You are currently viewing أطروحة دكتوراه رنا خليل / بعنوان: شعر الطباطبائي (ت 1319هـ)  دراسة في ضوء نظرية أفعال الكلام

أطروحة دكتوراه رنا خليل / بعنوان: شعر الطباطبائي (ت 1319هـ)  دراسة في ضوء نظرية أفعال الكلام

المستخلص

فقد شهدتِ الدراساتُ العلميَّة تطوراً كبيراً في مختلفِ ميادين العلمِ والمَعرفةِ، فكان لعلمِ اللغةِ نصيبُهُ الوافر من ذلك التَّطور، فتجلَّى ذلك بظهورِ التَّداوليةِ التي تُعنى بدراسةِ اللُّغةِ في مقامِ ﭐستعمالها، قد ﭐنبثقَتْ منها نظريةُ أفعالِ الكلامِ، التي نشأتْ فِي أحضانِ الفلسفةِ التَّحليليةِ، فأخذَت على عاتِقها بيان فلسفةِ اللغةِ العاديَّةِ؛ للكشف عن الأحداثِ المنجزةِ من ﭐستعمالِ اللُّغةِ بمقامِ تَخَاطبها، تُعَدّ ُمن أهمِّ النَّظرياتِ التي أفرزَها الاتجاه التداولي، ﭐستطاعت أن تفرضَ نفسها في الدِّراسات اللغويَّةِ؛ لذا فمن الجديرِ ﭐستثمارها في دراسة نصوص اللغة الفصحى؛ للكشف عن أغراضِها الإنجازيَّة؛ لأنَّ اللُّغةَ تكشفُ عن طبيعةِ الناسِ وعلاقاتِهم الاجتماعيَّةِ.

وقد وَقعَ اختياري على هذا الموضوعِ؛ لأطبِّق هذه النظريّة على شعر الطباطبائي، فأفسّرُ الظواهرَ الخطابيَّةِ، والتواصليَّةِ الكامنة في شعره، ولأكشفَ عن الأغراضِ الإنجازيَّةِ التي تحملُها الأفعال الكلاميَّةِ في هذا الشعر، ومن ثمّ َبيان أثر تلك الأغراض في توثيقِ العلاقةِ بين المتكلمِ ومجتمعهِ، ولرغبتي في تقديمِ قراءة جديدة لشعر الطباطبائي من وجهةِ نظرِ نظرية أفعال الكلام؛ بعرضِ أمثلةٍ تحليليَّةٍ تُظهرُ للدارسينَ، والقرّاء مقاصدَ الطباطبائي المبثوثةِ في نصوصه الشعريَّةِ، فالطباطبائي شاعر سعى إلى إحياء الطريقة العربية القديمة في نظم الشعر، فمن الجدير تقديم دراسة تظهره  وتظهر شعره.

ﭐعتمدتُ في دراستي على مصادر كثيرةٍ لعلَّ من أهمها: ديوانُ السيّد إبراهيم الطباطبائي، ودلائلُ الإعجازِ، لعبدِ القاهر الجرجاني (ت471هـ)، وأساليبُ الطلب عند النحويين والبلاغيين، للدكتور قيس إسماعيل الأوسي، وغيرها من منابع المعرفة العلمية العربية، وكذلك ﭐعتمدتُ على دراساتٍ كثيرةٍ في اللسانيات التداوليَّة سواء أكانت مترجمةً أم مؤلفةً من الباحثينَ العربِ منها: التداولية عند العلماء العرب، للدكتور مسعود صحراوي، وآفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، للدكتور محمود نحلة، والقاموس الموسوعي للتداولية، أوزوالد ديكرو، وجان ماري، ترجمة: الدكتور منذر عياشي وغيرها من المصادر والمراجع.

   قسمت ُالدراسةَ على ثلاثة فصولٍ، تتقدمهم مقدمةٍ توضحُ خطة الدراسة، وتمهيدٍ جاء بعنوان (نبذة عن سيرة الطباطبائي وشعره، والتداولية، ونظرية أفعال الكلام في الدراسات الشعرية التطبيقية السابقة)، فعرضتُ فيهِ سيرةَ الطباطبائي، وقدَّمتُ صورةً عن طبيعةِ شعرِهِ، ثُمَّ شرعتُ بتقديم صورةً عن التداولية وعن نظرية أفعال الكلام وعن بعض الدراساتِ السَّابقةِ التي طبَّقت نظريةَ أفعالِ الكلامِ على متونٍ شعريَّةٍ؛ لأُبيّنَ الطريقةَ التي تناولتْ بِها تلكَ الدِّراسات هذه النَّظريةُ، والنتائج التي خرجتْ بِها، وبما تنماز به دراستي عن سابقاتها من الدراسات التطبيقية.

والفصلُ الأول، فيمثلُ الجانب التنظيريّ في الدراسةِ، فجاء بعنوانِ(مفهوم الفعل الكلامي، وقوته الإنجازية، والاستلزام الحواري، ونظرية أفعال الكلام عند العرب والغرب)، وضمَّ ثلاثةَ مباحثٍ هي: المبحث الأول عن (مفهومِ أفعال الكلام، والقوة الإنجازيَّةِ، والاستلزام الحواري)، والمبحث الثاني عن (ملامح نظرية أفعال الكلام عند العرب)، والمبحث الثالث عن (نظرية  أفعال الكلام عند الغرب).

أمَّا الفصل الثاني فجاء بعنوان (أفعال الكلام المباشرة في شعر الطباطبائي) وقد تضمَّنَ ستَة مباحث هي: (الإخبار، والاستفهام، والأمر، والتعبيريات، والالتزاميات، والإعلانيات)، وقد حملت الأفعال الناتجة من تلك الأساليب اللغويَّة معانٍ مباشرة ناسبت مقاصدَ الشاعرِ.

أمَّا الفصل الثالث فعنوانه(أفعال الكلام غير المباشرة في شعر الطباطبائي)، وقد ضمَّ ستة مباحث هي: (الإخبار، والاستفهام، والأمر، والنهي، والنداء، وأفعال الكلام في البلاغة”علم البيان”) عرضتُ فيها تنوّعَ الأغراضِ الإنجازيَّةِ؛ لتنوع مقاصد الشاعرِ؛ باختلافِ مقاماته التواصلية، وﭐختلاف مخاطبيه، ثمَّ  جاءت الخاتمةُ؛ لتبيّنَ أبرزَ ما توصَّلتْ إِليهِ الدِّراسةُ من نتائجَ من ذلك: أسهم تطبيق النظريَّة في الوصول إلى بناة أفكار الشاعر، والكشف عن الأحداث الاجتماعية التي أحاطت بالشاعر التي كان لها الأثر الواضح في جعله شخصية إصلاحيَّة في مجتمعه، ثمَّ تلاها ملاحق إحصائيَّة لأفعال الكلام وقواها الإنجازيَّة في شعر الطباطبائي؛ لتثبتَ مقدرة الديوان في احتواء أصناف متنوعة من الأفعال الكلامية؛ بتنوّع مقامات إنجازها.

ويمثّلُ الفصلان الثاني، والثالث الجانب التطبيقي في الدراسة، وقد ﭐعتمدت فيهما التصنيف الأخير لـ (سيرل)؛ كونه الأنسب لدراسة الديوان؛ إذ تماشى مع أفعال الكلام التي تمَّ العثور عليها فيه، ولم أكرِّر عبارة ( فعل القول) عند تحليلي للفعل الكلامي على الرغم من كون فعل القول هو أحد مكونات الفعل الكلامي؛ تجنباً للتكرار؛ لأنَّ كلَّ فعل قولٍ للشاعر هو ما نطقه من أصواتٍ عند إملاء شعره على ولدِهِ، فضلاً عن ذكري لأحد العبارتين (قال الشاعر)، أو (قوله) قبل ورود الأشعار، فرأيتهما يغنيان عن إعادة العبارة؛ بذكر فعل القول؛ لأنَّ كلَّ فعلٍ كلامي ذكرتُهُ وردَ من قولٍ فتضمَّن فعل الكلام هذا الفعل القولي الذي ورد بصيغٍ حَمَلتْ ما سَعَى الشاعرُ إلى إنجازه؛ لذا اكتفيتُ بذكر عبارة (الفعل الكلامي) ثُمَّ كشفتُ عن قوَّتِهِ الإنجازيَّةِ، والفعلِ التأثيري المُرتَجى تحقيقه منه، سائرةً بذلك على تحليل (أوستين) لبنية الفعل الكلامي.

ومن الصعوبات التي واجهتني عدم وجود شروحات على الديوان ولغته البدوية الجزلة التي ليس من اليسير الكشف عن الأحداث الكلامية فيها، فضلًا عن ندرة المصادر عن حياة الشاعر وسيرته، وعن آثاره. 

ﭐتبعتُ المنهج الوصفي القائم على التحليل والإحصاء في عرض النَّظريَّةِ، فساعَدَني ذلكَ في بيانِ ماقدَّمَهُ علماءُ اللُّغةِ من آراءٍ أسهَمَتْ في نشأتِ النَّظريةِ وتطويرها، وفي تطبيقها على شعر الطباطبائي، فمكَّنَنِي ذلك من سبرِ أغوارِ شعرِهِ، ومن ثمَّ الكشف عن أغراضهِ التَّداولية.

تكمن أهميَّة الدراسة في كونها إحصائيَّةً، فقد أحصيتُ في كلّ مبحثٍ فيها الأفعال الكلاميَّة التي حواها الدّيوان؛ لأثبت أهمية الديوان في الدراسات اللغوية، ومقدرته على تغطية الدراسات؛ لذا جاءتِ المباحثُ متفاوتةً من حيث عدد الأشعارِ المحلَّلة؛ بسبب التباين في عددِ مراتِ ورود فعل الكلامِ في الديوان، وﭐنتقيتُ نماذجَ من الأفعالِ الكلاميَّةِ في مباحث (الإخبار المباشر، وغير المباشر، والتعبيريات، والاستفهام غير المباشر، والأمر غير المباشر)؛ تجنبًا للتكرار المخل؛ لأنَّها الأكثر ورودًا من بين أفعالِ الكلامِ الأخرى، أمَّا بقية الأفعال الكلامية فحللتها جميعًا بشكلٍ يفي بمتطلباتِ الدّراسةِ؛ لأُقدّمَ للقارىءَ صورةً متكاملة المعلوماتِ عن شعرِ الطباطبائي، وما حواه، من قوًى إنجازيَّةٍ أَبقَتْ أَثرًا لدى متلقيها، تجلَّى ذلك بمن تاثَّرَ به من شعراءٍ وصحبٍ وغيرهم، فحقَّقتَ التواصلَ، فضلاً عن بيانِ ما قدَّمَتْهُ النظريَّةُ من إمكاناتٍ تأويليّةٍ أسهمتْ فِي سبرِ أغوار شعر الطباطبائي الذي ﭐنماز بلغتِهِ الجَّزلةِ، والتي أرادَ الشاعرُ من طريقِهِا إحياءَ أصالةِ الشّعرِ العربي بمتانةِ أسلوبِهِ، وجزالةِ لغتهِ، وجمالِ معانيهِ، وأخيلتهِ.

اترك تعليقاً