المستخلص
الأدب وسيلة الإنسان للتعبير عمّا يختلج في نفسه من مواقف ومشاعر منذ القدم، وهو وسيلة التواصل فيما بينهم، والترسل إحدى هذه الوسائل، سواء أكانت شفاهاً أم كتابة.
لم يكن العربي بعيداً عن كل هذا، بسبب طبيعة حياته البعيدة عن مراكز المدن من جانب، وسيادة النظام القبلي من جانب آخر، قلة استخدام الرسائل في فترة ما قبل ظهور الإسلام، إلا ما يُستثنى من بعض المدن التي كانت مراكز تجارية مهمة، ما يعني أن العرب عرفوا الرسائل ولكن استعمالها كان بشكل محدود، ولا سيما في الأمور التجارية، وعند ظهور الإسلام وتوسع الدولة الإسلامية كثر استعمالهم لها، لما تتطلبه أمور الدولة، ومع هذا التوسع في الترسل أصاب الرسالة شيء من التحوّل والتغير في بنيتها وموضوعها، فالرسالة بدأت تطول شيئاً فشيئاً، حتى نصل إلى نهايات سنة128 مع كتّاب أمثال عبد الحميد الكاتب نجدها تمتد عنده لصفحات عدة قد تصل إلى خمسين صفحة، ما يُشكّل -هذا التراسل- مادة فنية يمكن تسليط الضوء عليها، على الرغم من الدراسات الكثيرة التي تناولت النثر العربي ومنه الرسائل، منها كتاب(صبح الأعشى) لأبي العباس أحمد القلقشندي، وكتاب(إحكام صنعة الكلام)لأبي القاسم محمد بن عبد الغفور الكلاعي، وغيرها من كتب النقد القديمة التي تناولوا فيها كتابة الرسائل ضمن مباحث الكتاب، أما المؤلفات الحديثة فكثيرة، فمنها ما تتبع الكتابة بشكل عام والرسائل بشكل خاص من ذلك
كتاب( نشأة الكتابة الفنية في الأدب العربي) لحسين نصّار، و(تطور الأساليب النثرية في الأدب العربي) لأنيس المقدسي، وغيرها من الكتب والبحوث كالتي تناولت جانباً محدداً من بنية الرسالة أو جانب فني وتركيبي منها، ولكن طبيعة أساليب الكتّاب وطريقة تشكيلها لم تأخذ حقّها في الدرس النقدي، ما دفع الباحثة لدراستها ضمن منهج نقدي حديث ألا وهو المنهج الأسلوبي، والذي يبحث في مستويات التشكيل النصي التي تختلف من نص لآخر، ويمكن حصرها بـ(المستوى التركيبي، المستوى الدلالي، المستوى الصوتي)، وكانت مادة البحث تمتد من بداية ظهور وتشكّل الدولة الإسلامية حتى سقوط الدولة الأموية(132ه).
إن ظهور الرسائل بشكلها الفعلي وتوسعها فيما بعد، والتحولات التي أصابتها على طول الفترة الممتدة لأكثر من قرن من الزمان، وما تميزت به من أساليب فنية وتركيبية، والدور الذي لعبته هذه الرسائل في الأمور السياسية، كانت كلها الدافع لدراسة هذه المادة مع كثرتها.
من بين ما توصلت إليه الباحثة يتمثل في أنّ أساليب الكتّاب تختلف من رسالة لأخرى، بحسب الموقف وحسب طبيعة المتراسلينِ، ما يعني أن أسلوب الكاتب يتغير ولا يبقى على حاله، ما يوصلنا إلى نتيجة مفادها أنهم كانوا يراعون طبيعة المتلقي، وما تحدثه الرسالة من أثر في المخاطب، أو مجموع المخاطبين.
ولعل من الصعوبات التي تذكر في هذا المقام كثرة مادة الدراسة، إذ تمد عينة البحث لأكثر من قرن من الزمان، فضلاً عن توزعها في كتب الأدب القديمة، والاختلاف في رواية بعض الرسائل، ما تطلّب وقتاً أطول، ولكن- ولله الحمد- ذُللتْ هذه الصعوبة أو بعض منها بالبحث والتقصي، والعثور على كتاب (مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة) يجمع معظم هذه الرسائل على امتداد الأدب القديم.
قامت خطة البحث على تمهيد وثلاثة فصول، تناولت في التمهيد مفهوم الترسل وبنية الرسالة، وتسليط الضوء على الأسلوبية، وتناولت في الفصل الأول المستوى الصوتي، وقسمته على ثلاثة مباحث، تناولت في المبحث الأول(أسلوبية السجع في رسائل العصر الإسلامي)، وفي المبحث الثاني تناولت (أسلوبية الجناس)، وفي المبحث الثالث تناولت(أسلوبية التكرار)، وفي الفصل الثاني تناولت المستوى التركيبي، وقسمته على ثلاثة مباحث أيضاً، تناولت في المبحث الأول( أسلوبية الاستفهام)، وتناولت في المبحث الثاني(أسلوبية الأمر)، وفي المبحث الثالث تناولت( أسلوبية التقديم والتأخير)، وفي الفصل الثالث تناولت المستوى الدلالي، وقسمته على ثلاثة مباحث أيضاً، تناولت في المبحث الأول( أسلوبية التشبيه)، وتناولت في المبحث الثاني(أسلوبية الاستعارة)، وفي المبحث الثالث تناولت(أسلوبية الكناية)، وثم أعقبتُ هذه الفصول بخاتمة ذكرت فيها أهم نتائج التي توصلت إليها، ثم ذكرت المصادر والمراجع التي اعتمدتها في البحث.