المستخلص
ارتبط العصر العباسي بأسماء نجوم لامعة مِنَ الشُّعَراء الَّذين احتفت كتب التُّراث العربيّ بأخبارهم وأشعارهم ومساجلاتهم الشِّعريَّة، وتابع هذا الاهتمام الكثير مِنَ الباحثين والدَّارسين المُحدَثين، غير أنَّ ثَمَّة شُعَراء عاشوا في ذلك العصر نفسِه، ولم يحظوا بِما حَظِيَ بِهِ غيرُهم مِنَ الحفاوة والاهتمام، مِنْ بينهم الشَّريف البياضيّ، الَّذي بَقيّ شعرُهُ مُتناثرًا بين المصادر إلى ما قبل سنوات قليلة، عندما تكفَّل الأستاذ الدُّكتور فهد نعيمة البيضانيّ بجمع ديوان هذا الشَّاعر وتحقيقه، في دراسةٍ صدرت عن دار أهل الجديدة للطّباعة والنَّشر في العاصمة السُّوريَّة دمشق عام 2019م. على هذا الأساس، اختار الباحث دراسة هذا الدِّيوان على وفق آليات المنهج الأسلوبيّ، فاعتمدت الأسلوبية الإحصائية، كونها تبحث في الكشف عن التوظيف الأسلوبي والدلالي للظواهراللغوية في النص الادبي للتميز بين خصائص النصوص بطريقة الإحصاء الرياضي، فوُسِمَت الدِّراسة بعنوان: خصائص الأسلوب في شعرِ الشَّريف البياضيّ (ت:468ه)، إذ يُراد بخصائص الأسلوب جميع المُكوّنات اللُّغويَّة الَّتي يتحوَّل الكلام بواسطتها مِنْ سياقه الإخباري إلى وظيفته التَّأثيريَّة والجماليَّة، الَّتي يمكن رصدها بتكرار استعمالها مِنْ قِبَلِ الشَّاعر بحكم خبرته وذائقته وبراعته في التعبير، حتَّى أصبحت مِنْ سماته الأسلوبيَّة المُمَيَّزة؛ فالخاصيَّة الأسلوبيَّة هي مفهومٌ حديث يشير غالبًا إلى طريقة الشَّاعر في الخروج باللَّغة مِنَ مستوى الاستعمال العادي والتَّحوّل عَمَّا تُقَرِّرُهُ قواعد اللُّغة المعياريَّة إلى ما يبدعه الشاعر، وتجود به قريحته الشِّعريَّة كي يُصبح سمةً لازمة ومميّزة لشعره وعليه اعتنت هذه الدِّراسة بديوان الشَّاعر، وقد اقتضت خطَّة الدِّراسة أنْ تتألَّف مِنْ مُقدِّمة وتمهيد، ثُمَّ ثلاثة فصول ونظرا” لطبيعة هذه الدراسة وسمتها الفنية ، فوسم الفصل الأول بعنوان المستوى الصَّوتيّ، وذلك في مبحثَين، اختصا بِكُلٍّ مِنَ الإيقاع الخارجيّ والإيقاع الدَّاخليّ، بدراسة الخصائص الأسلوبيَّة للكشف عن جمالية الأسلوب في شعرالشريف البياضي لأبيات منتقاة من شعره، فقدمت أدلة واضحة على تلك الخصائص، التي تميز فيها شعره ممن سواه من شعراء عصره في حين اختص الفصل الثَّاني بالمستوى التَّركيبيّ، عن طريقِ دراسة التَّراكيبِ الطَّلبيَّةِ (الاستفهام، والنِّداء، والأمر والنَّهي) في مبحثٍ أوَّل، وأحوال الجملة (التَّقديم والتَّأخير، والجمل الاعتراضيَّة) في مبحثٍ ثانٍ. واهتمَّ الفصل الثَّالث بدراسة المستوى الدِّلاليّ، وذلك في مبحثَين: اختصَّ المبحث الأوَّل برصد وتتبّع أساليب الشَّاعر التَّصويريَّة: (التَّشبيه، والاستعارة، والكناية)، واختصَّ المبحث الثَّاني بالعلاقات الدّلاليَّة، بالتَّركيز على علاقتَي (التَّضاد، والمفارقة).ومن أهداف الدراسة الكشف عن موقف الشاعر تجاه الآخر -المرأة – الذي تمثل في غرض الغزل ، ويمثل هذا الفصل الآلية المهيمنة في إنتاج الإيحائية الدلالية في شعره، المتمثلة في علاقات المشابهة وتبيان سماتها الدلالية التي تمحورت في التشبيه والعلاقات الاستعارية وعلاقات المجاورة في إطار محدود بالبيت الواحد أو في الأبيات المتعددة، وانتهت الدِّراسة بخاتمةٍ مُوجَزَة تتضمَّن عرضًا واستخلاصًا لأهمِّ ما توصَّل إليه الباحث مِنَ الخصائص الأسلوبيَّة المُمَيِّزَة لديوان الشَّريف البياضيّ. أمّا الدراسات التي أستندت عليها منها( تحليل الخطاب لمحمد مفتاح ، والإيضاح للقزويني(739ه) وموسيقى الشعر لإبراهيم انيس، وغيرهم فضلا” عن ديوان الشاعر الذي كان مصاحبا” في اثناء مسيرة الدراسة الى منتهاه ومِنَ الدراسات السابقة رسالة الماجستير الموسومة بـ(شعرالشّرِيف البَيّاِضِيّ ت 468ه دراسة في الموضوع والفن ) التي قدمتها الطالبة، كوثر علي خضر البياتي ، الى مجلس كلية التربية للعلوم الإنسانية ،جامعة كربلاء 2020م وعليه عنيت هذه الدراسة، بدراسة الخصائص الأسلوبيَّة للشَّاعر البياضيّ -على حَدِّ عِلم الباحث- إذ لم يتسنَ له الوصول إلى أيَّةِ دراسةٍ سابقةٍ تناولت هذا الموضوع تحديدًا، أو ديوان الشَّاعر مِنْ أيِّ ناحيةٍ موضوعيَّةٍ أخرى، باستثناء الدّراسة القصيرة والمُكثَّفة الَّتي قام بها مُحَقِّقُ الدِّيوان، ويأمل الباحث أنْ ، يعطي للشاعرمكانته الَّتي يستحقُّها بين شُعرَاءِ العصر العباسيّ.