You are currently viewing أطروحة دكتوراه عقيل كاظم / بعنوان: كتاب الاشتقاق وشرح الصفات من كلام العلماء ولغة الفصحاء لأبي عبد الله محمد بن الصبحي (من علماء القرن الرابع الهجري)

أطروحة دكتوراه عقيل كاظم / بعنوان: كتاب الاشتقاق وشرح الصفات من كلام العلماء ولغة الفصحاء لأبي عبد الله محمد بن الصبحي (من علماء القرن الرابع الهجري)

المستخلص

فكانت العرب تتبارى بالأقوال والأشعار، وعقدوا لذلك المواسم والنوادي، ليتفاخروا أيهم أبرع لسانًا، وأنصع قيلًا، فكان هذا شأنهم مع لغتهم العربية، كلٌّ يريد أن يرتقي بها إلى أسمى منازل الرُّقي، فكانوا كذلك وأحسنوا.

غير أنهم لم يكونوا ليعلموا ما قُدِّر للغتهم من رفعةٍ وعلوِّ شأنٍ، فكأنَّها ادُّخرت لتكون لغة ختام الرسالات، إذ نزل بها القرآن الكريم فشرّفها، وأعزّها، وكرّمها، من بين اللغات كافة. فنزل الكتاب الكريم بلغة العرب، وزاد على ذلك أنه تحدّى صُنَّاعَها، والبارعين منهم، بالإتيان بمثله وهي لغتهم، فعجزوا عن سلوك السبيل إلى ذلك، ولو بسورة أو آية.

وبنزول القرآن الكريم، اختلفت النظرة إلى اللغة، وانطلقت رحلة جديدة لها، مبعثها كتاب الله العزيز؛ لذلك يمكن القول: إنّها انطلاقة على وفق رؤية قرآنية، الغاية منها الوقوف على أسرار اللغة المعجزة؛ وهم واضعوها، ودرج لسانهم على فَهم خباياها.

إن اللغة العربية حُفظتْ بحفظ آيات المصحف الشريف، فصارت مُدونةً، بعد أن كانت لا تتعدى الألسن والآذان، والحفظ بالرواية. وهذه منّة منَّ الله بها على العربِ ولغتهِم. فبدأت مسيرة علم العربية، فمنهم العاكف على ما لديه من مخزون اللغة، ومنهم البادّ الذي تجشّم جمع الألفاظ، ودلالاتها، واستعمالها.

وزادت الحاجة إلى ذلك بعد تفشي اللحن بين العوام، فضلًا عن الأعاجم الذين دخلوا الإسلام، وبدأ السعي إلى تعليم فصيح اللغة، والابتعاد عن عاميّها، واللحن فيه، ولم تزل اللغة مرويات دون تدوين، في المساجد والمجالس، إلى أن حان عصر التدوين في القرن الثاني الهجري، فبدأ التصنيف في شتى العلوم التي من شأنها خدمة القرآن الكريم، تفسيرًا، ونحوًا، وصرفًا، ومعنى، وغير ذلك من العلوم.

ومن أولى القضايا التي شغلت أذهان أهل اللغة، قضية وضع اللغة وأصولها وفروعها، فتنبهوا إلى اشتقاق ألفاظ اللغة، التي فيها المرتجل، والمشتق من غيره، وذهبوا في المشتق إلى مذاهب ثلاثة، فمنهم من قال: إنَّ الكلام مشتقّ بأجمعه، ومنهم من ذهب إلى أنَّ بعضه مشتق، وما سواه غير مشتق، وأمّا الآخرون فقطعوا بنفي الاشتقاق، وكان لكل فريق منهم أدلته وحججه التي تدعم ما ذهب إليه.

وشمّر الرهط الأول من علماء اللغة عن أقلامهم وقراطيسهم، فصنّفوا في الاشتقاق، ولكن من المؤسَف له أنّ معظم ما صنفوا في هذا الباب لم يصل إلينا، أما ما وصل فهو القليل. وكان أوّل ما وصل كتاب (الاشتقاق) للأصمعيّ (ت216هـ).

وفي أثناء دراستي التحضيرية في مرحلة الدكتوراه، قررت أن لا أحيد عن عملي في دراسة الماجستير، فقد كان في التحقيق. وبدأتُ السعي للحصول على مخطوط جدير بالتحقيق في هذه المرحلة، فبحثت في أروقة الخزانات العراقية من خلال زيارات كثيرة، فضلًا عن البحث (العنكبوتيّ) في خزانات البلدان الأخرى، بمعونة الزملاء الأفاضل.

وبين هذه وتلك، وبين نفاد الوقت، وانعدام الحيلة من الحصول على مخطوط مناسب، ومن حيث لا أدري كان الحوار متواصلًا بين زميلي طالب الدكتوراه (محمد جواد كاظم) و(أ.د مكي نومان مظلوم)، إذ كان لدى زميلي كتاب مخطوط، استشار أستاذنا بأن يهديه إليّ، فأشاد بكرمه العلمي، وبارك صنيعه الجميل. وتُوّج هذا السخاء بإهدائي المخطوط الموسوم بـ (الاشتقاق وشرح الصفات من كلام العلماء ولغة الفصحاء) لأبي عبد الله محمد بن محمد الصبحيّ) وهو مخطوط نسخته فريدة، وحيدة، يتيمة بنسخها، ثريّة بمادتها. وهي من ودائع مكتبة الدولة في برلين. وذكر هذا المخطوط ثلّة من العلماء الأفاضل المحدثين، ولكن لم يُقدِم أحدهم على تحقيقه، وكأَنَّ المكتبة المذكورة احتفظت به ليصل إليّ، فأسجله موضوعًا لأطروحتي في الدكتوراه، دراسة وتحقيقًا.

وشرعت بقراءته قراءة متأنية فاحصة، بعد التيقن أن لا نسخة أخرى له في خزائن المخطوطات، وقد قسمه المصنف على ثلاثة عشر بابًا، مسبوقة بمقدمة ضمّنها اشتقاق البسملة، وختمها بخاتمة موجزة. أما عن اتجاه الصبحي في كتابه فهو لغويّ فقهيّ، ونقل في كتابه من علماء التفسير، والحديث، واللغة، ابتداءً بالخليل، والكسائي، والأصمعي، وانتهاءً بأبي عمر الزاهد. وكان المصنّف -رحمه الله- بارعًا في محاوراته، ومساجلاته في الكتاب، وفي تسلسل أبوابه وموضوعاته.

ويُعدّ أبو حاتم الرازي أشهر من أفاد من كتاب الصبحيّ، وذلك في كتابه (الزينة)، وكأنه أغار على كتاب الصبحي، ولا سيما في الجزء الأول. ولكنَّ الرازي لم يصرح بالنقل عن الصبحي، بل اقتصر على نسبة ما نقله إلى قائل مجهول، ثبت لنا أنه الصبحي في كتابه هذا.

وبعد أن أنجزت تحقيق الكتاب، ظهر أنه حُقِّقَ برسالة ماجستير مقدمة من الباحث (محمد عبد الكريم كاظم العزاويّ)، إلى كلية الأكاديميّة العليا للدراسات العلميّة والإنسانيّة، 2017م، مما استدعى تفحّص التحقيق المذكور، فوقفت على عدّة مسوغات لإعادة تحقيق المخطوط، أهمها نسبة الكتاب إلى غير مؤلفِّه، واختلاف عصر المؤلِّف، وسقوط الباب الرابع من الكتاب، وتكراره تحقيق الباب الثالث منه، وخلوّه من الفهارس الفنية، فضلًا عن كثرة التصحيف والتحريف والأخطاء اللغوية، وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه، ولإنجاز عملي في إعادة التحقيق، قسمته على قسمين، مسبوقًا بمقدمة، وخاتمة أعقبتها بالفهارس الخادمة للكتاب، والنافعة للقارئ، ثم دونت المصادر والمراجع التي انتفعت بها في الدراسة والتحقيق. أمّا القسم الأول فعقدته على دراسة المؤلف وكتابه ووصف نسخة الكتاب، ومنهج التحقيق، وذلك على النحو الآتي:

الفصل الأول: سيرة أبي عبد الله الصبحيّ، وقسمته على ثلاثة مباحث، هي:

الأول: عصر أبي عبد الله الصبحيّ، أوجزت فيه ما كان في ذلك العصر سياسيًا وعلميًا.

الثاني: سيرة أبي عبد الله الصبحيّ، وبحثت فيه:

أولًا: اسمه وكنيته ونسبته، وقد أجهدت نفسي في ذلك؛ لأن كتب التراجم لم تترجم له، وأفدت من ثلاثة مصادر في الحديث الشريف ذكرت عالمًا وهو (أبو محمد الصبحيّ).

ثانيًا: عقيدته.

ثالثًا: وفاته.

رابعًا: شيوخه وتلاميذه، وكان البحث في هذا المطلب مقسمًا على فقرتين: الأولى: معاصروه، والثانية: من عاصره ونقل عنه. والداعي إلى هذا التقسيم هو عدم ذكره في كتب التراجم.

خامسًا: مصنفاته: سكتت كتب التراجم عن ذكر مصنفاته، كما سكتت عمّا سواها، ووصل إلينا من مصنفاته كتاب (الاشتقاق وشرح الصفات)، ولم يرد ذكره في المصادر أيضًا. وبعد أن أحصيت العلماء الذين نقل عنهم ابن الأنباري فكان (أبو محمد عبد الله بن محمد بن رستم) أكثرهم قربًا لأبي عبد الله الصبحي، فذهبت إلى دراسة ابن رستم؛ علني أجد ضالتي، ووقفت على إشارات موجزة إليه في كتب التراجم، دالة على علمه، وأنه مستملي ابن السكيت في كتبه، فضلًا عن استملاء كتاب الفرق لابن أبي ثابت. وأنّه من رواة الحديث الشريف. وأثبتُّ في هذا المطلب الذين أفادوا منه من العلماء المتأخرين عنه.

اترك تعليقاً