المستخلص
تعد اليمين أو القسم موروثاً قديماً ظهر في المجتمعات ذات المعتقدات الدينية، وكانت الغاية منها الحث أو المنع أي وسيلة مراقبة ذاتية يمارسها الحالف على نفسه عندما تسول له نفسه على القيام بأي عمل مخالف لما تعهد به وإلزامه على تنفيذه سواء كان هذا العمل إيجابياً أو سلبياً، حتى أصبحت مهيمنة على كافة أفعال الإنسان سواء كانت لفظية أو فعلية، كونها السبيل الوحيد لضمانة أوحماية الحقوق.
بعد ذلك أنتقلت اليمين إلى الدساتير وأصبحت من أهم المواضيع في مجال القانون الدستوري، الهدف منها ضمانة حقوق الإنسان وحرياته العامة من خلال الأتقان والأخلاص في إداء المهام، إحترام الدستور والقانون، الولاء للوطن والمحافظة على أستقلاله وسيادته، خدمة مصالح الشعب وصيانة حقوقهم وحرياتهم العامة، ومن هنا تبرز العلاقة والترابط بين اليمين الدستورية والحقوق والحريات العامة.
وبرغم من عدم وجود صيغة جامعة ومانعة لليمين الدستورية، لم تتباين كثيرا معظم الدساتير المقارنة والدستور العراقي لسنة ٢٠٠٥من حيث مضمونها، ولكنه وبالمقابل لم يتفق فقهاء القانون الدستوري بخصوص تحديد طبيعتها القانونية وعن الاثار المترتبة عنها، فهناك من يعتبرها مجرد إجراء برتوكولي يختلف من دولة إلى دولة اخرى يتعهد من خلاله من يؤديها أمام الله بالقسم أو التوكيد وهي صلة بين العبد وربه أو بين العبد وضميره، بينما يعتبر جانب أخر من الفقه بأن اليمين الدستورية ليست بالمسألة الشكلية أو الاجراء الرمزي الذي تقتضيه البروتوكولات والأعراف والقواعد التي دأب العمل بها من دون تدبر، وأنما هو عمل جوهري يتميز بقيمة قانونية هامة الهدف منه تكريس مبدأ الاخلاص في العمل واحترام الدستور والتشريع والولاء للوطن وخدمة مصالحه وحقوقه من خلال قسم صاحبه بالتزام بالواجبات الواردة فيه طيلة مدة تكليفه.
وتحظى القواعد الدستورية من الناحية القانونية بالسمو على جميع أنواع القواعد القانونية، وبالتالي فهي ملزمة لجميع سلطات الدولة وبالأخص السلطتين محل دراستنا التنفيذية والتشريعية، حيث لا تتمتع السلطتين بحرية أختيار تطبيق القواعد الدستورية أو تجاهلها، ومن هذا المنطلق تنهض مسؤولية الرئيس، و الوزير والنائب في حال مخالفة الإلتزامات الواردة في صيغ اليمين الدستورية سواء كانت مسؤولية جنائية أو سياسية أو كلتيهما معاً.
ولكن بالرغم من ذلك لم تتصدى الدساتير محل دراستنا إلى مسؤولية الرئيس و الوزير و النائب عن الحنث في اليمين الدستورية، ما عدا دستور غانا ودستور منغوليا ودستور جمهورية العراق لسنة 2005 وبمعالجة خجولة لرئيس الجمهورية فقط، وهذا يعني أن قاعدة “حيث توجد السلطة توجد المسؤولية “لا معنى لها في الكثير من الدساتير المقارنة، كما أن عدم النص على مسؤوليتهم يتعارض في الواقع مع مبدأ سيادة القانون، لذلك وجب الأمر النص عليها صراحة في صلب تلك الدساتير.
أما دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وعلى الرغم من تعرضه للموضوع- مساءلة رئيس الجمهورية على الحنث باليمين الدستورية– فلم يتضمن نصوصاً تشير إلى مساءلة رئيس وأعضاء السلطة التنفيذية والتشريعية مما يعد قصوراً يجب تلافيه، و أن عدم صدور القانون الذي ينظم محاكمة رئيس وأعضاء السلطة التنفيذية أمام المحكمة الإتحادية العليا إلى يومنا هذا يجعل من المساءلة مستحيلة الحدوث.