المستخلص
إِنَّ المُتتبع لتاريخ المملكة العربية السعودية الحديث والمعاصر يجد أَنَّها مَرَّتْ بالعديد من التحولات السياسية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على الواقع الاجتماعي والثقافي للمملكة، بل إِنَّ بعض من مناطقها، لاسيما الحجاز وتوابعه، أصبحت مراكز استقطاب علمي وفكري وديني منذ أيام الحكم العثماني لها، ومرورًا بالحكم الهاشمي ووصولًا إلى الحكم السعودي، الأمر الذي هيأ لظهور حركة أدبية وثقافية في ربوع تلك المدن، كان واحدًا من أبرز سماتها بروز عدد غير قليل من الصحف التي كانت لها مكانتها في التأسيس للحركة الثقافية الأولى والرائدة في المملكة، وما جريدة أُمّ القُرى موضوع الدراسة إِلَّا واحدة من تلك الجرائد التي ظهرت على الساحة الثقافية والاجتماعية السعودية من رحم تلك التحولات السياسية التي شهدتها المملكة، إثر اتخاذ الملك عبدالعزيز ابن سعود لها لتكون لسان حال حكمه في الحجاز بعد سيطرته عليه أواخر عام 1924، ولتصبح بذلك واحدة من المصادر التاريخية المهمة التي ممكن من خلال تتبع أخبارها الوقوف على العديد من التفاصيل المتعلقة بتاريخ الحقبة الزمنية التي اتخذناها إطارًا لدراستنا سواء على الصعيد الداخلي للمملكة أو الخارجي الدولي والإقليمي.
وقد ثبت بعد تصفح العديد من الرسائل الجامعية والأطاريح في جامعاتنا العراقية العزيزة، وحتّى الجامعات السعودية، إِنَّها تفتقر لدراسة تاريخية ذات وصف موضوعي لمراحل التطور الثقافي في الحجاز وصولًا إلى تأسيس جريدة أُمّ القُرى ومراحل تكوينها حتّى ثبات الحكم السعودي في البلاد، وما بينته هي الأُخرى من التطورات السياسية والاقتصادية والثقافية والإدارية الداخلية، وما تناقلته من أخبار خارجية سواء كانت عربية أم دولية، وعلى الرغم من أَنَّ بعض الدراسات قد نجحت في إلقاء الضوء على الجوانب السياسية والعسكرية لتنقلات الحكم في الحجاز، أو انها مرّت على جانب محدد من الجوانب الثقافية، إِلَّا أَنَّ ثمة العديد من الجوانب المهمة التي بحاجة لمعالجة موضوعية متخصصة تدخل في ضمن الجانب الثقافي نفسه، مِمَّا زاد الرغبة في تقصي تلك الأحداث وتأثير بعضها على البعض الآخر، لاسيما عند افتقار الموضوع لأي دراسة أكاديمية بحثت وتقصت الأحوال الثقافية خلال الأدوار السياسية التي مر بها الحجاز وصولًا إلى ثبات الحكم السعودي فيه عام 1932، رغم كونها حقبة مهمة غنية بالأحداث والتطورات السياسية والاقتصادية والعسكرية فضلًا عن التطورات الثقافية التي هي صلب دراستنا، إذ شَهِد العام 1924 الذي اتخذناه بداية للاطار التاريخي لدراستنا، تأسيس جريدة أُمّ القُرى الذي تزامن مع الصراع السياسي والعسكري بين آل سعود بزعامة عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والهاشميين بزعامة الشريف حسين بن علي المتأتية من نزاعهم السياسي المستمر، وتبعات الحرب العالمية الأولى، والتي أنهت الحقبة الهاشمية في الحجاز، وتأسست أواخر العام نفسه جريدة أُمّ القُرى عنوان دراستنا، وحُددت نهاية الإطار التاريخي للدراسة بعام 1932، لكونه العام الذي تحولت فيه الجريدة إلى جريدة أدبية ثقافية أكثر منها سياسية رسمية، فضلًا عن كونه العام الذي أتم فيه ابن سعود سيطرته على الحجاز ونجد وتوحيدهما تحت مسمىٍ واحد وهو المملكة العربية السعودية، بعد تحولات عديدة مرت بها سياسته فيهما، وبداية لحقبة سياسية جديدة شهدتها البلاد واستمرت حتّى وقتنا الحاضر.
بينت الدراسة أهمية الحجاز الثقافية ، عوضاً عن أهميته الاستراتيجية ، وتأثير تلك الأهمية على المتغيرات التي طرأت على البلاد، وبقدر ترابط الشؤون الداخلية بعضها ببعض، فقد هدفت الدراسة إلى الإجابة عن جملة من التساؤلات التي قد ترد إلى ذهن القارئ أو الباحث والتي سنحاول صياغتها على النحو الآتي:
هل وجد أي شكل من أشكال الحركة الثقافية في الحجاز قبل إصدار جريدة أُمّ القُرى؟ أم إِنَّ الحجاز كان عبارة عن منطقة متخلفة أبان الحكم العثماني، وإن الجريدة هي أَوّل شكل من أشكال الانفتاح على التطورات الحضارية والثقافية فيه؟ هل كان هناك أي تأثير سياسي على ابن سعود دفعه لتأسيس الجريدة سواء كان من داخل الحجاز أو من خارجه؟ هل كانت الجريدة حُرة التعبير خلال مسيرتها؟ أم كانت تتبع سياسة صاحب امتيازها متطرقة لما يُمليه عليها من شروط وفقًا لما يتناسب مع توجهاته الشخصية البحتة؟ هل سلكت الجريدة توجهات مدراء تحريرها؟ أم انها كانت ذات نمط محدد لم تَحِد عنه؟ هل تباينت منشورات أعمدتها فيما بينها بشكل يتفوق أحدها على الآخر من حيث عدد الأخبار؟ هل باتت تلك صفة ملاصقة للجريدة أم إنها عدلت من أسلوبها مع الوقت؟ هل اهتمت بالشأن العربي أكثر أم العالمي؟ وهل كان لها دور نقدي عند نقلها لتلك الأخبار سواء كانت عربية أو دولية، وسواء كان مع أو ضد؟ أن تلك الأسئلة وغيرها قد يجد القارئ أجوبة مناسبة لها بين صفحات الدراسة، أو ترشده، على أقل تقدير، للوصول إليها.