المستخلص
تعد اللغة بحرا زاخرا لاسيما اللغة العربية التي هيأ الله لها من الدقة والجمال ما لم يكن لغيرها، وما زالت التفكير اللغوي يبحث في قضايا مختلفة تخص اللغة وما زال تراث اللغة العربية يمدنا بإفكار ورؤى تستدعي التأمل والدراسة والوقوف على هذه الموضوعات وفكرة البحث تنطلق من هذا المنطلق، منطلق التفكير واللغوي ما يتصل به من جزئيات من شانها ان تبين حقيقة هذه اللغة العظيمة، فالتفكير واللغوي كان يتعامل مع النقد والخطأ والتعقيب والاعتراض والأستدراك على أنَّه حركة تصحيحية من شأنها أن تشذب الآراء وتُقدم الى المتعلم ليعرف حقيقه الظواهر اللغة، وبعدها وقربها عن الواقع الاستعمالي الفعلي للغة .
وقد هيأ الله لهذه اللغة علماء أفذاذ كان لهم قصب السبق في وضع أسس التفكير اللغوي في اللغة العربية فظهرت المؤلفات وتعاقبت، وظهر فيها نشاط فكري اتسمَ بالمؤاخذ وهي جزء من العمليات العقلية التي تبين نضج التفكير عند النحوين واللغويين فالمآخذ بمفهومها الواسع تشتمل على النقد والتخطئة والأعتراض والتعقيب والأستدراك والترجيح وغيرها من المفاهيم فهي مفهوم أوسع مما ذُكِر.
وجدير بالذكر إنْ الموضوع قدّ أقترحه عليَّ الاستاذ الدكتور( مازن عبد الرسول) جزاه الله خيرا، ومن هنا كان السعي لاستكمال بحثي في مرحلة الدكتوراه فاخترت الكتابة فيهِ وبعد مداولة مع السادة أعضاء الحلقة النقاشية متمثلة برئيسها الدكتور(محمد بشير حسن) حفظهم الله جميعا, وجزاهم خير الجزاء تمَّ إقراره، وكان بعنوان: (المآخذ الصوتية والصرفية حتى نهاية القرن الرابع الهجري)، أرادتُ أن أُبين موقف العلماء في الأداءات اللغوية التي خرجت عن القاعدة اللغوية، وتتبع قدرتهم في صياغة القاعدة والاحتجاج بها وتفسيرها حيناً، والتمحل في التقديرات والتأويل وركوب الصعب في الوجوه حيناً آخر؛ والأداءات اللغوية التي لم تكن تخضع لفكرة القاعدة الإلزامية التي وضعها النحاة؛ بمصطلحات وتعبيرات غير دقيقة يلفها الغموض، غير أنها تحمل دلالة واضحة، وهي دلالة المآخذ دائماً. وتتجلى خصوصية هذه الدراسة في الكشف عن جانب متميز من جوانب الفكر الصوتي والصرفي عند أهل اللغة، وأرادت الباحثة بيان عمق معرفة وعلم هؤلاء العلماء وإخلاصهم لهذه اللغة، وكذلك تحقيق رغبة ما تمناه صاحب كتاب المآخذ النحوية حتى النهاية المئة الرابعة الهجرية الدكتور زهير عبد المحسن سلطان إذ ذكر في مقدمته رغبته فيمن يأتي من الباحثين إتمام المآخذ الصوتية والصرفية.
وعلى أهمية هذا الموضوع لم تعثر الباحثة على دراسة مستقلة متكاملة تبحث في هذا الموضوع، على الرغم من أن الباحثين أعطوا المآخذ النحوية الكثير من الاهتمام، ومن الدراسات الحديثة التي عثرت عليها وأفدت منها : كتاب المآخذ النحوية حتى النهاية المئة الرابعة الهجرية: زهير عبد المحسن سلطان، ومآخذ أبي علي النحوي على من سبقه في كتبه البغداديات والعسكريات والإيضاح والتكملة والشيرازيات والعدضيات: وهي رسالة ماجستير تقدمت بها الطالبة بلسم عبد الرسول، والنقد النحوي للغات العرب في كتاب سيبويه: بحث تقدم به الباحث محمد بشير حسن.
وستسير هذه الدراسة وفقاً للمنهج الوصفي التحليلي، إذ ستقوم بجمع المادة من كتاب العلماء ، وسيكون اهتمام الدراسة على المآخذ الصوتية والصرفية على الأداء اللغوي لدى علماء القرون الأربعة الأولى؛ وحوت الدراسة أيضاً بعض آراء المحدثين للأثراء اللغوي ؛ لما في آرائهم من القيمة العلمية التي توجه العمل النقدي عن طريق المآخذ ؛ لذا عُني هذا البحث بجمع هذه المسائل التي ظهرت فيها المآخذ على الأداء اللغوي، والخروج بدراسة تكشف الأصول العامة التي تقف وراء هذا المآخذ.
واقتضت خطة الدراسة أنَّ تُقسم على مقدمة وثلاثة فصول تتلوها خاتمة بأبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة ثم قائمة المصادر والمراجع جاء الفصل الاول بعنوان:( مقدمة تنظيرية في مفهوم المآخذ) شَمِلَ تعريف المآخذ، ونشأتها، وأنواعها ، والفاظها، وعلاقتها ببعض المصطلحات المتقاربة (كالنقد والاعتراض والتعقيب)، والفصل الثاني بعنوان (المآخذ الصوتية) وشَمِلَ مبحثين الأول (مآخذ في الأصوات على مستوى الإفراد يتضمن مخارج الاصوات وصفاتها)، أما المبحث الثاني: (فتضمن المآخذ في الأصوات على مستوى التركيب وتضمن مجموعه ظواهر هي ( الإدغام والمماثلة _ الهمز_ الإمالة _ المخالفة).
والفصل الثالث : بعنوان (المآخذ الصرفية) وفيه ثلاثة مباحث المبحث الأول (المقدمات الصرفية: وهي الميزان الصرفي_ والاشتقاق الصرفي_ والقلب_ المكاني _والزيادة للإلحاق _ والنحت الصرفي)، أما المبحث الثاني: فكان في (المآخذ في أبنية الأسماء والأفعال)، أما المبحث الثالث: فتضمَّن (ما يشترك فيه الاسماء والأفعال وهو الإعلال والأبدال).
واعتمدت الاطروحة على مجموعة كبيرة من مصادر التراث العربي نظراً إلى تنوع المادة المدروسة وكانت من بينها كتب معاني القرآن وكتب أعراب القران وكتب التفسير أحيانا وكتب القراءات وكتب النحو وكتب اللغة وغيرها الكثير من المصادر والمراجع التي استعنت بها مثل كتب الحديث ودواويِن الشعر، والمراجع الحديثة.
كما أنَّي أود التنبيه على أنَّه كان تفاوت في صفحات الفصول؛ وسبب ذلكَ تنوع المادة في كل فصل.
ومن أبرز الصعوبات التي واجهتني قد شَمِلتْ الدراسة جانبين من جوانب اللغة وهو الجانب الصوتي والصرفي وكان يتوجب على الباحثة جردها لتقف على المادة العلمية وكذلك صعوبة النصوص أحيانا؛ وذلك للغة العلمية العالية لدى العلماء خاصة القرن الأول وما تحتاج إليه من شروح تستعين بها أحيانا وبلأخص الأستعانة بشروح كتاب سيبويه وكذلك تتبع دروب المعرفة العديدة التي سلكها هؤلاء العلماء فكان أحدهم لغويا ونحوياً ومفسراً في الوقت نفسه وهذا يحتاج جهداً كبيراً من الباحثة في الوقوف على النص وتمييز المسألة الواحدة، مِمَّا يُعضل استخلاص المادة الصرفية والصوتية لتشابه الكثير من الظواهر في هذين الجانبين وتتبع كليتها وجزئياتها, إلا أنَّ:
سبيل العُلا عَالٍ عَلى من تَعَلَّلا وَمَن جَدَّ في سَعْي لأَمِرٍ تَمكَّنا
وختاماً أقول: أحمد الله (عزّ وجلّ) حمدا يليق بجلاله وكماله على الهداية والاستعانة والتوجيه والارشاد والتسديد في هذا البحث والقدرة على انجازه وأُسجل احترامي تقديري لكل من مدَّ ليَّ يد العون والمساعدة وذكرني ولو بالدعاء في سبيل إنجاز هذا البحث هذه ثمره تعبي وصبري فإن أصبت فمن الله (عزّ وجل) وإنْ أخطأت فمن نفسي والشيطان فحسبي أنَّي اجتهدت وهذه هي النفس البشرية المجبولة على النقص، فأنا لا أدعي ,معاذ الله الكمال في عملي هذا, إلا أنَّه قد يقول الحكمة غير الحكيم , وتكون الرمية من غير الرامي.