المستخلص
ان المسلمين الاوائل حرصوا على تدوين السنة النبوية والتي كانت السيرة النبوية التي كانت جزء من دراسة الحديث وبمرور الزمن اصبحت علما مستقلا عنه، فالسيرة النبوية قدمت نصوص الوحي بشكل تطبيقي وواقع علمي، ، لذلك فان لدراسة السيرة النبوية أهمية عظمى في حياة العرب والمسلمين، فكان العظماء والقادة كلهم يحرصون دائماً على كتابة مذكراتهم وسيرهم الذاتية ليلتمس الناس في تلك السير مواطن الاقتداء والافادة، لذا فأن سيرة الحبيب المصطفى محمد (r) هي أولى هذه السير بالدراسة. ومن الثابت تاريخياً إن سيرة النبي محمد (r) هي أصدق سيرة نبي عرفتها البشرية، اذا ما قورنت بغيره من الأنبياء وخير مثال على ذلك سيرة نبيا الله عيسى وموسى (عليهما السلام) في كتبهم التي كتبت في عهود متأخرة تقدر الاولى ب(5) قرون ، والثانية ب( 3 ) قرون والتي شابها التحريف والتصحيف كما أن نسبتها الى كاتبيها لم تثبت، بالاضافة الى ماتم من انقاصها او زيادتها في العصر الحالي بين طبعة وطبعة ، وهذا بحد ذاته دليل للتشكيك في صحتها، اذا ما قورنت بسيرة النبي محمد (r).
واختلفت الدراسات والأبحاث المقدمة في جوانب السيرة النبوية تبعاً لاختلاف طبيعة المعالجات التي قدمها مؤلفوها. لذا بات الخوض في المواضيع المتشابهة يشوبه الكثير من الصعوبات والعقبات للوصول الى ما هو جديد، لذا أصبح لزاماً علينا أن نأخذ المعلومة ونفتش عنها في غير هذا الباب ومن هنا جاءت أهمية موضوعنا في البحث عن السيرة النبوية.
أ – أهمية الدراسة:
دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع أمور عدة منها:
اولاً- الرغبة في دراسة السيرة النبوية من غير هذا الباب أي من غير مصادرها عَلّنا نجد بعض ما فاتنا من النصوص والروايات التي غفلت عنها كتب التاريخ والسير، والتي مر ذكرها في كتب معاجم غريب الحديث ومعاجم اللغة وكتب الأدب، وكان ذلك حافزاً في نفسي ورغبة مني للخوض في هذا المضمار لدراسة السيرة النبوية.
ثانياً – كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر لمجد الدين بن الأثير واختياري له لدراسة السيرة النبوية من خلاله يكمن في أن المتأمل حواشي هذا الكتاب يقف على حقيقة هامة هي أن مجد الدين بن الأثير كاد أن يغطي في ثنايا كتابه هذا جميع أحداث السيرة النبوية.
ثالثاً – ان ما يميز هذه الدراسة اعتمادها على ما فسر من الكلمات الغريبة والالفاظ الغامضة التي كانت في أغلب الأحيان مقرونة بمادة تاريخية تتعلق بالسيرة النبوية لأجعل منها مادة ثرية للدراسة.
رابعاً – تسليط الضوء على منهاج المحدثين من اصحاب غريب الحديث ومواردهم في ايراد الأحداث التاريخية للسيرة النبوية،
خامساً – الوقوف على أوجه الشبه والاختلاف بين أصحاب معاجم غريب الحديث وبين أهل السير في تناول المرويات المتعلقة بالسيرة من حيث السند والتوثيق، فضلاً عن منهجية كل منهما.
ب- الصعوبات التي واجهت الباحث:
اولاً – لم تخلو الدراسة من صعوبات أملتها طبيعة الموضوع في مقدمتها اقتصار مجد الدين بن الأثير على تفسير وتوضيح الألفاظ والكلمات الغريبة التي وردت في الأحاديث النبوية والنصوص التاريخية التي تناولها في متون كتابه فقد اقتصر على تناول العبارة التي ضمت الكلمة الغريبة فقط دون أن يتناول بقية الرواية، بل تعدى ذلك الى أن الرواية التي كانت تضم أكثر من لفظة غريبة صنفها الى بابها أو مادتها كون الكتاب كان قد رتبه وفق الحروف الهجائية مما تسبب في تشظي الرواية الواحدة في أبواب الكتاب وأجزاءه الخمسة، مما حدا بالباحث الى جمعها في رواية واحدة وإسنادها إلى حدثها التاريخي الأمر الذي يترتب عليه أن تكون للرواية الواحدة عدد غير قليل من الهوامش.
ثانياً – عدم الاشارة الى الحدث التاريخي الذي تنسب له في نقل الرواية التاريخية، مما يضطر الباحث بالرجوع الى أصل الرواية أو الحديث في مصادرها الأصلية، لكي ينسبها إلى بابها أو الحدث التاريخي الخاص بها بحيث يجعل منها واضحة ومفهومة للقارئ.
ثالثاً – ان الكثير من الاحاديث والروايات التي اوردها مجدالدين بن الاثير كان قد نقلها باسلوبه او تعبيره الخاص دون التقيد بالفاضها الصريحة الموجودة في كتب متون الحديث مما تسبب في احداث لبس لدى الباحث في نقلها .
رابعاً – سعة المادة التاريخية وضخامتها التي انعكست على حجم الدراسة كما ان الباحث استثنى من دراسته هذه موضوع صفات النبي (r) لسعة مروياتها وكثرتها التي يمكن أن تكون بحد ذاتها عنوان لدراسة أكاديمية في هذا المجال.
خامساً – اصابة الباحث بجائحة كورونا التي كادت ان تقضي عليه لولا لطف الله تعالى على عبده .
وأخيراً فأن كل هذه المشكلات استدعت من الباحث جهداً وصبراً ووقتاً ليس بالقليل للخروج بهذه الصورة لموضوع الدراسته التي يأمل أن تنال الرضا والقبول.
ت- المنهج الذي اعتمده الباحث في دراسته:
اولاً – ان المنهج الذي اعتمده الباحث في الدراسة هو منهج تحليلي وصفي نقدي، بالاعتماد على المرويات والأحاديث التي تناولها وعلى ما فسره من الكلمات الغريبة المقرونة بالمادة التاريخية المتعلقة بأحداث السيرة النبوية والتي كانت متفرقة في كتابه، والحقنا موضوع بموضوعه وفق التسلسل الزمني لأحداث السيرة النبوية،
ثانيا – كما عمدنا الى توضيح المصطلحات والألفاظ المبهمة من قبيل التعريف بالمواضع وأسماء البلدان، فضلاً عن التعريف بالأشخاص الذين ورد ذكرهم في النصوص محل الدراسة، والتعريف بها كلٌ وفق مصادره الخاصة.
ثالثاً – كما قام الباحث بعزو الآيات القرآنية الى مواضعها في كتاب الله، وذلك عن طريق ذكر اسم السورة، ورقم الآية.
رابعاً – كذلك تنوع أسلوب مجد الدين بن الأثير في طريقة استدلاله بالأحاديث النبوية فاحيانا يوردها باللفظ نفسه، وتارة يذكرها بلفظٍ آخر،وأخرى يوردها بالمعنى فلا يمكن للباحث الاستدلال عليها بالرجوع الى كتب متون الحديث.ثم تخريج الأحاديث النبوية الشريفة من كتب الصحاح أو غيرها من كتب الحديث..
خامساً – في كثير من الأحيان ينقل الرواية دون الاشارة الى الحدث التاريخي الذي تنسب له، ومقارنة ما ورد من نصوص في كتاب النهاية لمجد الدين بن الأثير مع المصادر المتناولة الاخرى والممثلة بكتاب السيرة، وكتب الحديث الشريف وإبداء جوانب التوافق والاختلاف فيما بينها، مع ابداء بعض الآراء والأحكام العلماء والمؤرخين القدامى منهم والمعاصرين الى جانب ما اجتهدنا به.
سادساً- فضلاً عن إبراز المرويات التي تفرد بها مجد الدين بن الأثير في كتابه والتي لم نجدها عند غيره، وهنا يمكن أن نعزو ذلك الانفراد الى فرضية أن يكون مجد الدين بن الأثير قد نقل عن مصادر سبقته وقد ضاعت ولم تصل الينا، أو قد نقلها بأسلوبه.
ث – الدراسات السابقة:
تناولت العديد من الدراسات كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر لمجد الدين بن الأثير منها :
اولا _ الأحمر، صلاح كاظم داود ، الظواهر اللغوية في كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر، الجامعة المستنصرية ، كلية التربية ، قسم اللغة العربية ، في– فلسطين دراسات حديثية في تخريج أحاديث كتاب النهاية، نذكر منها:
ثانياً – شيرين سعد ،أحاديث كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر تخريج ودراسة من بداية حرف (الدال مع الياء) حتى نهاية باب (الراء مع التاء) ، الجامعة الاسلامية في غزة ، كلية أصول الدين ، فلسطين ، 2013م .
ثالثاً – موسى ، صلاح خليل ، أحاديث كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر من بداية باب (الحاء مع الشين) حتى نهاية باب (الحاء مع اللام) تخريج ودراسة، الجامعة الاسلامية في غزة ، كلية أصول الدين ، فلسطين ، 2020 م .
رابعاً – زعرب ، عيسى محمد ، أحاديث كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر من بداية باب (الجيم مع الميم) الى نهاية باب (الحاء مع التاء) تخريج، الجامعة الاسلامية في غزة ، كلية أصول الدين ، فلسطين ، 2013م .
خامساً– الخراط ، أحمد بن محمد، منهج ابن الأثير في مصنفه النهاية في غريب الحديث والأثر ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف،المدينة المنورة ، (د.ت) وجميع هذه الدراسات تبين انها دراسات لغوية وفقهية تختلف عن موضوع دراستنا.
اقتضت طبيعة الدراسة الى تقسيمها على مقدمة ، وأربعة فصول، مع خاتمة ومن ثم ملخص الاطروحة باللغة الانكليزية. تناول الفصل الأول( مجدالدين بن الاثير دراسة في سيرته الشخصية وحياته العلمية )، ثم شيوخه وتلاميذه ،ومجدالدين بن الاثير وعلاقته بالسلطة السياسية والوظائف التي تقلدها ، ثم مرضه ووفاته ، ونبذة تعريفية عن الكتاب ، ثم منهج مجدالدين بن الاثير في كتاب النهاية ، وموارد مجدالدين بن الاثير ، ومنهج مجدالدين بن الاثير في عرض المادة التاريخية للسيرة النبوية . أما الفصل الثاني فجاء بعنوان (مرويات السيرة النبوية من المولد الى الهجرة) وتناولت اسم سيدنا رسول الله (r) ونسبه، وعبد المطلب وقصة حفر بئر زمزم، ذكر المرأة المتعرضة لنكاح عبدالله بن عبد المطلب ، وزواج عبد الله من آمنة بنت وهب، ولادة الرسول (r) ونشأته ورضاعته ، ومن ثم أعماله (r) قبل الاسلام، ومشاركته أعمامه في أعمالهم، ثم زواجه من السيدة خديجة (رضي الله عنها)، وعرجنا على بشارات مبعثه (r)ثم قصة مبعثه، مروراً بمراحل الدعوة، وأساليب المشركين في معارضة الدعوة الاسلامية، ثم هجرة المسلمين الى الحبشة ، واسلام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ومقاطعة قريش لبني هاشم ووفاة أبي طالب عم النبي (r)،ثم زواجه (r) من سودة (رضي الله عنها)، وخروج النبي (r) الى الطائف، وحادثة الاسراء والمعراج وموقف المشركين منها، ثم تناولنا موضوع عرض الرسول (r) نفسه على القبائل وختمناها ببيعة العقبة.
أما الفصل الثالث فكان بعنوان (الهجرة الى المدينة وأسس بناء المجتمع)، وضمَّ الهجرة مفهومها وأنواعها، وهجرة المسلمين ليثرب، واجتماع مشركي قريش وتآمرهم على الرسول (r)، مروراً بهجرة الرسول (r) الى يثرب والمراحل التي مرت بها، ووصوله (r) الى قباء في تخوم المدينة ،ثم دخوله المدينة، ثم هجرة المستضعفين من مسلمي مكة، وتسمية يثرب بطيبة وطابة والمدينة ، وتكلمنا عن أحوال المسلمين في المدينة المنورة بعد الهجرة، وتناولنا أسس بناء المجتمع الإسلامي واللبنات الأولى له والمتمثلة ببناء المساجد، وتعزيز رابطة الأخوة بين المسلمين من المهاجرين والأنصار عن طريق نظام المؤاخاة، ثم تنظيم العلاقة بين مكونات المجتمع المدني من خلال توقيع وثيقة المدينة (الصحيفة) بين المسلمين أنفسهم من جهة وبين المسلمين واليهود من جهة أخرى والاهتمام بتخطيط المدينة وتنظيم سكنى المهاجرين، ثم مناقشة دور اليهود في المدينة وموقف النبي (r) منهم، وكذلك التصدي للمنافقين ومآربهم الخبيثة، اما في مجال تنظيم العلاقات الخارجية للدولة العربية تناولنا رسائل الرسول (r) إلى الملوك والأمراء، وأخيراً وفود القبائل العربية على النبي (r) في المدينة.
أما الفصل الرابع فحمل عنوان (النشاط العسكري السرايا والمغازي)، وتناولنا فيه الاذن بالقتال ومشروعيته، ثم أوضحنا الفرق بين الغزوة والسرية، والغزوات والسرايا قبل غزوة بدر الكبرى ، وهي غزوة ودّان أو الأبواء (1هـ)، وسرية عبيدة بن الحارث (1هـ)، وسرية سعد بن أبي وقاص، وغزوة العشيرة (2هت)، وغزوة سفوان (بدر الأولى) (2هـ)، ثم انتقلنا الى غزوة بدر الكبرى وما ضمته من أحداث، ثم السرايا والغزوات التي دارت بين بدر وأحد، ابتداءً بغزوة بني سليم وغطفان (قرقرة الكدر) ثم غزوة السويق وصولاً الى سرية زيد بن الحارثة الى القردة (3هـ)، ثم الحدث الأكبر والأهم غزوة أحد (3هـ) وما صاحبها من أحداث، وصولاً الى أهم السرايا والمغازي بين أحد والخندق، ممثلة بسرية عبد الله بن أنيس الى خالد بن سفيان الهذلي، وبعث الرجيع (4هـ) وبئر معونة، وجاءت بعدها غزوة الخندق (الأحزاب) (5 هـ) والعقلية الاستراتيجية العسكرية الجديدة التي امتازت بها والتي لم تعهدها العرب من قبل وهي حفر الخندق، ثم تلاها فتح المسلمين لمكة سنة (8هـ)، وما تبعه من سرايا بعثها الرسول (r) من مكة لتحطيم أصنام العرب، وقيادة الرسول (r) حملة عسكرية لتوحيد الجزيرة العربية ابتداءً بغزوة حنين وحصار الطائف في عام الفتح نفسه. ثم بعث أسامة بن زيد الى الشام، وصولاً الى نهاية عصر الرسالة بوفاة النبي (r).