المستخلص
إنّ الأدب العربي بما يشتمل عليه من قيمٍ فكرية، واجتماعية، ونفسية وتاريخية، فإنّ غايته تحقيق الجوانب الجمالية والفنية المقصودة، إذ ما يزال تراثنا العربي يزخر بالأهمّية الفنية التي استحقّت منّا الدراسة المستفيضة، ومن هنا ينطلق موضوع هذه الدراسة الموسومة بـ ((مختارات أبي البقاء الرندي (ت٦٨٤هـ) في كتاب الوافي في نظم القوافي دراسة فنية))، إذ وقع هذا الاختيار على الدراسة، والتحليل لهذه المختارات، معتمدة في ذلك المنهج الفني وآلياته، للاستدلال على مواطن الجمال والإبداع الفني، وفي مظاهر متباينة، تمثّلت بالتصوير الشعري، والتراكيب اللغوية المميزة، والمستوى الإيقاعي، ولعلّ من أهم الأسباب التي دفعتني لدراسة المختارات الشعرية في كتاب (الوافي في نظم القوافي) هو قّلة الدراسات الفنية التي تعرّضت لهذا النوع من المؤلفات المختصة بالاختيار بشكل عام، كما إنّ القيمة الأدبيّة للكتاب، كانت دافعًا مهمًا لاختيار الدراسة، فالكتاب يُعد مصدرًا أدبيًا مهمًا، يشغل حيّزًا واسعًا في ساحه الأدب العربي؛ لما يحتويه من قدرٍ كبيرٍ من المنجزات الأدبية المشرقية والأندلسية، دلّ فيها ذوق مؤلّفه الرندي، وسعة اطلاعه، وخبرته النقدية.
وتنبع أهميّة هذه الدراسة من القيمة الأدبية التي نالها كتاب (الوافي في نظم القوافي)؛ بوصفه صورة منعكسة عن عصور الأدب العربي من العصر الجاهلي إلى الأندلسي، وأهمية هذه النصوص المختارة، بوصفها ذخرًا للشعر العربي، بما تضمنته من طاقات إبداعية، وآليات جمالية، تغذي مخيّلة المتلقي، كما تمنحه اللذة في الاستطلاع، واكتشاف هذه الطاقات المكتنزة في مضمونها.
تهدف الدراسة إلى الوقوف أمام مادة ضخمة ومتشعبة من الشعر العربي المشرقي والأندلسي، كما تهدف إلى الكشف عن أصحاب هذه الاختيارات، واستقراء نصوصهم بالتحليل، والاستنباط الفنّي، وإمعان النظر في القيمة الفنية في عباراتهم الشعرية، وتذوّق الجمال الذي تضمّنته في سياق يتلاءم مع فكرة النصوص ومقاصدها.
وكان الرجوع في ذلك إلى كتاب (الوافي في نظم القوافي)، لأبي البقاء الرندي، بتحقيق د. هدى شوكت بهنام، ود. زينه عبد الجبار، في طبعته الأولى، التي صدرت عام 2008م، فكان هذا المصدر الأساس الذي قامت عليه الدراسة.
أما الدراسات السابقة التي تناولت بعض جوانب هذا الكتاب بالبحث والدراسة هي: كتاب (أبو البقاء الرندي شاعر رثاء الأندلس)، د. محمد رضوان الداية، و(القيمة المصطلحية لكتاب الوافي في نظم القوافي لأبي البقاء الرندي)، د. عبد العزيز بو كطاية، و(قضية السرقات الشعرية في كتاب الوافي في نظم القوافي لأبي البقاء الرندي)، محمد عبد الله عباس الشال.
تضمّنت الرسالة ثلاثة فصولٍ، يسبقها تمهيد، يرسخ جذور المختارات الشعرية في التراثين المشرقي والأندلسي، كما تضمن رؤية عامة لأهم ما جاء في كتاب (الوافي في نظم القوافي)، من موضوعات، وماهية المنهج المتبع من لدنت مؤلفه، مع مراعاة أهم المعايير المتبعة في عمليّة الاختيار.
أمّا الفصل الأول، فقد عني بدراسة المعجم الشعري في مختارات الرندي، مقسمًا على ثلاثة مباحث، يدرس الأول مفهوم المعجم الشعري وألفاظه في هذه المختارات، بينما يدرس المبحث الثاني أهم مصادر المعجم الشعري، أما المبحث الثالث فيأتي ليسلط الضوء على أهم مظاهر الأسلوب في هذه المختارات.
وانفرد الفصل الثاني بدراسة مفهوم الصورة الشعرية ووسائل تشكيلها، إذ درست في المبحث الأول الصورة الشعرية، وفي المبحث الثاني انماط الصورة الحسية بأنواعها، في حين جاء الفصل الثالث متبحرًا في دراسة الإيقاع الشعري، مع العناية بالمستوى التنغيميي لهذه المختارات، باختلاف نوعيه، الإيقاع الخارجي، المتمثل بالأوزان والقوافي، والإيقاع الداخلي الذي يكشف عن بعض الظواهر الإيقاعية، التي شاعت تمثّلاتها في تلك المُختارات، حتّى شكّلت ظواهر بارزة، مثل: التكرار، والتصريع، والجناس، والترديد.
أما الصعوبات التي واجهتني فكانت ندرة المصادر التي درست كتب المختارات الشعريّة، التي أنا بصدد دراسة الجوانب الفنيّة فيها، ممّا يؤسس لدراسة فنيّة لعلّها تكون ذات قيمة أدبية في ميدان كتب الأدب، في ضمن مؤلّف زاخر، بتنوّع أغراضها وأفكارها ومقاصدها، لمؤلّف شاعر، ذي باعٍ، ومنزلة أدبيّة معروفة، ألا وهو أبو البقاء الرندي.
