اعلام المكتبة المركزية / المهندس مهند
المقدمة
لا يزال موضوع دراسة المدن يعد من المواضيع المهمة التي تغني المكتبة التاريخية على الدوام بمعلومات دقيقة ومركزة ولاسيما اذا كانت المعلومات المستقاة من المصادر الجغرافية المهمة التي لا يمكن لأي باحث الاستغناء عنها في مثل هكذا دراسات وجاءت دراستنا الموسومة ( مدن المغرب في كتب الرحالة المشارقة المقدسي البشاري (ت380هـ/990م) والقزويني (682هـ /1283م) أنموذجا – دراسة مقارنة) مثالا حيا لهذه الدراسات التي سلكت هذا المنحى ، وعلى الرغم من الدراسات الكثيرة السابقة التي اتخذت من مدن المغرب عنوانا للدراسة الا انها لم تتطرق إلى الموضوع الذي نحن بصدد دراسته ، إذ ان الجغرافيين الذين هما موضوع دراستنا قد زارا المغرب العربي ونقلا لنا معلومات مهمة عن مدنه وان تفاوت النقل عنهما بنسب مختلفة لأنهما من الرحالة الذين رحلا في طلب العلم والمعرفة ،أذ يعد المقدسي البشاري من رواد علم الجغرافية في هذا المجال لما اكتسبه من شهرة واسعة على مستوى الحلقات العلمية، لكثرة ولعه بالاسفار حتى ذكر أنه زار الانحاء جميعها بأستثناء الأندلس والسند وربما لم يزر سجستان ايضا، وبناء على هذه الرحلة فقد كتب لنا مصنفا سماه ( أحسن التقاسيم في معرفة الاقاليم ) وقسم مادته العلمية وفقا لاقاليم وتسمياتها فقد ذكر لنا اقليم المغرب بمدنه بوصفها وحدة جغرافية ادارية مستقلة عن الاقاليم الاخرى ثم ذهب يفصل لنا هذا الاقليم بكل نواحيه وعلى الرغم من ان المقدسي كان متواضعا في تدوينه للمادة العلمية في كتابه الا انه لم يكن يخفي اعتداده بنفسه وعمله ، وفي استطراد في كتابه في الفصل الخاص بالمغرب يقول" فان قال قائل انك تركت كثيرا من العجائب في هذا الإقليم لم تذكرها قيل له انّما تركنا ما ذكره من قبلنا في تصانيفهم ومن مفاخر كتابنا الاعراض عمّا ذكره غيرنا وأوحش شيء في كتبهم ضدّ ما ذكرنا الا انك ترى إذا نظرت في كتاب الجيهانىّ (ت 375هـ / 985م) (المسالك في معرفة الممالك) وجدته قد احتوى على جميع أصل ابن خرداذبه (ت280ه/893م) (المسالك والممالك) وبناه عليه وإذا نظرت في كتاب ابن الفقيه(ت365ه/975م) (البلدان) فكأنّما أنت ناظر في كتاب الجاحظ( ت 255 ه/868 م) ( البلدان) والزيج الأعظم وإذا نظرت في كتابنا وجدته تسبّح وحده يتيما في نظمه ولو وجدنا رخصة في ترك جمع هذا الأصل ما اشتغلنا به ولكن لمّا بلّغنا الله تعالى أقاصي الإسلام وأرانا أسبابه وألهمنا قسمته وجب ان ننهى ذلك إلى كافّة المسلمين ألا ترى إلى أما الرحالة الاخر الذي نحن بصدد دراسة مدن المغرب من خلال كتابه فهو لايقل اهمية عن سابقه وأن كانت معلوماته متناثرة عن مدن المغرب في مصنفه الجغرافي ( أثار البلاد وأخبار العباد) أوقد يسمى احيانا (عجائب البلدان ) وان كان الاسم الاول هو العنوان الذي اشتهر به بين الباحثين الا ان المادة العلمية لهذا المؤلف قسمها حسب تقسيم بطليموس للأرض اذ قسمها إلى سبعة أقاليم وبذلك حذا القزويني حذو المدرسة اليونانية في تقسيم الاقاليم إلى الاقليم الاول فالثاني والثالث وهكذا حتى انتهى إلى الاقليم السابع ويبدو ان شهرة القزويني في الكزوموغرافيا واعني به المعرفة بعلم الكون مثلها خير تمثيل في مصنفه المسمى (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) قد غطت على شهرته في المصنف الجغرافي (اثار البلاد واخبار العباد ) لذلك جاءت المادة العلمية عن مدن المغرب متناثرة في الاقليم الثاني والثالث من مصنفه غير واضحة كسابقه الرحالة المقدسي لذلك كان من الصعوبة على الباحث ايجاد هذه المادة الجغرافية العلمية واخذها عنه وبذلك راينا القزويني قد ابتعد إلى حدا ما عن المدرسة الكلاسيكية التي كان يمثلها البلخي (ت322 ه/ 934 م) وكتابه صورة الاقاليم، والاصطخري (ت346ه/957م) وكتابه المسالك والممالك، وابن حوقل (ت367ه/977م) وكتابه صورة الارض، والمقدسي (380هـ/990م) وكتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ، إذ لم نره يعتمد في مادته العلمية على استيقاء مادته العلمية من هؤلاء بل ذهب إلى مصادر جغرافية أخرى مثل الجيهاني، والجاحظ، والمسعودي(ت346ه/957م)( مروج الذهب ومعادن الجوهر ) ، والبيروني (ت 440هـ/1048م)(آثار باقية عن قرون خالية)، ومع هذه المقارنة اليسيرة بين الرحالتين الا انه ليس معنى هذا ان القزويني لم يأتي بشيء يذكر عن مدن المغرب بل على العكس من ذلك فلربما ذكر في مصنفه مدنا لم يذكرها المقدسي وهذا ما ستبينه الدراسة ان شاء الله مما اعطى للدراسة فائدة علمية كبيرة . أما بلاد المغرب فلا يخفى على الباحثين الاهمية القصوى له لكونه يقع في غرب الدولة العربية الاسلامية وبعيدا عن مركز الخلافة العربية الاسلامية سواء أن كان في دمشق أو في بغداد لذلك كانت ملاذا امنا لكثير من المعارضين سواء من الامويون أو العباسيين أو الخوارج لذلك نشأت في وقت مبكر كثيرا من الامارات الاسلامية في تلك البقاع وقد تقدم في اول حديثنا ان هناك دراسات سابقة عن المغرب بحثته من وجوه متعددة من الناحية السياسية او العلمية او الاجتماعية او الاقتصادية او الدينية ومنها على سبيل المثال لا الحصر رسالة بان علي محمد البياتي، النشاط التجاري في المغرب خلال (ق3- 5هـ)، كلية التربية للبنات، جامعة بغداد، 2004م، ورسالة ماجستير للباحث علي جاسم سيد الزهيري ، مدينة فاس في كتب البلدانيين العرب المسلمين في القرن (3-8 هـ) دراسة في احوالها الاقتصادية والاجتماعية ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 2015م ، والباحثة طيبي سهام، المعادن في بلاد المغرب الاسلامي الوسيط، رسالة ماجستير، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، الجزائر، جامعة 8ماي،2017 ، فضلا عن دراسات اخرى كثيرة. وتكمن أهمية الدراسة في بيان أغلب ما نقله لنا الرحالتان المقدسي والقزويني من مادة علمية عن مدن المغرب ومقارنة هذه المادة العلمية مع مصادر جغرافية أخرى تناولت المغرب ايضا ومحاولة الخروج بعد هذه المقارنة بتحليل واستنتاج من قبل الباحثة وذكر ما تميز وانفرد به الرحالتين المقدسي والقزويني موضوع الدراسة عن المصادر الاخرى. ومن الصعوبات التي واجهتني أثناء الدراسة قصور بعض المادة العلمية لدى الرحالتين خاصة فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي من حيث العادات والتقاليد الاجتماعية التي كانت رائجة في مدن المغرب فضلا عن الديانات القديمة قبل الاسلام ولاسيما الوثنية التي كانت موجودة في الاصل في المغرب الا اننا لم نجد ذكرا لها فيما صنفه الرحالتان، واعتقد ان سبب عدم ذكرهم لها راجع إلى ان المقدسي والقزويني دونا الاحداث التي شاهداها بأم اعينهم فقط من دون ذكر لاحداث السابقة في المغرب وهما هنا شهود عيان على الاحداث التاريخية التي دوناها في حياتهما عن المغرب. وأقتضت طبيعة الدراسة تقسيمها على ثلاثة فصول جاء الفصل الاول بعنوان ( نبذة جغرافية عامة عن المغرب والتحرير الاسلامي له اشتمل على اربعة مباحث تناول المبحث الاول تسمية المغرب وأصل اشتقاقها ثم موقع بلاد المغرب وحدوده أما المبحث الثاني فجاء بعنوان عناصر السكان في بلاد المغرب من البربر والافارقة والسودان والروم والعرب واليهود والنصارى وحمل المبحث الثالث عنوان الجوانب الجغرافية لمدن المغرب وفقا لما اورده المقدسي والقزويني وجاء في هذا المبحث عناوين متنوعة مثل بعض التضاريس ومناخ مدن المغرب وثم الموارد المائية لمدن المغرب أما المبحث الرابع فحمل عنوان التحرير الاسلامي لمدن المغرب ومراحله وجاء فيه بلاد المغرب قبل التحرير الاسلامي وبعده ومراحل التحرير العربي الاسلامي للمغرب . أما الفصل الثاني فحمل عنوان ( السيرة الذاتية والعلمية للرحالتين المقدسي البشاري والقزويني) وقد جاءت في مبحثين تناول المبحث الاول السيرة الذاتية والعلمية للمقدسي وجاء المبحث الثاني بعنوان السيرة الذاتية والعلمية للقزويني أما الفصل الثالث فجاء بعنوان ( الجوانب الحضارية لمدن المغرب الاسلامي وفقا لما أورده المقدسي في أحسن التقاسيم والقزويني في أثار البلاد وأخبار العباد ) وقد تناول هذا الفصل اربعة مباحث جاء المبحث الاول بعنوان مدن المغرب وفقا لما اورده المقدسي في احسن التقاسيم والقزويني في اثار البلاد واخبار العباد ، وجاء المبحث الثاني بعنوان الجوانب الاجتماعية لمدن المغرب كما اوردها القزويني والمقدسي ، أما المبحث الثالث فجاء بعنوان الجوانب الاقتصادية لمدن المغرب وفقا لما اورده المقدسي والقزويني، أما المبحث الرابع والاخير فجاء بعنوان الجوانب العمرانية لمدن المغرب وفقا لما اورده المقدسي والقزويني.