اعلام المكتبة المركزية / المهندس مهند
المستخلص
نشأت الدولة الأيوبية في عام (567هـ /1171م) مع بروز السلطان صلاح الدين الايوبي وسيرته خلال دولة الفاطميين ومن ثم ضعف الخلافة الفاطمية عندما كان وزيراً فيها الى ان اعلن قيام دولته.في خضم الصراع ضد الصليبيين أثر التزام السلطان صلاح الدين الأيوبي بسياسة الجهاد ضدهم فنشأت مبررات وجود الدولة الايوبية وديمومة بقائها على جهادها ، كما حدث في معركة حطين عام(583هـ/1187م) وتحرير القدس من الصليبيين، بيدَ إن خلفاء صلاح الدين الأيوبي فشلوا في إستكمال الدور التأريخي الذي قامت عليه دولتهم ، ففتر أمر جهادهم ضد الصليبيين بعده ، وسبب ذلك الخلاف الذي دب بين خلفائه من البيت الأيوبي ومن ثم تمزيق الدولة الأيوبية وتقسيمها بينهم ، وبدأوا بتوجيه طاقاتهم وقدراتهم السياسية والعسكرية للأقتتال فيما بينهم ، وتخلوا عن دورهم الأساسي في التصدي للصليبيين وآثروا الإلتزام بسياسة المهادنة ، بل وصل الأمر ببعضهم إلى الإستعانة بالقوى المحيطة بهم من صليبيين وخوارزميين وسلاجقة روم ضد بعضهم البعض لتتقطع أوصال دولتهم . وفي خضم تلك الصراعات والأحداث، ونتيجة للحملة الصليبية السابعة سنة (647هـ/1249م) برزت قوة جديدة أخذت دورها في الأحداث وهي قوة المماليك البحرية، التي أثبتت قدرتها على التصدي للصليبيين في مصر بل حسمت كثيراً من الأمور التي كانت تمر بها الدولة الأيوبية ، وأصبح متيسراً للمماليك أن يشغلوا دوراً هاماً في التأريخ العسكري والسياسي الذي انعكس على مجمل جوانب الحياة المختلفة، وكانوا عماد الجيش وقوته الضاربة مما زاد من فعالياتهم وتأثيرهم على الساحة السياسية خلال تلك الحقبة الزمنية . ومثلما ولدت الدولة الأيوبية في خضم الصراعات ضد الصليبيين ، كانت تلك أيضاً فرصة لقيام الدولة المملوكية عام ( 648هـ / 1250م ) وقيادتها المنطقة على الرغم من أنها كانت تتشابه بإمتداداتها الجغرافية وبنائها وطبيعتها العسكرية والأسس السياسية والاجتماعية والإقتصادية التي قامت عليها الدولة الأيوبية . واجهت الدولة المملوكية اخطاراً تمثل بسادتهم السابقين الأيوبيين ومن ثم الصليبيين فضلا عن ظهور قوة جديدة أشد خطراً وقساوة منهما وهم المغول ، الذين زحفوا بإتجاه العالم الإسلامي من بلاد إيران وإحتلالهم للعراق وإسقاطهم لمركز الخلافة العباسية عام ( 656هـ / 1258م ) ومن ثم تحالفوا مع قوى الصليبيين الاخرى على سبيل المثال بوهيمند السادس أمير أنطاكية الصليبية ، لإحتلال بلاد الشام ومصر . وفي خضم الأحداث المتسارعة التي كانت تمر بها المنطقة من صراعات داخلية وأخطار صليبية ، ووصول طلائع المغول إلى بلاد الشام ومن بين تلك الأوضاع المضطربة التي عاشتها الأمة الإسلامية، برز رجل سطع نجمه هو الملك المظفر قطز( 657 – 658هـ / 1259 – 1260م) ، الذي دخل إلى رحاب التاريخ من باب الرق والعبودية ، وهو طفل بيع في أسواق النخاسة في دمشق ثم إنتقل إلى مصر ، ليتصدر الأحداث هناك ومن ثم توليه للسلطنة في مصر( عام 657هـ / 1259م ) إذ قام بالإستعدادات والإستحضارات التعبوية من أجل التصدي للمغول من خلال تأمين الوضع الداخلي ، وكسب القوى السياسية في مصر والمناطق المجاورة مع إستقبال الجماعات الهاربة من وجه المغول ، فوظف الطاقات البشرية والإمكانات الإقتصادية من أجل المعركة ، كما هيأ النفوس وأثار الهمم للتحرك في مواجهة العدو والتصدي له ، لأنها معركة حياة أو موت بالنسبة للعالم الاسلامي ، لهذا إستعدوا لها بكامل قواهم ، وإمكاناتهم العسكرية والإقتصادية ، التي أثمرت عن إنتصارهم في معركة عين جالوت تحديداً عام ( 658هـ / 1260م ) التي انهت كل مخططات المغول في بلاد الشام ومصر وكبحت جماحهم ، وحافظت على تراث الأمة ، ووحدت مصر وبلاد الشام ، وإتخذت من نهر الفرات حاجزاً طبيعياً بينهم وبين المغول، إذ عملوا فيما بعد على إحياء الخلافة العباسية بزعامة السلطان بيبرس وتحفيز كل القوى المحلية للتصدي لأطماع المغول من جهة والمحافظة على التراث الحضاري والثقافي للأمة العربية والإسلامية . لقد نالت الكتابة عن سياسة سلاطين الدولة الأيوبية وسلاطين المماليك البحرية لمختلف أبعادهم المتنوعة من السياسية، العسكرية، الاجتماعية، والاقتصادية وانعكاس أبعادها داخلياً وخارجياً، وعلى مختلف الأمم المعاصرة لها ومن تأثر بها فيما بعد، ويبدو هذا ناجم من اهتمام المؤرخين والباحثين المعاصرين بتاريخ الدولتين إلا أنهم ركزوا على بسط الحوادث والتطورات التاريخية ونقلها كما هي في كتبهم مع أو من دون الاهتمام بعنصر البحث التحليلي والتحقيق في أسبابها ونتائجها في مراحل التاريخ ذات المعالم المختلفة بسبب الظروف والأحداث لكل مجتمع من المجتمعات ، في حين كان من المفيد إبراز الاستنتاجات المختلفة والعملية المستنبطة مما حدث في الماضي وربطها بالحياة الاجتماعية والاقتصادية وهذا ما عملنا عليه لإبرازه، كما يتضح من إفتقار البحوث الاجتماعية إبراز العلاقة الفاعلة ما بينها وبين الحياة الاقتصادية والسياسية لأي مجتمع من المجتمعات ، فمثلاً عند دراسة الحياة السياسية والاجتماعية قد ترد متداخلة ، إلا أن الصحيح هما دراستان مختلفتان من حيث إنَّ دراسة الحياة السياسية والاجتماعية بحثاً واستقصاءاً واستنتاجاً تختلف فيما بينها ، إذ أنَّ طبيعة الحياة السياسية وسماتها في أي مجتمع تمتاز بصفة عدم الثبات لأنها عرضة للتغيير والتبدل بحسب الدوافع والمصالح التي تسعى السلطة لتحقيقها تنفيذاً لإرادتها .إن حياة السلاطين الايوبيين والمماليك البحرية السياسية والاجتماعية لم تمتاز بعض الشئ بالثبات والاستقرار النسبي إذ انعكست على مجمل الحياة الاقتصادية لأنها وصلت إلى ما هي عليه بفعل تأثير مرور الزمان الذي أسبغ عليها العادات والتقاليد التي تحولت إلى أعراف اجتماعية مستقرة ومقبولة من الناس يحتكمون إليها، كما ان القوانين والتشريعات يصعب تغييرها واستبدالها كما هو حاصل في الحياة السياسية. هذا وقد واجه الباحث عدة صعوبات، اذ لم تخلُ الدراسة من الصعوبات التي تمثلت أولها بقلة المادة التاريخية ، ففي إطار الموضوع الذي شمل البحث عن الجوانب المتعددة للحياة الإجتماعية والاقتصادية للعصر الايوبي ، فهذه المواضيع غالباً ما تكون قليلة ومبعثرة ، وتبعثرها في صفحات المصادر التاريخية ، فيما استلزم قراءة مادة المصادر بكاملها للبحث عن الإشارات المتناثرة بين ثنايا الكتب مما يفيد موضوع البحث في جوانبه المذكورة, إذ ركزت جل المصادر على الدور العسكري والسياسي للأيوبيين فقط . ومن الصعوبات الاخرى التي واجهت الدراسة أيضاً هو الخوض في الحياة الاقتصادية إذ ان البحث في هذا الجانب ليس من السهل بل يتطلب الكثير من البحث والتأني وكذلك العودة الى المعاجم الاقتصادية المختصة بتلك العصور لتفسيرها، ناهيك عن كون عصر السلاطين المماليك الذي احتل مساحة كبيرة من المادة العلمية ودون ادنى شك هذا تطلب مجهوداً كبيراً من الباحث. لذا لابد أن نبين إن البعد التاريخي هو أحد الأبعاد الإنسانية التي تميز الإنسان إذ يرتبط مفهوم التاريخ بالذاكرة الإنسانية وهو محاولة لضبط وفهم ومعرفة الماضي الذي يسعى الإنسان من خلاله الى حفظ موروثهُ الثقافي المتعدد الجوانب وذلك مخافة نسيانهُ أو ضياعهُ، اما البعد الاستراتيجي سواء كان متصفاً بالجانب السياسي او العسكري او الاجتماعي او الاقتصادي فهو يعني ان صاحب القرار حين يخطط لأهداف مستقبلية تتخطى حدود الواقع فيوصف عمله بالبعد الاستراتيجي اي سعيه لتحقيق اهداف مستقبلية. واخيراً وليس آخراً أرجو ان تكون هذه الرسالة قد أسهمت في إلقاء الضوء على البعد التاريخي والاستراتيجي لسياسة السلاطين الأيوبيين والمماليك البحرية (567-784هـ/1171-1382م) واعطاء فكرة واضحة عن الحيوية والتجديد فيها. إقتضت طبيعة الدراسة تقسيمها على خمسة فصول سُبقت بمقدمة ولحقتها خاتمة ثم ثبت لأهم المصادر والمراجع التي تم الاعتماد عليها وملخص الرسالة باللغة الانكليزية . جاء ألفصل ألأول منها بالدراسة عن ( أصل ونشأة سلاطين الدولة الايوبية والمماليك البحرية (567-784هـ/1174-1382هـ) ، وكان بأربع مباحث، ألأول تناول نسب وظهور السلاطين الايوبيين وتسمية المماليك البحرية وأصولها ، أما المبحث الثاني تضمن النهج السياسي لسلاطين العصر الايوبي ومماليك السلطنة البحرية، فيما تناول المبحث الثالث سياسة الحرب النفسية والبعد ألإستراتيجي العسكري لمعركة حطين سنة (583هـ/1187م)، والمبحث الرابع تضمن سياسة الحرب النفسية والبعد الاستراتيجي العسكري لمعركة عين جالوت سنة (658هـ/1260م). أما الفصل الثاني فجاء بعنوان البعد الاجتماعي لسلاطين العصر الايوبي(567-648هـ/ 1171-1250م) وقسم على ثلاثة مباحث، المبحث الأول تضمن الاحوال المعاشية والمنشآت وابعادها الاجتماعية لسلاطين العصر الايوبي، أما المبحث الثاني تناول الاعياد والمناسبات والاحتفالات وابعادها الاجتماعية لسلاطين العصر الايوبي، اما المبحث الثالث تمثل في وسائل الترفيه وابعادها الاجتماعية لسلاطين العصر الايوبي. وجاء الفصل الثالث الذي حمل عنوان البعد الاجتماعي لسلاطين المماليك البحرية (648-784هـ/1250-1382م) وفصل الى ثلاثة مباحث ، المبحث الاول تناول الاحوال المعاشية والمنشآت وابعادها الاجتماعية لسلاطين المماليك البحرية، المبحث الثاني تضمن الأعياد والمناسبات والاحتفالات وابعادها الاجتماعية لسلاطين المماليك البحرية ، اما المبحث الثالث تناول وسائل الترفيه وابعادها الاجتماعية لسلاطين المماليك البحرية. وحمل الفصل الرابع العنوان (البعد الاقتصادي لسلاطين العصر الايوبي (567-648هـ/ 1171-1250م) وتضمن ثلاثة مباحث ، المبحث الاول تناول الزراعة وبعدها الاقتصادي لسلاطين العصر الايوبي، وجاء المبحث الثاني متناولاً الصناعة وبعدها الاقتصادي لسلاطين العصر الايوبي، والمبحث الثالث متضمناً التجارة وبعدها الاقتصادي لسلاطين العصر الايوبي. واخيراً الفصل الخامس الذي خصص لدراسة (البعد الاقتصادي لسلاطين المماليك البحرية (648-784هـ/1250-1382م) وتضمن أيضاً ثلاثة مباحث ، المبحث الاول تناول الزراعة وبعدها الاقتصادي لسلاطين المماليك البحرية ، اما الثاني تناول الصناعة وبعدها الاقتصادي لسلاطين المماليك البحرية، والمبحث الثالث خصص عن التجارة وبعدها الاقتصادي لسلاطين المماليك البحرية .