المستخلص
انمازت المدة الزمنية التي بدأت من النصف الثاني من القرن العشرين وانتهت بالعقد الأخير منه بأحداث مهمة ومواقف متصارعة كان لها وقعها الكبير على الصعيدين العالمي والدولي، بعد دخول الاتحاد السوفيتي بوصفه قوة مهيمنة على أوروبا الشرقية ومنطقة شرق وجنوب شرق آسيا، مما أدى إلى ظهور ما يعرف بـ (الحرب الباردة) (1945-1991)، فهي المدة التي اتسمت بتنافس وصراع قوتين كبيرتين هما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الاميركية، والمتمثل في اختلاف السياسات الايديولوجية، إذ قام كل منهما بنشر افكارهُ الخاصة للعالم، ومد نفوذهما السياسي والاقتصادي والعسكري، لذلك تباين مسار المواقف الأميركية تجاه التطورات السياسية في الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة ومرت تلك المواقف السياسية بمراحل عديدة، إذ كان لكل مرحلة ظروفها ومعطياتها ومتغيراتها وسماتها التي انمازت بها، وانها كانت نتيجة لواقع دولي معين فرض تأثيراته في السياسة الدولية، وترك أثرهُ في سياسة الدولتين واستراتيجيتها، وفي ظل التدخل السوفيتي في بولندا نهاية السيتينات من القرن العشرين، وتعاظم القدرة العسكرية السوفيتية، مع تعقيد المعضلة الفيتنامية الامر الذي وضع رئيس الولايات المتحدة الأميركية الاسبق ريتشارد ميل هاوس نيكسون ( Richard Milhous Nixon) في اعادة تقويم الاستراتيجية الأميركية ولاسيما سياسة الاحتواء ضد الاتحاد السوفيتي، وانطلاقاً من هذه الاستراتيجية الاميركية الجديدة، بدأت محادثات مشتركة فيما يتعلق بالتسلح النووي في هلسنكي، وكانت محادثات قد بدأت سرية، ووصفت بانها معقدة، وانتهت الى التوصل إلى مجموعة من الاتفاقيات، وكان لابد لتلك الاتصالات والاتفاقيات أن تناقش على أعلى المستويات الحكومية الأمر الذي أدى الى أن يقرر الرئيس نيكسون زيارة الاتحاد السوفيتي ضمن خطة بدأها بزيارة الصين في عام 1972بهدف الخروج من المأزق العسكري في فيتنام وتخفيف الضغط السياسي والاقتصادي عن الحليف الياباني ، وكذلك محاولة اضعاف المعسكر الشيوعي، وقد نظر السوفيت إلى تلك الزيارة على أنها تمثل ايقاف عجلة تسابق التسلح التي بدأت ترهق الميزانية السوفيتية وتؤثر في الواقع الاقتصادي المتدهور، ومن ذلك المنطلق سعى الاتحاد السوفيتي إلى استثمار التقارب مع الولايات المتحدة الاميركية، بالرغم ان الرئيس نيكسون قد عرف بعدائه للشيوعية وبعدم ثقته بالاتحاد السوفيتي وبميوله اليمينية المتطرفة القائمة على شعارات الحرب الباردة، لكن الرئيس نيكسون بحكم نظرته الواقعية شق الطريق نحو الانفراج الدولي، واعترف بالاتحاد السوفيتي قوة عظمى لها مصالحها ووزنها الدولي، وهكذا تحولت العلاقات الأميركية السوفيتية في عهده إلى مرحلة انفراج فعلي واصبح الوفاق الدولي شعار عقد السبعيينات، وقد وقعت العديد من الاتفاقيات، منها اتفاقيات سالت الاولى (SALT 1) وسالت الثانية (SALT 2). وعلى العكس من ذلك فأن الرئيس رونالد ريغان (Ronald Reagan) قد عاد العلاقات الأميركية السوفيتية الى اجواء الحرب الباردة ووضعها على عتبة عصر جديد من سباق القوة العسكرية وعدم االتسلح، وذلك برفضه الاتفاقيات الحد من التسلح، وأعلن عن مبادرة الدفاع الاستراتيجي (S.D.I) وقد بنيت تلك السياسة على أن سباق التسلح سيخلف تصدع داخل الانظمة الاشتراكية وانهاك الاتحاد السوفيتي، فاقتصاد الأخير لم يعد يتمتع باي فائض لمواجهة التسلح المتسارع، ولاسيما اذا استطاعت الولايات المتحدة الأميركية أن تحشد حلفاءها الغربيين بشأن تلك المبادرة، وان يتقاسم الغرب اجمعه اعباءها الاقتصادية والتقنية، وكان التطبيق العملي لذلك التصور يعني بناء القوة العسكرية وعدم التفاوض مع السوفيت الا من موقع قوة، وقد سيطرت تلك المفاهيم على ادارة الرئيس ريغان، حتى نهاية مدة ولايته الأولى عام 1984، وصاغت توجهاتها على المستوى الايديولوجي والعملي، وهي التوجهات التي وصلت معها العلاقات الأميركية السوفيتية الى ادنى مستوى لها منذ ازمة الصواريخ الكوبية 1962، واذنت بظهور ما اصبح يعرف بالحرب الباردة الجديدة.
شهد النصف الأول من حقبة الثمانينيات غياب ثلاثة من القيادات الاتحاد السوفيتي هم ليونيد بريجنيف (Leonid Brezhnev) 1982 ويوري اندروبوف (vlodimirovich Andropov) 1984، وقسطنطين تشيرنيكو (Kanstantin Chernenko) 1985، الأمر الذي سمح بتحقيق ما كان مرتقباً من تغيير في أجيال القيادات اللاحقة Chevational chahge، وبروز بالفعل ميخائيل سيرجيفتش غورباتشوف ( mikail sergeeyvich Gorbachev ) الذي شرع في إعادة النظر في المبادئ والقيم والعقائد التي حكمت النظام الداخلي في الاتحاد السوفيتي على مدى سبعين عاماً، وارتبط ذلك باعادة تقييم المفاهيم التي استندت اليها ووجهت السياسة الدولية للاتحاد السوفيتي خصوصاً في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، إذ مهدت سياسة البيريستروكيا والغلاسنوست الى تقليل أثر الأيدولوجية في السياسة السوفيتية، وكشف سلبياتها أمام العالم الخارجي، من ثم مهدت الأصلاحات التي تقدم بها الرئيس غورباتشوف لتفكك الاتحاد السوفيتي بسبب عدم قدرته على إدارة عملية التحولات والتغيرات الاصلاحية على صعيد البناء الداخلي، وانتهت تلك الحقبة من التاريخ التوسعي للاتحاد السوفيتي بانهيار دولته وتفتتها إلى خمس عشرة جمهورية، على الرغم من امتلاكه أكبر قوة استراتيجية في العالم، وذلك لا يعني ان قوته العسكرية كانت دون فائدة تماماً بل شكلت تلك القوة رادعاً مؤثراً للقوة الاستراتيجية الأميركية ولكن ذلك الردع كان محصوراً من الناحية العسكرية فقط، ولم يمتد للنواحي الاخرى، وبالمقابل كانت القوة العسكرية والاقتصادية الأميركية فاعلة جداً في ردع القوة السوفيتية، ولاسيما مبادرة الدفاع الاستراتيجية، التي انهت سباق التسلح إلى غير رجعة، وبتفكك الاتحاد السوفيتي نتيجة تبني مبادرة الدفاع الاستراتيجي ودورها في إرهاق ميزانيته، واتساع البيروقراطية في إدارة الدولة، والغزو السوفيتي لأفغانستان 1979، ووصول غورباتشوف الى السلطة 1985، واعلانه الغلاسنوست والبيروسترويكا، وبذلك أصبح العالم يستند على نظام دولي جديد، يتمثل ببروز قوة عظمى مهيمنة على التفاعلات الدولية بجوانبها كافة تحت اسم النظام العالم الجديد، تقوده الولايات المتحدة الأميركية أو ما يعرف بنظام القطب الواحد.
اختير اطار الدراسة الزمني بحيث يبدأ في العام 1981 وهو العام الذي اقترن بتسنم الرئيس رونالد ريغان ، السلطة في الولايات المتحدة الأميركية ، إذ شهد ذلك تطوراً سياسياً أضفى إلى حدوث تحول في اتجاهات سياسة الولايات المتحدة الأميركية حيال الاتحاد السوفيتي، لاسيما انه اتبع سياسة مختلفة عن الرؤساء الذي سبقوه مركزاً على جوانب لم تعر لها الادارة السابقة اهمية، واقترن وقوف الدراسة عند العام 1991 بأنهيار المعسكر الشرقي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ودخول العالم الى عهد أمني جديد كان للولايات المتحدة الأميركية مطلق اليد في رسم خطوطه وملامحه.
اعتمدت الدراسة على المنهج التأريخي- الوصفي التحليلي، في عرض الحوادث والوقائع التأريخية، مع التماهي بين اتباع التسلسل الزمني للحوادث التاريخية ووحدة الموضوع، فضلاً عن ذلك فقد قام الباحث بعرض المعلومات والحقائق التأريخية تاركاً تحليلاً لبعض النصوص التي وردت في ثنايا الأطروحة، وفي مواضع مهمة منها لتكتمل الصورة التاريخية لدى القارئ.