المستخلص
لم تكن الجوانب الاقتصادية بعيدة عن اهتمامات الدراسات الاستشراقية التي شملت جميع الجوانب بعد التوجه الاستشراقي نحو دراساتنا العربية والإسلامية ، فكان الاهتمام كبيراَ بالحضارة الإسلامية نظراَ لما قدمته تلك الحضارة من تقدم معرفي في جميع الجوانب ومنها الجوانب الاقتصادية التي هي محور دراستنا والتي تعد الركيزة الأساسية لحياة المجتمعات .
وعلى الرغم من تنوع الدراسات الاستشراقية وما قدمته في ميادين العلوم والمعارف نلاحظ الاختلاف والتعدد في مناهج المستشرقين في دراساتهم كل حسب المدرسة التي ينتمي اليها ، لذا كان حرياَ بنا أن نتعامل مع الدراسات الاستشراقية بكل شفافية من أجل معرفة آرائهم تجاه الحضارة الإسلامية وطبيعتها من أجل التميز بين الدراسات الاستشراقية التي كانت ميداناَ للمعرفة الفاعلة ولآراء المحترمة وبين الدراسات التي يتعامل معها على أساس الخطر المحدق بالتراث الإسلامي ، حيث نستطيع من خلالها كشف مكامن الخلل وتشخيصها والرد عليها بكل موضوعية من أجل نقل الصورة الصحيحة للذين يطالعون الدراسات الغربية المعنية بالشرق.
ونتيجة لما شهده القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي من تقدم في جميع المجالات الحضارية كان أساسها المجال الاقتصادي نجد أن المستشرقين لم يهملوا الحديث عن ذلك في دراساتهم عن حضارتنا الإسلامية فكتبوا في ذلك بشيءَ من التفصيل في جميع مفاصله ومن اولئك المستشرقين، المستشرق الألماني آدم متز.
ومن المعروف أن المستشرق آدم متز قد حظي بدراسات اكاديمية عديدة تناولتها دراسات سابقة والتي على ما تميز به هذا المستشرق في دراساته عن الحضارة الإسلامية بنواحيها كافة العلمية وبطريقة ممنهجة في الكتابة عنها ، لذلك حظيت كتاباته بتلك العناية والدراسة.
وانطلاقاً من أهمية تلك الدراسات شرعنا نحو استكمال هذه الدراسات بدراسة الحياة الاقتصادية عند آدم متز في كتابة(الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري).
فآدم متز يمثل أشهر المستشرقين الألمان في القرن العشرين الذي قدم مادته العلمية وميزها بميزات غلب وساد عليها الاعتدال والانصاف كما أن سعة المعلومات وشموليتها وما يحتويه هذا الكتاب من معلومات استسقاها من مصادرها الاصلية كانت حافزاَ أيضاً مهماَ لدراستها اذ مثلت منهجيته التي اتبعها في كتابه هذا سمةَ أساسية ومهمة بذكر مصادر معلوماته واتكائه فيها على أمهات المصادر اضافة إلى ما مثلته المدرسة الألمانية وتميزها عن غيرها من المدارس الاستشراقية الأخرى باتسامها بالموضوعية وعدم ارتباطها بالواقع الاستعماري فبعد خسارتها في الحرب العالمية الأولى افرز ابتعاد الألمان عن كل ألوان السيطرة السياسية مما ادى الى تحول الدراسات الاستشراقية في المانيا الى علم مجرّد عن الغرض السياسي .
تطلب دراسة الجوانب الاقتصادية والمالية في كتاب الحضارة الإسلامية اتباع المنهج التحليلي ومقارنة ذلك مع العديد من دراسات المستشرقين مع ما أملته طبيعة الدراسة بالعودة إلى المصادر التاريخية الأصلية وبيان أهميتها في مسايرة المعلومات وبيانها مع بعضها البعض ومحاولة السير على خطى التصويب أينما وجد ذلك في مسار النقد وان هذا لا يعني النيل من هذه الكتابات بقدر المحاولة في إيجاد العذر, لأن من يكتب من المستشرقين ولا سيما المحايدين منهم قد لا تسعفه المصادر في الكتابة عن المواضيع وما تحدده صعوبات أخرى تملي عليه ان يختار لنفسه منهجاَ مجدداَ وفق ما يقتضيه منهجه العلمي السليم ان اراد اتباع ذلك . ومن خلال هذه الدراسة حاولنا جاهدين ان نركز وبصورة خاصة على الموضوع الأساس وتقديم كل ما يمكن من معلومات إضافية تسهم بطريقة او بأخرى وضع استكمال المعلومات المهمة للدراسة وان كانت هنالك من معلومات وجدت في هذه الرسالة اشارت اليها الدراسات السابقة فهي من هذا الباب وهذا لا يتعدى التمهيد كمدخل اساسي لدراستنا للجوانب الاقتصادية والمالية وقبل ان نبدأ بذكر تقسيمات الرسالة لا بد لنا ان نشير الى الدراسات السابقة عن هذا الموضوع التي تشابهت والتقت بكتاب الحضارة الإسلامية واختلفت في تناول موضوعاتها وكان لنا نصيب منها في البحث عن الجوانب الاقتصادية والمالية عن طريق هذا الكتاب