اعلام المكتبة المركزية / المهندس مهند
المستخلص
يعد كتاب رحلة السيرافي من الرحلات المهمة التي أثارت اهتمام العديد من الجغرافيون والمؤرخين العرب والمستشرقين على حدٍ سواء لما تحتويه هذه الرحلة من معلومات غنية عن بلدان المشرق في تلك العهود المبكرة، وتعد هذه الرحلة من بواكير الرحلات العربية المدونة الأولى التي أكدت لنا عن عمق الصلات التجارية مع تلك البلدان. وإذ ولينا وجهنا شطر المشرق أمكننا أن نقدر وبكل ثقة إن الاهتمام الرئيسي للعرب قد انصب حقاً على تلك البلدان، ورحلة أبي زيد السيرافي جاءت لتثبت لنا تلك الحقائق، وعليه كانت الدراسة (بلاد الهند والصين في رحلة ابي زيد السيرافي دراسة تأريخيه نقدية) من الدراسات المهمة والممتعة التي سلطت الأضواء على العديد من الحقائق المجهولة عن تلك المجتمعات والتي أثبتت أن العرب لم يكونوا بمعزلٍ عن النشاط التجاري عبر البحار الواسعة منذُ عهودٍ مبكره، في حين كانت السفن الأجنبية تلتزم الملاحة الشاطئية في بحر الهند ولم تكتشف سر الملاحة الموسمية التي عرفها ملاحو العرب والفرس منذ أقدم العصور، ثم أدركوا فيما بعد انتظام هبوبها ستة أشهر في العام، وكانت المراكب الصينية في ذلك الوقت بل قبله بزمن طويل، تسافر إلى جزيرة سرنديب في جنوب الهند وتتبادل متاعها مع ما تجيئ به مراكب العرب والفرس من الخليج العربي، ويبدو إن تلك الصلات التجارية بين الشرق والغرب كانت وثيقة في بدايات القرن الثاني والثالث الهجري/الثامن والتاسع الميلادي، وقد ذكرت في العديد من كتب الجغرافيون والرحالة العرب مادة مقتضيه منذ عهود مبكرة حول ما يتناقله الرحالة المغامرون نحو بلدان المشرق عامة وبلاد الهند والصين خاصة، وقد يندهش القارئ إذ علم إن عدداً كبيراً من تلك الرحلات لم تدوّن، فقد أحجم عن ذلك أصحابها؛ ترفعا عن ذكر ما يعرفونه من الأمور الشخصية، وقد لا يرى البعض في ذلك نفعا لأحدٍ، والكثير منهم لم يتحمس للكتابة عنها. وبما لا يدع مجالاً للشك، إن عدم التدوين دلالة على إن هؤلاء الرحالة لم يدركوا تماما أهمية رحلاتهم، أو في الأغلب استقر في أعماقهم أنها فعل شخصي ،وقد شهد مطلع القرن الثالث والرابع الهجريين /التاسع والعاشر الميلاديين، العديد من الرحلات وخصوصاً بعد اهتمام خلفاء بنو العباس بالتجارة، وشجعوا على التجارة مع بلدان الشرق. علماً إن تلك البلاد كانت جزاءً منها يخضع للخلافة العباسية. على أي حال أخذ الرحالة والتجار العرب المسلمون يسيحون في جولات واسعة شرقاً وغرباً، ويخوضون فيها عباب المحيطات ووصلوا إلى البلاد بعيدة وغير معروفة عند الأمم التي سبقتهم؛ ولعل من المفيد أن نؤكد أن هؤلاء الرحالة وإنْ كان هدفهم التجارة إلا أنهم امتعوا رجال الجغرافيا والتأريخ بكتاباتهم الوصفية للحياة اليومية للسكان في البلاد مختلفة وكانوا يسجلونها أو يقصونها من باب التعجب والتندر على اختلاف الطبائع والملل، وعلية انتهت الحقبة الطويلة من الصمت فجاء بعجالة وكتبها صاحبها وأملاها في القرن الرابع الهجري /العاشر الميلادي بقلم أبي زيد حسن السيرافي، وتعد هذه المدونة من أهم الأثار العربية عن الرحلات البحرية في المحيط الهندي وبحر الصين، وربما كانت الأثر العربي الأول الذي يتحدث عن سواحل البحر الشرقي الكبير. ومن هذا المنطلق جاء هدف الدراسة من خلال اختيارنا لهذا الموضوع ولأهميته من الجوانب التاريخية، والوقوف على ما ورد في هذه الرحلة من كتابات هذا المؤرخ، وهل جاء في كتاباته شيئاً من الأساطير والخرافات علماً أن كتاباته تعد من أوائل كُتب الرحالة. وعند التعريف بمخطوط أبو زيد حسن السيرافي فإنه يتكون من جزئين في مجلدٍ واحد، الجزء الأول يعود لمذكرات التاجر والرحالة سليمان التاجر الذي دونها سنة(237ه/851م) على حسب ما جاء في بداية الجزء الثاني من كتاب رحلة السيرافي، أما الجزء الثاني من الكتاب دون بقلم أبو زيد السيرافي وهذا الرجل ليس بتاجر ولا رحالة، وإنما كان عالماً وجغرافياً وجامع قصص البحار من أفواه التجار والرحالة الوافدين من وإلى ميناء سيراف ودونها بعد سنه (264ه/778م). وقد أثار هذا العمل اهتمام العديد من كبارا الجغرافيون والباحثين العرب والمستشرقين على حدٍ سواء، لما أثاره المؤرخ في مسألة أن هنالك من أمره بتأمل وأثبات بما جاء في تلك المذكرة من معلومات عن البحار والممالك والمدن التي زارها سليمان التاجر؛ أما في الوقت الحاضر فقد جاء من ينكر نسب تلك المخطوطة، أي الجزء الاول من الكتاب لسليمان التاجر، علماً أن صاحب الكتاب أبي زيد السيرافي لم يُشر هو الأخر إلى إسم سليمان التاجر بل أشار إلى أن الرحلة وقعت أحداثها سنة سبع وثلاثين ومائتين، ومن هنا جاء دورنا بالبحث والتقصي في الكتب المحققة لهذه الرحلة وما جاء في كتابات الباحثين من حقائق تؤكد نسبة هذه المخطوطة أو المذكرة لسليمان التاجر أم لغيره؟
ولأهمية هذه الرحلة، فقد تناول الباحثين هذا الموضوع وحقق الكتاب أكثر من مرة، ومنهم من حقق الجزء الأول من الكتاب، ومنهم من حقق الكتاب بجزئية، وعليه يمكننا أن نتناول ذكرهم وفق تأريخ التحقيق والنشر:
1. رحلة سليمان التاجر زائداً أبي زيد السيرافي، تحقيق: لانجليس رينوود، حقق باللغة الفرنسية، سنة 1811م.
2. المحقق سوفاجيه، حقق الجزء الأول من الكتاب باللغة الفرنسية أيضا، سنة 1946م.
3. رحلة سليمان التاجر زائداً كتاب أبي زيد السيرافي، تحقيق إبراهيم الخوري، سنة 1991م.
4. رحلة سليمان التاجر زائداً كتاب أبي زيد السيرافي، تحقيق عبد الله حبشي، سنة 1999م.
5. رحلة سليمان التاجر زائداً كتاب أبي زيد السيرافي ،تحقيق يوسف الشاروني سنة2000م.
6. رحلة سليمان التاجر، تحقيق سيف شاهين المريخي، سنة 2005م.
7. رحلة سليمان التاجر زائداً كتاب أبي زيد السيرافي، تحقيق ماكنتوش سميث سنة2014م. النسخة الالكترونية لهذا المحقق غير كاملة، إذ ينقصها الدراسة التي أعدّها المحقق والترجمة الى الانكليزية، لكن النص العربي كامل.
8. رحلة سليمان التاجر زائد كتاب أبي زيد السيرافي، تحقيق علي البصري، سنة 2006م.
ولابد من الإشارة إلى أن هذه المخطوطة التي جاءت لنا بقلم أبي زيد السيرافي قد نشرت بعناوين عديدة، سواء التي نشرت مرفقة مع الترجمات الفرنسية، أو من المحققين العرب، وهي كما يلي:
1.جاءت المخطوطة بعنوان سلسلة التواريخ، وطبع سنة 1811م.وبحثنا في العديد من كتب الفهارس فلم نعثر فيها على أي إشارة تميط اللثام عن عنوان المخطوط ،غير أن المؤلف يشير في مقدمة المخطوط أن هذا الكتاب فيه سلسلة من التواريخ البلاد والبحور.
2. أخبار الصين والهند وهي صحيحة وفق ما جاء عند يوسف الشاروني، وتيم ماكنتوش سميث.
3. عجائب الدنيا وقياس البلدان، حسب ما جاء عند المحقق سيف شاهين المريخي.
4. رحلة السيرافي، وهي تسميه للمحقق عبد الله حبشي.
5. رحلة السيرافي إلى الهند والصين واليابان واندونيسية سنة 227ه/851م، تحقيق علي البصري.
وعليه فقد ارتأينا في البحث النسخة المحققة لرجل الدين الإسلامي والباحث والمؤرخ من محافظة حضرموت الأستاذ عبد الله بن محمد حبشي، ويعد هذا المحقق من علماء حضرموت الموسوعيين، كما يرجع نسبه الى أهل بيت النبوة ومن الفرع الحسيني، وقد ألف هذا المؤرخ تسع وعشرون كتاباً في التأريخ والتراث والمعاجم والأدب، وحقق أكثر من خمس وخمسين كتاباً ومنهم كتاب رحلة السيرافي .