المدرس الدكتور أمجد محمد شكر البياتي التدريسي في كلية التربية للعلوم الانسانية / قسم اللغة العربية جامعتنا يهدي الامانة العامة للمكتبة المركزية نسخه من أطروحته الموسومة ( أسلوبية النثر الصوفي في كتاب المواقف والمخاطبات للنفَّري (ت 354هـ)
المستخلص
فالتصوّف تجربةٌ روحيّةٌ تسعى إلى تنقية الذات البشرية من شوائب الدنيا وعلائقها، والإرتقاء بها نحو عوالم التنزيه والتقديس والطهارة، سعياً في إخلاص العبوديّة للحقّ تعالى، والتجرّد عمّا سواه.
واتّخذ ارتقاء الذات أشكالاً تعبيريّةً متعدّدةّ، منها ماكان شفاهيّاً، ومنها ماكان كتابيّاً على شكل أنساقٍ شعريةٍ أو نثريّةٍ، أسهمتْ في التعبير عن أشواق المتصوّف ومشاعره تجاه مقصوده سبحانه وتعالى .
وقد هيَّأَ الله تعالى لي أسباب البحث في موضوع النثر الصوفي، وجال في خاطري أنْ أدرسَ منجزاً صوفيًّا لا يتحدّث فيه مؤلّفه مع مخلوق، إنّما يناجي الربَّ تعالى بعبارات تنمُّ عن قدرةٍ لغويةٍ فائقةٍ في تراكيبها وصياغتها .
ومن هنا فقد وجدت نفسي متحمّساً للبحث في هذا الموضوع، فكان الاختيارُ منصبًّا على كتاب (المواقف والمخاطبات) للنفّري (ت 354هـ) ، فقد أوقفتني عباراتهُ وشاقني أنْ أكتشفَ أسرارَهُ وأقفَ على مواطن الإبداع فيه .
ولأنَّ الكتابَ لم يدرسْ دراسةً مستقلةً على مستوى الأسلوب، وبعد اطّلاعي على الكتاب ومدى ملاءمته للدراسة، فقد وقع اختياري على الأُسلوبيّة منهجاً لدراسته، وكان للبحث أنْ يستقرَّ عند : (أُسلوبيّة النثر الصوفي في كتاب المواقف والمخاطبات للنفري (ت 354هـ) ) ، وأودُّ أنْ أُشيرَ إلى أننّي لم اعتمدْ مستويات الدراسة الأسلوبية المعتادة من (صوتٍ وتركيبٍ ودلالةٍ) على نحوٍ قسريٍّ يأخذ بعمومية المنهج في المعالجة، إنَّما اعتمدت أساليبَ خضعتْ للمادة النثرية في الكتاب .
وبعد التشاور مع أستاذي المشرف رأيْتُ أنْ أجعلَ البحثَ موزّعاً على تمهيدٍ وثلاثة فصول وخاتمة، وقد خصّصت التمهيد للبحث في ظاهرةٍ ملحوظة اعترتْ شخصية النّفري، وهي (الغموض والتخّفي)، وقد وضّحت فيه الأسباب التي تقفُ خلف هذه الظاهرة .
جاء الفصل الأول موسوماً بـ(أُسلوبية التكثيف) ، وكان على ثلاثة مباحث، أولها (تكثيف العبارة) ، وفيه تطرّقت إلى التعريف بالعبارة عند المتصّوفة بعدّها مظهراً بارزاً من مظاهر النثر الصوفي، ثم بحثت في الملامح العامة للتكثيف عند النفّري ، أمّا المبحث الثاني فتناول (آليات تكثيف العبارة) ، وأبرزها أربعة أنماط هي (التقديم والتأخير) و(الحذف) و(التشبيه) و(الاستعارة) ، وبيّنت مستويات التكثيف في كلّ منها ، أما المبحث الثالث فهو (تكثيف السرد) ، وكرّستهُ في البحث عن الملامح السردية في نصوص المواقف والمخاطبات وسماتها العامة، ثم انتقلت إلى البحث في مستويات التكثيف في البنية السردية، فكانت على ثلاثة أنماط هي : (التكثيف في بنية الاستهلال، التكثيف في بنية الحوار، التكثيف في بنية المكان) .
أمّا الفصل الثاني فكرَّست الدراسة فيه عن (أُسلوبية الترميز) ، ووزّعته على ثلاثة مباحث، المبحث الأول (الرمز الصوفي: المفهوم والدوافع)، وفيه تناولت مفهوم الرمز الصوفي ودوافع توظيفه، أمّا المبحث الثاني فجاء معنوناً بـ(الرمز المجرّد) ، وقد وضّحت فيه المفاهيم الذهنية المجرّدة التي اتخّذها النفّري رموزاً في التعبير عن تجربته الروحيّة، أمّا المبحث الثالث فكان (الرمز المجسَّد)، وفصّلت فيه الرموز المحسوسة عند النفّري وأثرها في التعبير عن أحواله الصوفية .
ودرست الفصل الثالث (أُسلوبية الانزياح) ، وجعلته على مباحث ثلاث ، الأول هو (الإنزياح الإيقاعي) ، وتناولت فيه ظاهرتين أُسلوبيتين ملحوظتين عند النفّري ، هما (التكرار) و(التوازي) ، وبينّت أثر كل منهما في النص، أما المبحث الثاني فهو (الإنزياح التركيبي) ، وكان موّزعاً على ثلاثة أنماط هي (التقديم والتأخير) و(الحذف) و(الالتفات)، أمّا المبحث الثالث فخصّصت الحديث فيه عن (الانزياح الدلالي) ، وكان على قسمين (الاستعارة) و(الكناية) .
إنّ الباحث في النثر الصوفي وخصوصاً عند النفري يصطدم بمعوّقات كثيرة، لعلَّ أبرزها الرمزية الشديدة التي تلفّ نصوص النفّري، ممّا تطلّب من الباحث أنْ يقف عندها لساعاتٍ غيرِ قصيرةٍ ، فضلاً عن ندرة المصادر التي درست حياة النفري ومنجزه ( المواقف والمخاطبات) .
ولا يسعني بعد إكمال هذا الجهد المتواضع، إلاّ أنْ أشكرَ الله تعالى الذي أحاطني برعايتهِ ومنَّ عليَّ بنعمه، وأتقدّم بجزيل الشكر والثناء إلى أُستاذي المشرف الدكتور (فائز الشرع) ، الذي وجدت فيه أُنموذجاً علميًّا يحتذى به، فكان لي الفخرُ أنْ يكونَ البحثُ تحت إشرافه، فجزاه الله تعالى عنّي خيرَ الجزاء وأحسنَه، وعرفاناً منّي بالجميل فإنّي أتقدّم بوافر الامتنان إلى استاذتي الدكتورة (نادية غازي العزاوي) التي اقترحت العنوان على الباحث، فوفّقها الله جلَّ وعلا لكلّ خير، كما أشكر المُعلّمين المُكرّمين والديّ العزيزين، اللّذين أمدّاني بعطفهما وحنانهما، كما اتقدّم بالشكر للأكفّ التي ما انفكّت داعيةً للباحث بالخير والنجاح والسؤدد، زوجي الغالية، وإخوتي وأقربائي وزملائي، ولا يغفلُ الباحثُ عن التقدّم بالشكر إلى كلّ يدٍ مُدّت لمساعدته، وهم كثرٌ، وأخصُّ منهم الدكتور فائز طه عمر و الدكتورة فائزة علي محمّد والدكتور محمّد عبد الرسول وزوجه المرحومة الدكتورة تغريد موسى علي والدكتور خليل شيرزاد علي والدكتور سامان صلاح صابر والدكتور باسل محمد محيي الدين والدكتور شاهر جلال عطيّة والأستاذ نهاد حسين الخيّاط وعائلته الكريمة ، كما أشكر أساتذتي لجنة المناقشة لتجشّمهم عناء قراءة البحث وتقويمه وبيان محاسنه ومساوئه، فلهم منّي جميعاً وافر الشكر والإمتنان، وجزاهم الله تعالى عنّي خير جزاء المحسنين .
وإنّي لا أدّعي أنّ كلّ ما ورد في بحثي هو منتهى الصواب ، إنْ هو ألاّ محاولة مجتهد، فإنْ أصبْتُ فمِنَّةٌ وفضلٌ من الله تعالى، وإن اخطأتُ فمن نفسي، واللهُ أسألُ التّوفيقَ والسّدادَ .