اعلام المكتبة المركزية / المهندس مهند
المستخلص
احتدمت في عصرنا الخلافات وتباينت الآراء في مختلف القضايا وشتى المسائل والمعتقدات ، وما لبثت الوسائط المتعددة الرقمية في الأعلام الافتراضي والفضائي عبر الأثير تنقل لنا وعلى مدار الساعة بثاً مباشراً للحوارات , والمناقشات , والمجادلات , والمساجلات والمحاججات ، فضلا عن المناظرات الطويلة التي تخالها لن تنتهي حتى قيام الساعة ! ومن هنا نلحظ ان المناظرات باتت أمرٌ ضروري ، وحاجة عصرية ملحة لحسم الخلافات ، التي ما أن تخبت واحدة حتى تنشب عشرات أخر ، تكمل ما بدأته المناظرات الأولى !لا ينفك افراد البشر في بحث مستمر عن الحق والحقيقة ؛ فالاختلاف بينهم أمر طبيعي لتعدد الميول والآراء ، وتباين الفهم المنطقي والعقلاني ، وعليه تعد هذه الأمور من أهم الأسباب المفضية إلى المناظرات في محاولة لمساعدة العقل البشري على التأمل والتفكير واختبار المعلومات , وتفحص الحقائق وتقصيها بدقة ، للتوصل لقناعات صحيحة وسليمة وثابتة . لقد غدت المناظرات ظاهرة عامة ؛ وبلا شك انها باتت سلاح معنوي ووسيلة إعلامية وأداة تعليمية ، مسخرة لخدمة مختلف الجهات والطبقات العامة في المجتمعات الإنسانية لما تنميه من وعي وإدراك لقضايا ومسائل غاية في الأهمية بمجالات الحياة كافة ، لاسيما إذا كان بهيئة الحوار الهادئ المتزن ذي الغايات الفكرية , والعلمية , والثقافية . لا ريب ان الحضارة الإسلامية في عهودها الاولى كانت تشهد تطوراً واسعاً بكافة الصعد وقد لازمتها المدنية بنموها المستديم ، وكانت مناظرات أئمة اهل البيتpعليهم السلام i في خضم ذلك تساير مستجدات العصر فتتجدد في غاياتها , وتتنوع بأهدافها , وتتفرع بعلومها وتتشعب بمواضيعها ومسائلها , وتتعمق بأفكارها ، وكان الحق والصواب هو الغاية المثلى لمناظراتهمpعليهم السلام i ؛ ولذلك وبلا أدنى شك فإنها كانت أحد أهم عوامل تحفيز الجو العلمي , والفقهي , والثقافي العام للمسلمين .وعليه كان شعور الباحث بالحاجة الماسة لما لابد منه ، برسم صور حقيقية وواقعية للمناظرات المجدية والمفيدة وبأسلوبها الصحيح ، لا سيما تلك التي تخص أئمة أهل البيتpعليهم السلام i ؛ فهم الحملة الصادقين للدين والعلم لا يظلمون فيهما ولا يجهلون وضرورة بيان نشأة المناظرات عندهم وأصولها ، وتوضيح آدابها وقواعدها وشروط عقدها وغير ذلك من الخواص المنهجية السليمة ، كي لا تكون الحوارات عقيمة والمناظرات عبثية ومضيعة للوقت . لا يمكن فهم روحية أي عقيدة دينية ، من دون التفريق أولا بين الماديات والروحانيات وهذا هو بالضبط ما كان يحدث في أسئلة المناظرين لأئمة أهل البيتpعليهم السلامi فالإنسان عموماً بطبيعته يخضع تفكيره , وعقله , وإدراكه , وأحاسيسه لحاجاته كافة ، وتأتي في مقدمتها حاجته لتحديد هويته الروحية المتمثلة بعقيدته وديانته . لعل أبرز غاية كانت لأئمة أهل البيتpعليهم السلام i من مناظراتهم الهادفة ، هي نشر المبادئ الإسلامية السامية ؛ فيمكن عد المناظرات التي تعقد لخدمة الناس ومنفعتهم وتوعيتهم بأمور الدين والدنيا من بين الوجوه المتعددة لمرضاة الله عز وجل ، إذ تركزت غاياتهم pعليهم السلام i على التفقه الصحيح ، ونشر الثقافات العامة , والمعارف والعلوم المتنوعة ، لا سيما وان مناظراتهم كانت تدور بينهم وبين العلماء , والفقهاء والمخالفين , والملاحدة , والمنحرفين , وكبار المتدينين من رجالات الطوائف الدينية المتنوعة وانتقل المناظرين لأئمة أهل البيت pعليهم السلامi من الأسئلة الفقهية الشرعية ، إلى الأسئلة المتعلقة بالكون والطبيعة , والأسئلة الخاصة بالعلوم والمعارف العامة والدقيقة وتلبية الفضول العلمي والمعرفي , وفك ألغاز الكون وآفاقه الرحبة ، واكتشاف أسرار الطبيعة التي يتعايش أو يتصارع معها المسلمون وغيرهم ، لا سيما في مناظرات الإمامين جعفر الصادق وعلي الرضاعليهما السلام .