المستخلص
تتجسد الحماية الجزائية للسلم الاجتماعي بوصفه اِلاساس الذي تُبنى به الدولة والذي يعبّر عن أتفاق الأفراد على المشتركات العامة المعتمدة على التكيف مع التنوع واحترام التعددية ونبذ الاختلاف والتفرقة والفتن الطائفية والعنصرية والحرب الاهلية والتي تتشكل بموجبه الهوية الوطنية الجامعة، من خلال قيام المشرع بتجريم الافعال التي تنتهك التعددية في المجتمع، ووضع العقاب والتدابير والاجراءات المناسبة لها، بعدها من الجرائم الماسة بالسلم الاجتماعي، وقد امتدت هذه الحماية الجزائية لهذا النوع من الحقوق في العديد من التشريعات، ومنها التشريع الجزائي العراقي، من خلال تجريمه للأفعال التي تمس السلم الاجتماعي في العديد من النصوص سواء التي وردت في قانون العقوبات او تلك التي وردت في تشريعات خاصة كقانون مكافحة الارهاب العراقي رقم 13 لسنه 2005،حيث برز دور قانون مكافحة الارهاب في توفير الحماية الجزائية للسلم الاجتماعي من خلال تجريمه للأفعال التي تمس به وعدها جرائم ارهابية في المادة (4) و(8) منه، مثل تجريم العمل بالعنف والتهديد او بالتحريض او بالتمويل على أثارة فتنة طائفية او حرب اهلية او أقتتال طائفي، وكذلك تجريم عملية الخطف التي ترتكب بدوافع ارهابية لأغراض تكون ذات دوافع سياسية او طائفية او قومية او دينية.
أن موضوع (الحماية الجزائية للسلم الاجتماعي في اطار قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005) جاء لتسليط الضوء على دور قانون مكافحة الارهاب في توفير الحماية الجزائية للسلم الاجتماعي، بسبب انتشار جرائم الفتن والاقتتال الطائفي والحروب الاهلية وعمليات الخطف في الآونة الاخيرة وفي اعقاب ما شهده العراق من عمليات ارهابية بعد عام 2003،ويأتي ذلك من خلال البحث في أسس هذه الحماية الجزائية والمتمثلة بسياسة التجريم والعقاب وبيان مدى فاعليتها وكفايتها في الحد او التقليل من الجرائم الماسة بالسلم الاجتماعي.
إن اهم ما يميز قانون مكافحة الارهاب في توفيره للحماية الجزائية هو إيجاد تدابير وقائية واجهزة متخصصة لمكافحة الجرائم الماسة بالسلم الاجتماعي إتساقا مع الاتفاقيات الدولية التي تسعى الى توفير هذه الحماية على أساس ان هذه الاتفاقيات تعد الاساس القانوني للتشريعات الوطنية المتعلقة بالجرائم الماسة بالسلم الاجتماعي.
أنتهج المشرع العراقي في القانون موضوع الدراسة سياسية تجريمية عقابية، اساسها التشدد تقوم على تجريم اكبر عدد من الافعال التي تشكل خطرا على السلم الاجتماعي، وفرض اقصى العقوبات على مرتكبيها، وبما ان انتهاج سياسية جزائية ناجحة سيفضي الى تأمين حماية مناسبة للأفراد ولكافة مكونات المجتمع بوجه عام وصولا الى تحقيق السلم الاجتماعي وعلى المستويات كافة، لذلك كان ينبغي تحديد الثغرات التي تشوب القانون موضوع الدراسة والتي تعيق عملية الحماية وايجاد افضل السبل لسد هذه الثغرات ومعالجتها.
وقد اقترحنا تبعا لذلك ضرورة تحديد مفهوم ونطاق السلم الاجتماعي ووضع النصوص القانونية الخاصة به وتجريم الافعال التي تحاول المساس بالسلم الاجتماعي، وكذلك على المشرع التفريق بين جرائم الخطف التي ترتكب بدوافع ارهابية وبين الجرائم العادية، فضلا عن العديد من المقترحات التي تمت دعوة المشّرع فيها الى تعديل او اضافة نصوص تستكمل هذه الحماية.