المستخلص
فالأمن ركيزة أساسية يحتاجها الفرد كما يحتاجها المجتمع، ولا يمكن أنْ تتحقق أهداف أيً منهما إلا في ظل أمن وارف. والشعور بالأمن والإطمئنان أمر مطلوب لتحقيق التقدم والإزدهار في جوانب الحياة الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحضارية، ولذلك تسعى المجتمعات الإنسانية منذ القدم على اختلاف معتقداتها وتوجهاتها ومستوياتها الحضارية إلى توفير الأمن، ولا يقلقها شيء قدر ما يقلقها زعزعة أمنها واستقرارها، ومن هنا تتخذ ما في وسعها من إجراءات من أجل استتباب أمنها واستقرار أنظمتها المختلفة، ولا تكتفي بإجراءات الحماية الأمنية والعسكرية التقليدية لتحقيق ذلك، وإنما يتطلب الأمر إجراءات أخرى كثيرة من أهمها إعداد الإنسان ذاته ليكون حجر الزاوية في ضمان الأمن والاستقرار، بحيث يستطيع تحقيق الأمن لنفسه ولغيره معاً في كل الظروف والأحوال.
وانطلاقاً من هذه المكانة الهامة للأمن في الإسلام ولصلته المباشرة بحياة الناس وسلامتهم واستقرارهم على المستوى الشخصي وعلى مستوى المجتمع والدولة، ولكون الأمن لا يتحقق إلا إذا شارك فيه الجميع وساهم فيه كل بقدره؛ فإنَّ الأمر يتطلب إعداد كل فرد من أفراد المجتمع ليسهم فيه، اعتماداً على توجيه الإسلام للإنسان المسلم أنْ يكون عنصر خير وصلاح في المجتمع. هذا الأمر يقتضي أن يُعدَّ الفرد لكي يعمل على تحقيق الأمن لا لنفسه فقط ولكن لبقية الناس الذين يعيش ويتعامل معهم في المجتمع، وفقاً لمبادئ الإسلام وأصوله الراسخة.
وهنا نشير إلى أنَّ مسؤولية مواجهة سلوكيات التطرف الفكري لا تقتصر على جهة محددة بعينها ، وإنما هي مسؤولية المجتمع بشرائحه ومؤسساته كافة، فالأسرة هي اللبنة الأولى لوقاية المجتمع من جميع أشكال الإنحراف والجريمة والسلوك المخالف لأمن المجتمع واستقراره، وإذا أدت المدرسة دورها التربوي بشكل صحيح ورسّخت في أذهان النشئ قيم الاعتدال والوسطية والتسامح فقد أبعدت مُجمل الأخطار عن عقول الشباب، وكذلك بقية المؤسسات ذات التأثير الواضح في حياة الناس، وبتكامل هذه النشاطات للمؤسسات الفاعلة يمكن أنْ نجنب المجتمعات الكثير من عوامل الإنحراف والفوضى والعنف والتطرف.
أهمية الموضوع:
تكمن أهمية الموضوع في النقاط الاتية:
1- لما للأمن المجتمعي ومقوماته في الفكر الإسلامي من أهمية وأثر على الفرد والمجتمع.
2- تحقيق الأمن المجتمعي، وهو – لا ريب – حق من حقوق المجتمعات.
3- ضرورة التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع في تحقيق الأمن المجتمعي ومقوماته.
4- إبراز مقومات الأمن المجتمعي في مواجهة سلوكيات التطرف الفكري.
أسباب اختيار الموضوع:
إنَّ من بين أهم الأسباب لاختيارِ موضوع الدراسة :-
1- حاجة المجتمع المعاصر للأمن المجتمعي الذي يُعَدُّ بمثابة رصيد علمي ونظري واقعي لدى أبناء الأمة وهم يواجهون التحديات الفكرية والسياسية والاجتماعية على حد السَّواءِ.
2- كثرة الانحرافات والاضطرابات التي تعصف بالمجتمعات في أيامنا هذه.
3- السعي في إبراز منهج الفكر الإسلامي المعاصر في مواجهة سلوكيات التطرف الفكري، من خلال الأمن المجتمعي ومقوماته.
4- عدم معرفة الكثير من الناس معرفة تامة لحقيقة الدين الإسلامي واعتقادهم عدم صلاحيته للتطبيق باعتباره يخص عصراً قد مضى واندثر.
مشكلة البحث:
إنَّ ما يعانيه الواقع المعاصر من اضطرابات وأزمات تنوعت أشكالها يوحي بخلل في الأمن، سواء كان أمنَا سياسًّا، أو اقتصاديًّا، أو اجتماعيًّا، ولا ريب أن في حصول الخلل فسادًا يهلك أفراد المجتمع على اختلاقهم وتنوعهم؛ فكانت مقاصد الشريعة الإسلامية هي الضابط لِحَلِّهِا ومعالجتِها.