المستخلص
عُني مؤرخون عديدون ذوو الأصل العربي بدراسة التاريخ العربي الإسلامي، وتحقيق العديد من مخطوطاته، وكان بعضهم ممن استقر في الغرب الأوروبي أو الولايات المتحدة الأميركية، ولكنهم مع ذلك لم ينسوا جذورهم العربية، واهتموا اهتماماً خاصاً بحقل الدراسات الشرقية، ومنهم المؤرخ الأميركي ذي الأصل اللبناني فيليب حِتّي Philip Hitti (1886-1978م)، ولهُ دور بارز في دراسة تاريخ الحروب الصليبية، إذ أصدر العديد من الدراسات عن العلاقات بين الشرق والغرب في العصر الوسيط خلال تلك المرحلة، ومن هنا تبرز أهمية الدراسة والكتابة في مثل هذا الموضوع.
وقد ارتأينا في هذه الدراسة التعريف بالمؤرخ فيليب حِتّي ورؤيته تجاه الحروب الصليبية وما كتبه عن العلاقات بين المسلمين والصليبيين في العصر الوسيط واسهامه في دراسة صلاح الدين الأيوبي ودوره في حركة الجهاد الإسلامي. وللتعرف على وجهة نظره ودراستها تحليلاً ونقداً سواء كانت إيجابية أم سلبية، ولكونه مؤرخاً مارونياً مسيحياً عربي الأصل عاش في الولايات المتحدة الأميركية وكتب عن التاريخ العربي الإسلامي، ومما لا شك فيه فإن خلفيتة الدينية قد أدَّت دوراً في التعبير عن آرائه، فكان لا بد من معرفتها، وما إذا كان قد تأثر برؤى ووجهات نظر الغرب عن التاريخ العربي الإسلامي أم لم يتأثر بها.
وتناول حِتّي الحروب الصليبية في ستة مؤلفات كتب فيها عن هذه الحقبة بصورة تبدو متشابهة في جميعها. وهي: كتاب (تاريخ العرب المطول) ويقع في جزأين تناول حقبة الحروب الصليبية في الجزء الثاني منه، وتجدر الإشارة إلى ان هذا الكتاب من تأليف فيليب حِتّي واشترك معه كل من الدكتور جبرائيل جبور والدكتور ادوارد جرجي اللذان عملا على تنقيحه وترجمته إلى اللغة العربية ونوّه حِتّي إلى ذلك في مقدمة الكتاب المذكور، وكتاب (العرب تاريخ موجز) وهو اختصار للكتاب الأول، وكتاب (تاريخ سورية ولبنان وفلسطين) وهو كتاب ضخم يقع في جزأين تحدث فيه عن الحروب الصليبية في جزئه الثاني، وكتاب (خمسة آلاف سنة من تاريخ الشرق الأدنى)، ويتألَّف من مجلَّدين، كتب في مجلده الثاني عن الحروب الصليبية، وأخيراً كتاب (تاريخ لبنان) ومن ضمن ما تناول فيه تاريخ لبنان خلال حقبة الحروب الصليبية.
ان فرضية البحث التي ستثبتها الدراسة من خلال التحليل والاستنتاج والتقصّي هي أن فيليب حِتّي رغم ميله وتحكم عواطفه في تفسير العديد من الأحداث التي خصّت الحروب الصليبية إلا ان تحليلاته ونقله لتلك الأحداث حملت في بعض من المواقع الحيادية والتحليل المنطقي، وهذا يدل على براعته وحرفيته في تناول أحداث التاريخ.
واجهت الدراسة بعض الصعوبات منها عدم توفر بعض المصادر الأجنبية التي تُعد ضرورية للدراسة ولا سيما ما يتعلق منها بالجانب الأوروبي، مما اضطرني إلى الاعتماد على المراجع الأجنبية والعربية المعتمدة بمثل هكذا دراسات. أما الصعوبة الثانية فتتمثل في جانب الغموض عن حياة فيليب حِتّي فقد حاولت مراراً البحث عن مصدر يوصلني لأحد من أفراد عائلته في لبنان أو في الولايات المتحدة الأميركية ولكن لم أتمكن من ذلك. وكان هدفي هو جمع معلومات أكثر عن حياته منذ الطفولة وحتى وفاته.
واقتضت طبيعة الدراسة تقسيمها على مقدمة وأربعة فصول، وخاتمة لأهم الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة، وقائمة بأهم المصادر والمراجع المستخدمة، وملخّص للاطروحة باللغة الإنجليزية.
خُصص الفصل الأول لدراسة (سيرته الذاتية ومسيرته العلمية) وقُسِّم على ثلاثة مباحث، الأول تحدّث عن سيرته من حيث ولادته ونشأته وأسرته ودراسته، ونشاطاته العلمية العامة، والوظائف التي شغلها، والتكريمات والأوسمة التي نالها، وتلاميذه، وأخيراً حياته الأخيرة ووفاته. أما المبحث الثاني فقد تناولنا فيه نتاجه العلمي من حيث: مؤلفاته باللغة الإنجليزية، ومؤلفاته العربية والمعرَّبة، وتحقيق الكتب، والبحوث والمقالات، وأخيراً قراءة في نتاجه العلمي. أما المبحث الثالث فقد تضمن منهجه وموارده في مصنّفاته.
أما الفصل الثاني فحمل عنوان(بواعث قيام الحروب الصليبية وتأسيس الإمارات اللاتينية) وقُسِّم على ثلاثة مباحث، الأول الحديث عن أسباب ودوافع قيام الحروب الصليبية وتضمن الدوافع الدينية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية، أما المبحث الثاني فقد تضمن تأسيس الإمارات اللاتينية الرُها وأنطاكية ومملكة بيت المقدس وطرابلس، فيما خُصص المبحث الثالث لدور المدن التجارية الإيطالية (جنوة والبندقية وبيزة) في الحرب الصليبية الأولى.
أما الفصل الثالث فقد كان بعنوان (رد الفعل الإسلامي ضد الوجود الصليبي) وقُسِّم على ثلاثة مباحث، تضمن الأول الزنكيون: عماد الدين زنكي ونور الدين محمود، أما المبحث الثاني فكان عن الأيوبيين: صلاح الدين الأيوبي وخلفائه، أما المبحث الثالث فكان عن أشهر السلاطين المماليك: الظاهر بيبرس، والمنصور قلاوون، والأشرف خليل.
أما الفصل الرابع فكان بعنوان (التفاعل الحضاري بين الشرق والغرب إبّان الحروب الصليبية) وقُسِّم على مبحثين، الأول العلاقات الثقافية من حيث: العلم والفلسفة والأدب، وعن فن العمارة وفنون الحرب. أما المبحث الثاني فكان عن الصلات الاقتصادية والاجتماعية بين الممسلمين والصليبيين وشمل: الصلات الاقتصادية من حيث الزراعة والصناعة والتجارة، ثم الصلات الاجتماعية.