المستخلص
أما بعدُ: فإن أصول النحو هي أدلته التي يبني عليها النحوي قواعده وأحكامه ومسائله، فيكون الكلام بموجبه مستقيما لا لحن فيه، وقد حرص العرب على لغتهم الحرص كله، لأنهم عرفوا أنها سجل حضارتهم وعماد جمعهم، وكذلك حرص النحاة على أن يبنوا أسس اللغة، وأصولها التي قامت عليها بما استنبطوه من كلام العرب الفصيح، فبنوا علمًا عُرِفَ بـ(علم أصول النحو)، ومنهج البحث قائم على النظر والتمحيص والتأمل في هذه الأصول التي وقف عندها الباحثون المعاصرون بالتأليف والتنظير والشرح والإيضاح تارة، وبالرد والتعقيب والرفض تارة أخرى في مسائله ومسالكه وأنواعه وطرق الاستدلال به، وبيان مدى إفادة ذلك وموافقته لطبيعة اللغة التي هي مادة البحث النحوي فيه، مستشهدين بآراء كبار النحاة وواضعي أصول النحو العربي، وكان هذا دافعا كبيرا لاختياري هذا الموضوع الواسع، وكان للباحثين المحدثين آراء كثيرة ومتباينة حوله فعقدت العزم على أن أقف على ذلك.
أهمية الموضوع: تكمن أهمية الموضوع في أنه يناقش الأصول ويحللها ويوازنها التي اعتمد عليها القدامى في استنباطهم قواعد اللغة العربية في دراسات الباحثين المعاصرين المحدثين والغوص في مراميها، وتكمن أهمية الموضوع أيضاً للوقوف على المفهوم الذي آلت إليه أدلة أصول النحو عند الباحثين المعاصرين والولوج في تفكيرهم من خلال المباحث النظرية والتطبيقات الواسعة التي طرحوها في كتبهم، والآراء التي انتقدت منهج القدامى وموقفهم من أدلة أصول النحو وطرق استدلالهم بها، والأحكام التي بنوا عليها، فكانت لهؤلاء الباحثين المعاصرين وقفات تستحق الدراسة والبحث، وآراء كثيرة لتلك المناهج المتباينة، فما بين معترض وناقد في بعضها وموافق ومؤيد في بعضها الآخر، فجاءت هذه الدراسة تحليلًا وموازنة بين الأقوال والآراء الكثيرة التي أثيرت في تلك الأدلة، وما تفرع منها من أدلة فرعية، وبيان موضعها من تلك الأدلة الرئيسة، فكانت لهؤلاء الباحثين المعاصرين آراء مقبولة وسائغة تنم على معرفة ودراية باللغة وأسرارها توافق الدرس النحوي الحديث، فهي لم تخرج عما أسسهُ القدامى، ولما تقدم ذكره ترجع أهمية الدراسة لأصول النحو في فكر النحاة القدامى، والموازنة فيما بينهم وبين الباحثين المعاصرين.
أما الصعوبات التي واجهتني في هذا البحث، فهي أنّ المهمة لم تكن سهلة، بل كانت وعرة لكونها قد جمعت أشتات كتب الباحثين المعاصرين على اختلاف أسمائهم وتفكيرهم، إذ حاولت اختصار تاريخ طويل من التأليف في كتب القدامى، وامتد لعقود من الزمن وموضوع الدراسة موضوع شاسع وكبير، ومن الصعب الإحاطة به، وبمراميه ومباحثه ومسائله المتشعبة، وكان محل اختلاف أو اتفاق في وجهات النظر، فوقفت على ما اشتهر في كتبهم في عرضهم لتلك الأصول ومناقشتها وموازنتها بما أبدوه من آراء توافق القدامى فيما سلكوه في مسائلها، أو بيان ما أصابها من خلل وضعف لهم في تلك الأصول، فهي لم تكتفِ بما أصَّله الأنباري ومن جاء بعده، بل غاصت إلى أعماق تلك الأصول في كتب القدامى ككتاب سيبويه والأخفش والمبرد والزجاج وابن السراج وأبي علي الفارسي من البصريين ولا سيما ابن جني وكتابه الخصائص الذي يعد السفر الأول الذي وقف على تلك الأصول، وما ورد منها في كتب الكوفيين كالكسائي والفراء وثعلب وابن قتيبة وابن السكيت وابن الأنباري وغيرهم، وما التقطته من تراث المتأخرين مما هيأ لها أن تصحح كثيرا من الأوهام ومواضع الزلل فيها، فالبحث في هذه القضايا لم يكن بالأمر الهين، ولعل الموازنة فيه قد تقربه وتذلل صعابه للخروج بنتائج مرضية إن شاء الله تعالى إذا أشبعها الباحث والدارس من جميع جوانبها، فيساعد على ذلك النظرة الحديثة المعاصرة المتجردة في مناهج الباحثين المعاصرين، فحرصت على أن ألمَّ بهذا الموضوع قدر المستطاع وأجمع من شتاته، فأقف على بيان رأيهم وتحليلاتهم وتعقيباتهم لأقوال النحاة، والموازنة فيما بينها والخروج برأي يوافق بعضهم فيما ذهبوا إليه معضدا بالدلائل الصحيحة، ويخالف بعضهم بالنقد والتضعيف بحسب علمي المتواضع، ولعلي قد وُفِّقتُ باختيار الصواب والسداد من القول بأذن الله تعالى، وإن أخطأت فحسبي أني قد اجتهدت فقصرت في إدراك الصواب، والكمال لله تعالى وحده.
قد كانت مادة هذه الدراسة المؤلفات والرسائل والأطاريح الجامعية الحديثة والبحوث العلمية التي حاولت دراسة ما كتبه القدامى بأسلوب علمي يجمع بين الأصالة والحداثة ككتاب أصول النحو دراسة في فكر الأنباري، وابن الأنباري وجهوده في النحو والأصول النحوية في كتاب أصول النحو لابن السراج، رسالة ماجستير، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، والأصول النحوية في شرح المفصل وغيرها.
أما الكتب التي تناولتها في الدراسة فهي كتب أصول النحو العربي عامة عند الباحثين المعاصرين كأصول النحو العربي للدكتور محمد خير الحلواني، وأصول النحو العربي في نظر النحاة ورأي ابن مضاء وضوء علم اللغة الحديث للدكتور محمد عيد، وأصول النحو العربي للدكتور محمود أحمد نحلة، وأصول النحو العربي للدكتور محمد خان، وفي أصول النحو للأستاذ سعيد الأفغاني، وأصول التفكير النحوي للدكتور علي أبو المكارم، والفكر النحوي عند العرب أصوله ومناهجه للدكتور علي مزهر الياسري، وأصول النحو عند ابن مالك للدكتور خالد سعد شعبان، ومحاضرات في أصول النحو العربي للدكتور رياض حسن الخوام وغيرها.
حاولت جاهدا أن أقف على أهم ما قاله هؤلاء الباحثون المعاصرون بالتحليل تارة وبالنقد تارة أخرى، وتارة ثالثة أوفق بينهما في الخروج برأي جديد، وكذلك ما ناقشوه وعرضوه في كتبهم لأقوال القدامى وآرائهم من قضايا أصول النحو محللا وموازنا لتلك الأقوال المتناثرة فكثير منهم قد انتقد منهج القدامى في الدراسة النحوية.
اقتضت طبيعة البحث أن يكون في مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة وثبت للمصادر والمراجع، وجاء الفصل الأول: السماع في دراسات المعاصرين، وقُسِّم على ثلاثة مباحث المبحث الأول: القرآن الكريم وقراءاته، وقُسِّم على مطلبين، فالمطلب الأول: الإكثار والإقلال من الاستدلال بالقرآن الكريم، والمطلب الثاني:حجية الاستدلال بالقراءات القرآنية المتواترة والشاذة، والمبحث الثاني: الحديث النبوي الشريف، وقسم على مطلبين: المطلب الأول: المانعون للاحتجاج بالحديث النبوي في دراسات المعاصرين، والمطلب الثاني: غموض احتجاج القدماء بالحديث النبوي في دراسات المعاصرين، والمبحث الثالث: كلام العرب المنظور والمنثور، وقسم المبحث على خمسة مطالب، المطلب الأول: التحديد المكاني في دراسات المعاصرين والمطلب الثاني: التحديد الزماني في دراسات المعاصرين، والمطلب الثالث: دراسات المعاصرين في استدلال القدماء بالمنظوم والمنثور، والمطلب الرابع: دراسات المعاصرين في تقديم القدماء للشعر على النثر في الاحتجاج، والمطلب الخامس: دراسات المعاصرين لاحتجاج القدماء بشعر المولدين والمجهولين.
وأما الفصل الثاني: فالقياس في دراسات المعاصرين، وقسم على ثلاثة مباحث، المبحث الأول: مفهوم القياس ونشأته والألفاظ الدالة عليه، وقُسِّم على مطلبين: المطلب الأول: القياس لغة واصطلاحا، والمطلب الثاني: القياس نشأته والألفاظ الدالة عليه، المبحث الثاني: أركان القياس وأحكامه في دراسات المعاصرين، وقسم على ثلاثة مطالب، المطلب الأول: دراسات المعاصرين لأركان القياس وأحكامه في دراسات المعاصرين، وقسم على مطلبين: المطلب الأول: أركان القياس وأحكامه عند النحاة القدماء في دراسات المعاصرين، والمطلب الثاني: العلة في دراسات المعاصرين، والمبحث الثالث: دراسات المعاصرين لأقسام القياس عند القدماء، وقسم على مطلبين: المطلب الأول: قياس النصوص في دارسات المعاصرين، والمطلب الثاني: قياس الظواهر في دراسات المعاصرين. الفصل الثالث: الإجماع واستصحاب الحال في دراسات المعاصرين، وقسم على مبحثين المبحث الأول: الإجماع في دراسات المعاصرين