المستخلص
فتشرفت لغتنا العربيّة بأَنَّها لغة القُرآن الكريم، وهذه اللّغة انمازت بالأصالة والسعة؛ فهي لغة الجمال والذوق، وهي لغة غنية بالمفردات، والتراكيب، والمعاني، التي انفردت بها عن بقية اللّغات الأخرى، وفي هذه اللّغة كثير من الأساليب والظواهر النحوية والبلاغية استعملها العرب وتحدثوا بها لغايات معينة تضفي بيانًا وجمالًا إليها، ومن هذه الظواهر والأساليب: (الحذف، والتقديم والتأخير، والزيادة، وعدم المطابقة، والجملة المعترضة)، وهو نوع من أنواع الخروج عن الأصل، والذي يسميه النّحاة (العارض)، أو العدول عن الأصل، وهو ما يسمى بـ(عوارض التركيب)([1]).
وبعد التوكل على الله واستشارة مشرفتي، وقع اختياري على دراسة هذه العوارض في (كتب إعراب الحديث النَّبويّ الشَّريف)، والعمل على إظهار استعمالها في الأحاديث النّبويّة الشّريفة، وتفسير هذا الاستعمال، والغاية منهُ والذي بيّنه معربو الحديث في كتبهم، وهذا الاستعمال في الأحاديث النّبويّة الشّريفة يدلُّ على الفصاحة التي اتصفَ بها رسول الله (r) ولغتهُ العالية، وهو الذي وصف نفسه بأفصح العرب في قوله (r): ((أنا أفصحُ العرب بَيْدَ أَنَّي من قريش))([2]).
وقد عمل البحث على رصد هذه العوارض في الأحاديث التي أوردها معربو الحديث، وبينّوا المُشكل منها، والعمل على تحليلها تحليلًا نحويًا، وإيضاح الغرض من كُلّ عارض وصولًا إِلى تحديد المعنى داخل التركيب، ومن ثمَّ تصنيفه على النحو الآتي: (الحذف، والتقديم والتأخير، والزيادة، وعدم المطابقة، والاعتراض)، وقد بيّنت الدّراسةُ اشتراك كتب إعراب الحديث – وهي ستة كتب – في تشخيص الكثير من الأحاديث التي تحمل هذه الظواهر، وتحليلها تحت عنوان: (عوارض التركيب).
وكان من أَبرز أسباب اختياري للموضوع، الاشتغال بالحديث النَّبويّ الشَّريف؛ لخدمة كلام سيد الكائنات (r)، والتعرّف إِلى هذا العلم الجليل الذي كان لَهُ الأثر الكبير في تفسير القُرآن العظيم، وبيان خفاياه للنَّاس أجمع؛ قال تعالى: ﴿ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ [النحل:44].
وبعد جمع المادة والرجوع إِلى مشرفتي وضعنا خطة للدّراسة، تضمنت: تمهيدًا، وثلاثة فصول تسبقها مقدمة وتنتهي بخاتمة لأبرز النتائج.
اشتملَ التمهيد على تعريف العارض والتركيب لغةً واصطلاحًا، ثمَّ تعريف كتب الدّراسة، وتضمن تعريفًا بسير أصحاب هذه لكتب مرتبين زمنيًا.
وبعد التمهيد يأتي الفصل الأَوّل بعنوان: (عارض الحذف في كتب إعراب الحديث)، والذي تضمّن ثلاثة مباحث، كان المبحث الأَوّل بعنوان: (الحذف في الجملة الاسمية ونواسخها)، أَمّا المبحث الثاني فكان بعنوان: (الحذف في الجملة الفعلية)، ثمَّ جاء المبحث الثالث بعنوان: (الحذف في متعلقات الجملتين الاسمية والفعلية).
أَمّا الفصل الثاني فجاء بعنوان: (عارض التقديم والتأخير في كتب إعراب الحديث)، وتضمّن ثلاثة مباحث، الأَوّل: (عارض التقديم والتأخير في الجملة الاسمية ونواسخهما)، والمبحث الثاني: (عارض التقديم والتأخير في الجملة الفعلية)، والمبحث الثالث: (عارض التقديم والتأخير في متعلقات الجملتين الاسمية والفعلية).
أَمّا الفصل الثالث فجاء بعنوان: (عوارض أُخرى)، واشتمل على عوارض: الزيادة، وعدم المطابقة، والاعتراض؛ لأَنَّ ما فيها من مادة علمية لا تكفي لأنْ تكون فصلًا برأسهِ.
وبعد الانتهاء من الفصول الثلاثة، اتبعتها بخاتمةٍ بيّنت فيها أَبرز ما توصلت إليه الدّراسة من نتائج.
ثمَّ جاء ثبت المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها، والإفادة منها في الدّراسة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: (الكتاب) لسيبويه (ت180ه)، و(معجم مقاييس اللّغة) لأحمد بن فارس (ت395ه)، و(تعليق الفرائد) للدماميني، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وغيرها.
وكذلك رجعت إِلى الكثير من الدراسات التي حملت (عوارض التركيب)، أمثال: (إعراب الحديث النَّبويّ بين العكبريّ والسيوطي وابن مالك دراسة وصفية تحليلية مقارنة)، كليّة اللّغة العربيّة، جامعة أم درمان الإسلامية، السودان، 2008م، أطروحة دكتوراه، لسمية عبدالرحيم عبدالله، و(عوارض التركيب في سورة البقرة دراسة نحوية وصفية) رسالة ماجستير، لسامية مؤنس خليل، الجامعة الإسلامية، غزة، 1433ه/2012م، و(عوارض التركيب في أحاديث الأخلاق في الكتب الستة دراسة نحوية)، رسالة ماجستير، لقيس محمود سعيد صافي، كليّة الآداب، جامعة الأقصى، غزة، 1440ه/2018م، و(عوارض التركيب في شعر ابن قيس الرقيات دراسة نحوية)، رسالة ماجستير، لأمل منسي عائض الخديدي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1428ه، و(آراء الكوفيّين اللّغوية والنَّحويّة في كتب إعراب الحديث الشَّريف)، رسالة ماجستير، لدعاء عبداللطيف عبعوب الباوي، كليّة التربية للعلوم الإنسانية، جامعة ديالى، 1441ه/2020م، وغيرها من الرسائل والأطاريح السابقة القيّمة.
أَمّا المنهج الذي اتبعته في هذه الدّراسة، فهو منهج يتراوح بين العرض والوصف والتحليل القائم على عرض الإشكال الذي يشير إليه معربو الحديث في أحاديث رسول الله (r)؛ فأقوم بتتبع العارض وتشخيصه، ثمَّ تحليله تحليلًا نحويًا، ثمَّ موازنته بآراء النّحاة الآخرين، بوساطة عرض آرائهم، ثمَّ الإشارة إِلى الاشتراك الموجود بين معربي الحديث في عرضهم للمسألة النحوية في الحديث الواحد، وكذلك أُبيّن انفراد بعضهم في ذلك.