المستخلص
فإنّ كتاب سيبويه أو ما أُصطلحَ عليه ﺑ (قرآن النحو) هو أوّلُ مدوّنةٍ لغويةٍ ضمت علوم اللغةِ وصلت إلينا، اشتملت على فكرِ علماء البصرة الأوائل كعبد اللّه بن ابي إسحاق الحضرمي (ت 117ه)، وأبي عمرو بن العلاء (ت154ه)، والخليل بن احمد الفراهيدي (ت170ه)، ويونس بن حبيب النحوي (ت182ه)، وغيرهم. فضلاً عمّا جاد بهِ قلمُ سيبويه من آراء واجتهاداتٍ واستدلالاتٍ، فكان الفكرَ الناضجَ الذي يُديرُ الحوارات اللغوية بأسئلتهِ الماتعةِ.
وكتابهُ هذا قد نال إعجاب اللغويين القدامى والمتأخرين والمحدثين ولستُ مبالغةً اذا قلتُ: إنك ايّها القارئ _ لا تجدُ مؤلفاً ولا بحثاً في اللغة والنحو إلا وكانت آراء سيبويه الأساس الأول الذي بنى عليه هذا اللغوي أو ذاك دعائم طروحاتهِ. ولَبنِاتِ قواعدهِ وأصولهِ والدليلُ على ما ذكرته وقدمته عناية اللغويين والنحويين به، بين شارح لمتنهِ، ومؤلفٍ في شواهدهِ، ومُيسرٍ ما غَمُضَ من عباراته، ولعّل شرح أبي الحسن الرماني واحدٌ من أجلِّ ما صُنِّفَ في بابه شهرة بعد شرح أبي سعيد السيرافي (ت 386ه)، فكان النحو في عصر الرماني قد غلب عليه الجدل والمنطق والعلل، لذلك كثرت المسائل الخلافية فيه وتعددت المذاهب واختلفت الرؤى والاتجاهات.
وقد ضّم هذا الشرح جُلِّ مذاهب النحاة الذين سبقوهُ وكانت آراءُ سيبويه المنطلق الأول التي ولجَ من خلالها الى آراء النحاة الاخرين.
ومن دون أدنى شكٍ لم يكن أبو الحسن الرماني ناقلًا لهذه الآراء فحسب وإنّما كانت ترجيحاته عالية بينّةً، واختياراتهُ شاخصةً للعيانِ، كلّ ذلك كان مشفوعاً بالأدلّة العقلية أو النّقلية.
وأنا في السنة التحضيرية قد اطلعت على هذا السفرِ المتألّق فوقعَ في نفسي أن أسجل دراسة مستقلةً حوله ولاسيما أنّ هذا الشرح قد صدر حديثاً بعد ما كان الباحثون يعتمدون على ما تيسر من تحقيق بعض أجزائه أو بعض نسخ مخطوطاته.
وقد استشرتُ أستاذي المشرف فيما خطر لي من أفكار حول هذا الكتاب فتمخضت الاستشارةُ عن ولادة هذا الموضوع المسمى (الأحكام التقويمية وأثرها في الترجيح النحوي عند الرماني (ت384ه) في شرحه على كتاب سيبويه).
وبعد جمع المادة كانت المشورة بيني وبين أستاذي المشرف من أجل وضع خطةٍ ترتكزُ عليها أُسس الدراسة. فجاءت الخطة مشتملة على ثلاثة فصول تسبقها مقدمة وتعقبها خاتمة.
أمّا الفصل الأوّل فقد حملَ عنوان (منهج الرماني في الترجيح النحوي) تناولتُ فيه (أسس الترجيح النحوي، وموقفه من النحاة). وعنونت الفصل الثاني ﺑ (الترجيح النحوي بأكثر من حكم). ثم كان الفصل الثالث بعنوان (الترجيح النحوي بحكم واحد) وختمت الدراسة بخاتمة بينت فيها أبرز ما توصلت اليه من نتائج. ويليها ثبتُ بالمراجع والمصادر التي تزينت بها احالات الدراسة. ولا شك أنّ من أبرزها الكتاب وشروحه، والمقتضب، وكتب معاني القرآن، وعدد من شروح مصنفات ابن مالك فضلاً عن مجموعة من الدواوين الشعرية، التي رجعت اليها في تخريج الشواهد الشعرية. وقد واجهتني في كتابة هذه الرسالة بعض الصعوبات منها تعسر فهم نص الرماني لما يمتاز به من كثرة التعليلات والحجاج والمنطق ومن الصعوبات الأخرى ضيق الوقت وصعوبة الحصول على بعض المصادر المهمة. إلاّ أنّ هذه الصعوبات قد تذللت بفضل الله ثم بسعة صبري ومتابعة مشرفي.. وقد اتبعتُ في دراستي المنهج التحليلي فبعد عرض المسألة واستقصاء الآراء المتعلقة بها حاولت تحليل آراء النحاة من خلال عرضها على الحجج والشواهد