المستخلص
يحتل مفهوم الحرية الصدارة في تاريخ الفكر الفلسفي والاجتماعي والوجودي كونها تمثل أولى اشكاليات المجتمع الإنساني حيث تتمثل قدرة الانسان على ممارسة وجوده ، وتحقيق كينونته، وتفعيل كل ابعاد الحياة المنتجة والمتمركزة على المنظومة القيمية المتعالية، وتجسيد الرقي دلالة وانتاجاً وتطلعاً، فهي تمنح البشر طاقة لتطويع الظواهر وتأسيس فضاء من التناغم بين الذات والموضوع، والواقع والمثال، والمفهوم والضرورة، والفردانية والعقل الجمعي. وترتبط الحرية بتوافر التكيف الإيجابي وامتلاك سلطة التفكير، وحرية التعبير وخلق الرؤى والمفاهيم والتوجهات في الميادين السياسية والاخلاقية والأديان والطقوس والهويات (السوسيولوجية) والثقافية والعقدية والإنسانية . وهي المساحة الأثيرة لتحقيق انسانية الأنسان، والتعبير عن الفكر التمركز على الاختيار ووعي الذات وادراك الموضوع بعيداً عن الإرغام والتعسف، والمصادرة ولذا فهي تمثل في ارقى معانيها جوهر الأنسان ووجوده المرتبط بخصائص النوع البشري، وقدرته على التفكير وإنتاج القيم، وما ينسجم مع ملكات البشر في تجسيد العقل ورقي الميول والتعالق مع الحقيقة والجمال والمثل الرفيعة ،وصولاً الى مدن فاضلة ومجتمعات حرّة، ومنتجة ساعية الى وجود متّزن قائم على جدل التوافق بين الفرد والمجتمع، والقيم الاجتماعية ، والقيم الفردية التي تتعالق مع الاجتماعية وتنتج ثقافة قائمة على الوسطية والاتزان في استعمال مفهوم الحرية. وقد عنينا بهذه الدراسة لما للموضوع من اهمية وشغل كثير من الفلاسفة والنقاد وقد عدوه مشكلة تواجههم اذ بدأ سؤال الحرية منذ ان وجد الأنسان في اقدم عصور التاريخ البشري، حين تحسس وجوده الفيزيقي ، وأدرك أنه ذات تمتلك خصائص، وتكمن فيها الفروق الفردية والأحاسيس الخاصة والمقاربة الذاتية، وأن هناك الآخر بكل صوره وتمثلاته واعني المجتمع، والتاريخ ،والطبيعة، والاديان، والآيديولوجيا ، وثنائيات العقل والعاطفة، والواقع والخيال، والحرية والضرورة، والانا والآخر، ومفهوم الأنسان المرتبط بوصايا ابوية المجتمع وفق اشتراطات وفروض سياسية والدين والدولة والموروث والموجهات التاريخية، والمعرفية وبين مفهوم الأنسان بوصفه ذاتاً لتحقيق غايات والحصول على الحاجات وتجسيد الوجود الفرداني بعيداً وتشاكلاً مع هذه المعطيات المهيمنة. واتخذ مفهوم الحرية عند السعداوي خصوصية في مؤلفاتها الفكرية والادبية. وقد لا نغالي اذا قلنا ان السعداوي جعلت حياتها مكرسة للدفاع عن حقوق الأنسان واهم هذه الحقوق هي التخلص من عبوديته وتحرره من كل القيود التي تضفي إليه طابع العبودة والاستغلال البراغماتي . والسبب الآخر في اختيارنا للموضوع لما له من علاقة وثيقة بالأدب فالحرية والأدب وجهان لعملة واحدة ومتى ما تحرر الاديب استطاع ان يكتب ما يراه مناسباً ويعبر عن كينونته الأدبية والفكرية والنضال في الحصول على الحرية نضال طويل فكثير من الأدباء تعرضوا للأقصاء والسجن بسبب تحرر اقلامهم .
ورسمت هيكل هذه الرسالة على تمهيد وثلاثة فصول ، تمحور التمهيد على ثلاثة محاور (الحرية كينونة الأنسان مقاربة في المفهوم والتمثل)، النقد النسوي وصلته بالنقد الأدبي، عالم نوال الشخصي وفضاء الحرية) وتحدثت فيه عن ابرز المفاهيم الخاصة بالحرية واراء الفلاسفة القدماء والمحدثين ، ومشكلة الحرية في تحديدها وان الحرية المطلقة تتحول الى تمرد ، وعلاقة النقد النسوي بوصفه حقلاً من النقد الأدبي الذي اضاف اليه عالماً خاصاً ومتفرداً برؤية المرأة الى الأدب والحياة بشكل عام حيث ان هذا النقد اصبح واحدا من وسائل الأخذ بحقوق المرأة والتعبير عن كيانها ووجودها الثقافي والفكري . اما المحور الأخير فتحدثت فيه عن قيمة الحرية لدى نوال السعداوي بوصفها قيمة انسانية تحدد الوجود وتفرض الكرامة وتلغي الاستغلال الفكري والجسدي والسيكولوجي والبيئة التي نشأت فيها واحتضنت اهدافها وعززتها منذ نعومة اضافرها وكيف نشأت في اسرة تؤمن بتحرر الآخر وانعكس ذلك على تكوين ماهيتها ووجودها الشخصي من خلال النزعة والميل الى التحرر والسعي نحو الحرية والأنسان والفكر والعقل. وتناولنا بعضا من اراءها النقدية والفلسفية والاجتماعية ،اذ تعد نوال السعداوي ايقونة للفكر والتطور العقلي .
أما الفصل الأول فعنوانه تمثل ( العلاقة الجدلية بين الشخصيات ونزعاتهم الثقافية) وتحدث فيه عن اثر النزعة والميول الثقافي في تكوين الشخصية وهويتها الثقافية وتعاملها مع مفهوم الحرية واثره في تشكيل الحريات والعلاقة الجدلية بين الشخصيات بسبب اختلاف النزعات الثقافية. وكذلك تطرقت الى البيئة الثقافية واثرها في تشكيل واقصاء الوعي لدى الشخصيات من خلال فرض القيود عليها بسبب مرجعيات البيئة الثقافية.
اما الفصل الثاني ينص عنوانه (الحرية وثقافة العنف في روايات نوال السعداوي)
وكانت لنا وقفة في التساؤل الذي انطلقنا منه وهو هل الحرية تولد عنفاً؟ وما علاقتها بالعنف. وتوصلنا الى ان مفهوم الحرية سامي ومتعالي ويرتقي بالمجتمع ولكن اذا ساء فهمه واستخدامه كمفهوم تتسرب افعال العنف تحت عباءته سيكون مولداً للعنف. فالعنف قد يبدأ عنفاً رمزياً من خلال حرب الخطابات التي يتولد من خلالها العنف الجسدي بكل انواعه، اذ قدمنا العنف الرمزي على العنف الجسدي بأعتباره ناتج عن التحريض المستخدم في العنف الرمزي . ويتجسد العنف الجسدي بعدة اشكال منها الضرب والقتل وختان البنات، والعنف الجنسي المتمثل بالاغتصاب الجسدي من قبل المحارم او من قبل الزوج بغير ارادة الزوجة ورغبتها.
وكشف الفصل الثالث عن ( الثقافة الجندرية وتمظهرها في روايات نوال السعداوي ) وتحدثنا فيه عن المفاهيم الجندرية والصراع بين ثنائيات الذكورة والانوثة واثرها في تهميش حرية الاخر التي تتمظهر بسبب النوع الاجتماعي، وكيف تعرضت المرأة للتهميش بسبب نوعها الاجتماعي ووضحنا مفهوم ( الأنوثة الاجتماعية ) وتقيد المرأة بمفاهيمها ،وتشكل أزمة الذكورة ظاهرة واضحة وقارة في روايات السعداوي فدائما ما يتعرض الرجل الذي يمتلك صفات بطولية الى الأقصاء. اما مفهوم التابو وكسره من خلال تقويض المقدسات الثلاث ( السياسة والدين والجنس ) وتعد هذه المفاهيم من اهم القضايا التي ركزت عليها رواية ما بعد الحداثة التي تعمد على تقويض المقدس، وكسر المعاني الثابتة وتقبل الاخر المختلف جنسياً وعرقياً وثقافياً.