اعلام المكتبة المركزية / المهندس مهند
المقدمة
يعد الحجاج مفهوماً ثقافيا ، مرتبطاً ببيئات مختلفة و متنوِّعة، منها ما هو لغويّ، ومنها ما هو بلاغيّ وشرعيّ وغيرها، وبما أنَّ الحجاج يدخلُ في هذه العوَّامة الكبيرة؛ فمن المؤكَّد أنَّه يتَّسم بغزارة التنظير وانتشاره في الحقول المُختلفة، فأصبحت صفته العامَّة هي الموسوعيَّة والانتشار، وأضحت له مفاهيم مُتعدِّدة شاعت في كُتب البلاغة، والنحو، والنقد، وفقه الُّلغة، وأصول الفقه والعقيدة، وكُتب الفكر الإسلامي وغيرها ، ويعد من أهم المفاهيم التي عرض لها البلاغيون بالدرس ، اذ تُعنى نظرية الحجاج البلاغي بدراسة الآليات الخطابية التي تهدف إلى استمالة المخاطبين، وحث عقولهم لتأييد القضية المطروحة عليهم .وقد دُرس شعر الاعتذاريات كثيرا بجوانبهِ المختلفة لكنه ظل يجذب نظر الباحثين للدراسة ولاسيما بعد ظهور البلاغة الجديدة لما فيها من مناهج وآليات والأسس جديدة، ولهذا سلطنا الضوء في دراستنا هذه على آلية من آلياتهُ وهي الحجاج واختصت هذه الآلية بالشعر الإسلامي حصرًا ، ونعني به الشعر الذي يبدأ من بعثة الرسول (t) وينتهي إلى سنة ١٣٢ هجرية بسقوط الدولة الأموية. من أهم الدوافع التي حفّزتني على اختيار هذا الموضوع : حبي للدراسات البلاغية الحديثة والرغبة في التعرف إلى مفهوم الحجاج وتبسيط مفاهيمه واستثماره في تحليل نصوص الشعر الإسلامي لا سيما في الاعتذاريات؛ لما يحمله من تقنيات الحجاج البلاغي وما تحمله هذه التقنيات من أبعاد حجاجية، إذ أضحى الحجاج موضوعا لافتا للانتباه بسبب حضوره في الخطابات الأدبية، أو السياسية، أو القضائية، أو الفلسفية، او اللسانية.وانطلاقًا من هذه المسوغات جاء اختيار هذا البحث الموسوم بـ «الحجاج البلاغي في أعتذاريات الشعر الإسلامي» من أجل الوقوف على أهمية الآليات الحجاجية في اعتذاريات الشعر العربي القديم وبيان دورها التأثيري في السامع وقدرتها العالية على كسب وَّد المتلقي وإقناعه ، وتسليمه للأطروحة الملقاة عليه، فجاءت هذه الدراسة قائمة من إشكالية تتمثل في الآتي: ما هي الآليات التي اتخذها شعراء العصر الإسلامي في بناء اعتذاراتهم؟ وهل تلك الآليات حققت العملية الإقناعية ؟وكيف وظفها شعراء العصر الإسلامي في اعتذاراتهم؟ وهم يحاولون استمالة المتلقي والتأثير فيه ومن هنا نبعت الحاجة إلى الكشف عن هذه الإشكاليات ومناقشتها عبر دراسة نصوص الاعتذاريات في الشعر الإسلامي دراسة انتقائية حديثة ، وقد قسمت هذه الدراسة على فصولٍ ثلاثة مسبوقة بتمهيد وخاتمة تتلخص فيها نتائج هذه الدراسة ، توزع التمهيد على محورين الأول: تطرقت فيه إلى مفهوم الحجاج (مفهوم الحجاج وأنواعه وتطوره في الفكر البلاغي) ، أما المحور الثاني فقد تضمن الحديث عن (مفهوم الاعتذار ونشأته). وجاء الفصل الأول بعنوان (روافد الحجاج في شعر الاعتذاريات) الذي ابتدأ بمدخل عرضت فيه بصورة موجزة لمفهوم الحجاج
وقد تضمن هذا الفصل ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : "وسائل التأثير في الخطاب" ،إذ درستُ فيه : مراعاة المقام ومقتضى الحال، وبراعة الاستهلال.
المبحث الثاني: "مقدمات الحجاج في شعر الاعتذاريات" إذ وقف الشعراء على مقدمات منها : الحقائق، والوقائع، والافتراضات، والقيم، والمعاني او المواضع .
المبحث الثالث: "أساليب الحجاج" ودرستُ فيه: الإيجاز، والتوكيد ، والنداء والتنبيه ، و الشرط .
وجاء الفصل الثاني متحدثا عن: "بنية الحجاج في الاعتذاريات "وتضمن مبحثين:
المبحث الأول: "الحجج شبه المنطقية التي تعتمد البنى المنطقية" ، إذ درستُ فيه: التناقض وعدم الاتفاق، والحجج القائمة على التبادلية.
المبحث الثاني: "الحجج شبه المنطقية التي تعتمد العلاقات الرياضية" و درستُ فيه: حجة التعدية، وتقسيم الكل على الأجزاء ، وأدماج الجزء في الكل "حجة الاشتمال".
أما الفصل الثالث فقد دار حول: "الحجج المؤسسة على بنية الواقع والمؤسسة لبنية الواقع " و تضمن ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: "اصناف الحجج المؤسسة على بنية الواقع " ودرستُ فيه: التتابع (الحجة السببية ،والحجة البرغماتية) والغائية (التبذير ، والاتجاه ،والتجاوز) والتعايش (السلطة، وحجة الشخص وأعماله ).
المبحث الثاني: "الحجج المؤسسة لبنية الواقع"، ودرستُ فيه: تأسيس الواقع بوساطة الحالات الخاصة (المثال، والشاهد ، والنموذج ،وعكس النموذج)، والاستدلال بوساطة التمثيل (التشبيه، والاستعارة).
المبحث الثالث: "العلاقات الحجاجية في الاعتذاريات" ، ودرستُ فيه: علاقة التتابع، والعلاقة السببيّة ،وعلاقة الاقتضاء ، وعلاقة الاستنتاج.
بعد ذلك كان لابد من وضع خاتمة ألخصُ فيها أبرز ما توصل إليه البحث من نتائج وتلا ذلك قائمة بمصادر البحث ومراجعه.
وقد أعتمدت في البحث المنهج الوصفي والتحليلي، إذ تتبعت بالوصف والتحليل الآليات الحجاجية في اعتذاريات الشعر الإسلامي.
ولقد واجهت الدراسة مجموعة من الصعوبات والمعوقات ككل الدراسات الأكاديمية وقد كان لدراستنا هذه نصيب منها ومن تلك المعوقات : قلة قصائد الاعتذاريات في الشعر الإسلامي وقلة المراجع ، وذلك لحداثة الدرس الحجاجي.
وكذلك استعصاء تحليل بعض الابيات حجاجيا أحياناً، فضلاً عن قلة النصوص الملائمة للألية الحجاجية في كل مبحث أو فصل مما أحدث تفاوت طولاً وأهمية في عدد النصوص في كل الفصول لكنها تكاملت فيما بينها لتؤسس رؤية واضحة.