المستخلص
عدَّ إقليم خراسان من أهم أقاليم المشرق الاسلامي، إذ أدت مدنه دورا كبيرا على مسرح الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، إذ اعتبره الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/ 685-705م) ثغر المشرق الاسلامي بلا منازع([1]). ووصفه الخليفة عمر بن عبد العزيز (99-101هـ/ 717-720م) بأنه أفضل ثغور المسلمين وأهمها من خلال تأكيده على أهميته السياسية والاقتصادية عندما ولى عقبة بن زرعة الطائي خراج خراسان بقوله: “إنّ للسلطان أركانًا لا يثبت إلّا بها فالوالي ركن والقاضي ركن وصاحب بيت المال ركن والركن الرابع أنا وليس من ثغور المسلمين ثغرا أهم إلي ولا أعظم عندي من ثغر خراسان”([2])، ومن خلال هذه الروايات نقف على أهمية الاقليم ومدنه ونواحيه من جوانب متعددة.
يعد موضوع الدراسة الحالية التي بين أيديكم والموسومة بـ(مدن خراسان في كتاب وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان المتوفى (٦٨١هـ/١٢٨٢م) (دراسة تاريخية جغرافية) ذا أهمية كبيرة كونه من المواضيع المهمة ذات البعد الواسع الذي يضيف للقارئ الكثير من المعلومات عن مدن خراسان وجاء الهدف من الدراسة في ذكر كل ما رواه أو سمعه أو نقله المؤرخ ابن خلكان، عن هذه المدن ومقارنتها بمصادر أخرى، إذ جاءت معلوماته عن مدن خراسان في كتابه وفيات الأعيان الذي هو أحد كتب التراجم المهمة أثناء ترجمته لشخصيات ينتسبون إلى هذه المدن معتمدا على السلامي (ت344هـ/ 955م) صاحب كتاب تاريخ ولاة خراسان الضائع والسمعاني (ت ٥٦٢هـ/١١٦٦م) صاحب كتاب الأنساب الذي يحتوي على معلومات قيمة عن هذه المدن كونه أصلاً من العوائل العلمية العربية التي سكنت مدينة مرو وكتاب معجم البلدان لياقوت الحموي (ت ٦٢٦هـ/١٢٢٨م)، وان المتصفح لكتاب وفيات الأعيان يرى أنّ المؤرخ قد ألحق لكل ترجمة من تراجمه الكنية واللقب والانتساب إلى مدينة معينة ممن ولد أو نشأ أو توفى بها، ووضع ابن خلكان كتابه الموسوم “وفيات الأعيان” في سبعة أجزاء بتحقيق الدكتور احسان عباس، وبلغت تراجم مدن خراسان ثمان وخمسين ترجمة موزعة على أجزائه السبعة، وأمّا ترجمته للشخصيات فكانت مرتبة حسب الحروف الهجائية، وتقع دراسة ابن خلكان لهذه المدن في نهاية كل ترجمة، لقد شملت دراسة ابن خلكان على النواحي والقرى والمدن المتعارف عليها بإقليم خراسان الشهير، وعلى الرغم من ذلك لم يقدم لنا تفصيلات وافية لما تعنيه هذه التعابير والتغيرات الجغرافية والاقتصادية والسكانية التي مرت بها خلال العصور. كما أنّ ابن خلكان ترك جانبا مهما من دراسته للمدن ولاسيما خطط المدينة والانهار والأسوار والقلاع والحصون ودار الأمارة ودار الحديث والدور العلمية والحمامات والأسواق والخانقاهات والخانات والسكك والدروب، وغير ذلك مما يميز بناء المدن، غير أنه ذكر شيء يسير عنها جاء في روايات عن الذين ترجم لهم في مدن خراسان إذ ذكر الشيء النادر عن المساجد والمدارس والربط والقصور وشيء يسير تضمن جوانب عمرانية وحضارية، وجاءت معلوماته عنها شحيحة على الرغم من أن هناك مصادر أخرى سبقته قد تناولت هذه الجوانب.
أفادت الدراسة من دراسات سابقة لابن خلكان وكتابه وفيات الأعيان كان على رأسها بحث للدكتور قحطان الحديثي رحمه الله حمل عنوان (مدن خراسان عند ابن خلكان دراسة جغرافية تاريخية نقدية) وهو بحث منشور في مجلة كلية الآداب، جامعة البصرة، العدد العاشر، السنة التاسعة، 1976م، وكذلك أطروحة دكتوراه بعنوان (منهج ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان) لخليل إبراهيم جاسم في جامعة الموصل كلية الآداب سنة١٩٨٩م، ودراسة أخرى بعنوان(الجوانب الإدارية والاجتماعية في وفيات الأعيان وتالي وفيات الأعيان) دراسة تاريخية أطروحة دكتوراه لسناء شندي عوان البدري في جامعة بغداد كلية الآداب، فضلا عن دراسات سابقة عن إقليم خراسان ومدن الإقليم منها (إقليم خراسان دراسة في الجغرافية التاريخية من سنة١٣٢ هـ-٦٥٦ هـ) اطروحة دكتوراه للدكتور صدام جاسم محمد البياتي في جامعة بغداد كلية التربية ابن رشد ورسالة ماجستير بعنوان(الحياة الاجتماعية في خراسان من الفتح العربي الإسلامي حتى سنة ٦٥٦ هـ) للدكتورصدام جاسم محمد البياتي في جامعة ديالى كلية التربية للعلوم الانسانية، ودراسة أخرى بعنوان (مدن خراسان في كتاب صبح الأعشى في صناعة الانشا للقلقشندي المتوفى (٨٢١هـ/١٤١٨م) رسالة ماجستير لرعد العبيدي في جامعة تكريت كلية التربية للعلوم الإنسانية، وبحث بعنوان (إقليم خراسان دراسة في نشاطه التجاري من خلال كتب البلدانيين) بحث منشور للدكتور عبد الستار نصيف جاسم في جامعة بابل كلية التربية للعلوم الانسانية، فضلا عن دراسات أخرى سوف تذكر ضمن قائمة المصادر والمراجع إلّا أنه مع هذه الدراسات لم نجد دراسة سابقة عن مدن خراسان في كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان، إذ جاءت الدراسة التي نحن بصددها بكرا لم يتطرق لها احد من الباحثين من قبل، وجاءت أهمية الدراسة في بيان ما جاء يه ابن خلكان من معلومات مهمة عن مدن خراسان، ومقارنتها بالمصادر الأخرى والخروج من خلالها بتحليل واستنتاج من قبل الباحث وذكر ما تميز وانفرد به عن المصادر الأخرى.
اعتمد الباحث في هذه الدراسة على المنهج الوصفي في ذكر المادة العلمية التي جاء بها ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان عن مدن خراسان ونواحيه مع مقارنة هذه المادة العلمية بمعلومات أخرى من مصادر متعددة والخروج بنتيجة مهمة مفادها هل أنّ المعلومات التي ذكرها ابن خلكان بخصوص المدن كانت كافية وملمة بالموضوع عن هذه المدن أم لا وهذا ما بينته الدراسة لاحقا.
ومن الصعوبات التي واجهتني خلال دراستي لهذا الموضوع الحقبة الطويلة للموضوع إذ استمرت أكثر من ست قرون وكذلك المساحة الواسعة لإقليم خراسان وما ذكره ابن خلكان عن مدنه ونواحيه وصعوبة ضبط حدود الاقليم في حقب مختلفة كون أن الحدود متغيرة غير ثابته حسب الظروف السياسية السائدة في كل حقبة، وهنا لابد أن ننوه ان الدكتور قحطان الحديثي رحمه الله كان قد ذكر مدن بلاد ما وراء النهر من ضمن إقليم خراسان وهذ جاء لربما من تبعيتها الإدارية وليست الجغرافية في حقب مختلفة، وكانت من الصعوبات الأخرى هو قلة ما جاء به ابن خلكان من مادة علمية عن الجوانب العمرانية والحضارية عن مدن خراسان وكانت شحيحة وتفتقر إلى التوضيح، وكان على المؤرخ النابه ابن خلكان أن يوضح ذلك من خلال ترجمته لعلماء أو فقهاء تلك المدن حيث إنهم درسوا في مدارس تلك المدن وسكنوها. كذلك كانت الجوانب الاقتصادية وما يتعلق بها من زراعة وتجارة وصناعة ولاسيما الخراج لهذه المدن، قليلة جدا أو معدومة وهذ نابع من أصل الكتاب محور الدراسة كونه كتاب تراجم المعلومات فيه عن المدن متناثرة هنا وهناك وكما هو معروف أن إقليم خراسان هو إقليم واسع كان يرفد خزينة الدولة بموارد مالية ضخمة، لذا اهتمت به الدولة العربية الإسلامية اهتمام كبير، فضلا عن أن ضخامة كتاب وفيات الأعيان قد شكل لدي صعوبات أخرى كوني جردت الكتاب مرات عديدة من أجل الوقوف على المادة العلمية التي تخص دراستي.
اقتضت طبيعة الدراسة تقسيمها الى أربعة فصول سبقتها مقدمة وانتهت بخاتمة وملاحق وقائمة بالمصادر والمراجع وملخص الرسالة باللغة الإنكليزية.
([1]) الطبري، محمد بن جرير(ت ٣١٠هـ)، تاريخ الرسل والملوك، تح: محمد أبو الفضل أبراهيم، دار المعارف، (مصر-١980م)، ج٦، ص٢٠٠.