المستخلص
إنَّ القرآن الكريم هو الكتاب الخالد لهذه الأمَّة ودستورها الشامل وقائدها الأمين، وهذا الكتاب زاخر بالعلوم والمعارف وصدق ابن مسعود t حين قال: (مَنْ أَرَادَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَلْيَثُورِ الْقُرْآنَ)([1]) أي يستثير معانيه لتفتح له أبواب العلوم، وعند نزول القرآن الكريم بدأ النبي e مُهِمَّتَهُ لبيانه للناس وتقرير مسائلهُ وأحكامه فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة، ولن تسعنا المجلدات ولا الكتب للحديث عن فضل القرآن الكريم وعظمة نزوله على الناس وأثره في نفوسهم، والقرآن الكريم لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه؛ هو الكتاب الحق الَّذي جعله الله I معجزة لنبيه محمد e. وإن أوَّل كلمة أنزلت فيه (اقرأ)؛ وهي أوَّل كلمة أنزلت عن طريق جبريل عليه السلام في غار حراء، فأصبح الكلام معجزاً، ولو أنزل الله U هذا القرآن على غير البشر، أي لو أنزله على الجبل لخشع الجبل من خشية الله U، والقرآن الكريم كلام الله تَكلم به بالحقيقة على الوجه الَّذي يليق بجلاله وعظمته، ولم يُنزل الله من السماء أعظم ولا أجل من القرآن، وقد أخبر الله تعالى أنَّ القرآن كما هو مُعَظَّمٌ بالأرض فهو مُعَظَّمٌ في السماء لا يمسه إلًا المطهرون، ولا يحتفي به إلًا الملائكة الأطهار الأبرار، وإنَّ القرآن الكريم كتابٌ منزلٌ لهداية البشرية وإصلاح حياة الفرد والجماعة المسلمة في جميع مناحي الحياة، ويحظى بمنزلةٍ عظيمةٍ في نفوس المسلمين كونه كلام ربّ العالمين، فإذا علم المسلم أنَّ قراءة القرآن سببٌ في علو درجته عند ربّه U أقبل عليه إقبال المحبِّ، تلاوةً وتعلّمًا وتدبّراً، ويُذكر أنَّهُ لا يوجد في تاريخ البشرية كتابًا حُفظ وقُرئ كما القرآن، وتظهر مكانته وحقيقته في حياة المسلمين بقدر مَا يطبقوا من آدابه ومنهجه الإصلاحي العظيم.
وفي هذه الرسالة وضعنا رحالنا في كتابِ تفسيرٍ معاصرٍ عظيم القدر وكبير المنفعة الَّذي هو تفسير (عون الرحمن في تفسير القرآن) للدكتور سليمان اللاحم، فأبحرنا مع هذا الكتاب في رحلة علميَّة اقتبسنا منه منهج إصلاحي لتقويم حياة البشرية وضبط منهجهم في السير في هذه الحياة الدنيا ليفوزًا بخيري الدنيا والآخرة.
- أهمِّيَّة الموضوع:
تكمن أهمِّيَّة هذا الموضوع في عِدَّة أمور منها:
- إنَّ الإصلاح هو أساس بناء المجتمع، وتربية أبناء الأمَّة على منهج قويم، وإنَّ الأمَّة الإسلاميَّة إذا نشأت على تربية إسلاميَّة ومنهج اصلاحي صحيح متكامل فإنَّه سوف يسمو أمرها ويعلو شأنها.
- إذا أرادت الأمَّة أن يُمَكَّن لها في الأرض كما مُكِّنَ لأصحاب القرون الأولى المفضَّلة ويصبح لها شأن عظيم فعليها بمنهج القرآن الكريم الإصلاحي.
- لأنَّنا اليوم نعيش أزمةً في المنهج الإصلاحي وتدهورًا في التربية، وفسادًا في الأخلاق، فلا بُدَّ أن نرجع إلى دستور هذه الأمَّة لكي نصحِّحَ مسار أبنائنا ومجتمعاتنا ويرشد أمرنا.
(1) إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، أبو العبّاس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قابمان بن عثمان البوصيري (ت840هـ)، تحقيق: دار المشكاة، بإشراف تميم ياسر بن إبراهيم، دار الوطن للنشر، لبنان، ط1، 1420هـ/ 1999م، ص19.