحه كثيرًا من وسائل شرح المعنى فهو من كتب التراث المهمة التي تحمل في طياتها كمًا هائلًا من العلوم اللغوية ، وأرادت الباحثة إثبات عمق علم ابن حجر وبُعدَ نظره ، وأنه كان يجمع في كتابه علومًا مختلفة وبخاصة العلوم اللغوية، وهو – فتح الباري – نموذج مشرق – يستحق الدراسة – ومما زاد من اهتمامي قلة الدراسات التي خصصت لتناول منهج ابن حجر اللغوي في تفسير الحديث ، إذ إنني بعد الاطلاع على ما كتب حول هذا الكتاب – فتح الباري – في العديد من المكتبات والمواقع – لم أعثر على دراسة علمية تناولت منهجه في التفسير اللغوي في إطار دراسة علمية متخصصة ومحكمة
([1]) الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر : 1/273 .
([2]) ينظر : التفسير اللغوي للقرآن الكريم : 39 .
([3]) الصاحبي في فقه اللغة : 50 ؛ وينظر : التفسير اللغوي : 41 .