المستخلص
تشغل الدراسات التي تتعلق بالقبائل العربية مكانة في دائرة الابحاث التاريخية عموماً، والتاريخ الاسلامي منه بشكل خاص، فالقبيلة كانت ولا زالت تساهم في صنع الأحداث رغم التطورات الحاصلة في الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية، والاجتماعية والأدارية، وسنرى كم هو المدى الذي أعتمدت عليه دولة الأسلامية بدءا من عصر الرسالة والخلافة الراشدة والأموية وحتى العباسية من تفعيل أثر القبيلة والأسرة في بناء كيان الدولة أجمع، ولأهمية الأنساب عند العرب قبل الإسلام في مجتمع كان الفرد فيها لا كرامة له ولاعزة إلا في ظل قبيلة تحميه وتأويه وتدافع عنه، فكان النظام القبلي يتناسب مع طبيعة حياتهم في ذلك المجتمع الذين يعيشون فيه إذ إن القبيلة كانت تمثل الوحدة السياسية والاجتماعية عندهم، ولما جاء الإسلام استمر العناية بالنسب والاعتزاز به، كما أبقى على وحدة القبائل ما دامت في خدمة الدعوة الإسلامية، وقد تأكد هذا العناية أيام الخلفاء الراشدين حينما عد أساساً في تنظيم الديوان وتوزيع العطاء على القبائل، ولولا معرفة الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي (t) بالأنساب ما أمكنهم ذلك، وكانت القبيلة تمثل الوحدة العسكرية في ميدان القتال كما كانت أساساً للتنظيم الاجتماعي والإداري والمالي في الأمصار، فإننا يمكن أن نلاحظ أهمية القبيلة في التنظيم أيضاً من خلال تقسيمات الكوفة على أرباع والبصرة على أخماس تسمى بأسماء قبائلها.
وقد وقع أختياري على (( بنو تميم وأثرهم في الحياة العامة من خلال كتاب تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (ت571هـ/١١٧٥م) دراسةً تاريخية )) ، لأسباب منها، كشف تاريخ هذه القبيلة العريقة، والادوار القيادية التي تزعمتها، وانطلاقاً من الرؤية الشمولية للتاريخ، وجدت أن الحاجة تبدو مستمرة للكشف عن اشراقات جديدة في تاريخ قبائلنا وما حققته من ابداعات ومآثر بطولية، وقد تناولت عدد من الدراسات الحديثة البحث في جوانب متعددة من تاريخ دمشق، منها مواضيع عامة وخاصة، تتناول في بلاد الشام والعراق، ولم تتناول دراسة أكاديمية عن ما يخص ( بنو تميم في تاريخ دمشق )، وقد أشار عدد من الباحثين المحققين الى أهمية ماورد فيه من معلومات عن هذا الموضوع، وأن ذلك جدير بالدراسة والبحث فيه، وبعد الأطلاع على هذا الكتاب وما ورد فيه من معلومات عن بنو تميم، فقد وقع أختيارنا على هذا الوضوع والذي يرجع الفضل في أختياره بعد الله عز وجل الى أستاذي الفاضل الدكتور حامد حميد عطية والذي بتوجيه ومعونته وقع اختياري لهذا الموضوع، فجزاه الله عني خير الجزاء.
وتبرز أهمية قبيلة تميم في كونها واحدة من أكبر القبائل العربية إذ تعد جمجمة من جماجم العرب وإحدى قواعدها الكبرى، وظهر تأثيرها واضحاً في العصور الأسلامية المتلاحقة، إذ تتباين مواقف وأدوار هذه القبيلة في عصور تمثل الذروة في التكتلات والتوجهات السياسية، وتأثير هذه القبيلة التي تعد كاهل مضر ولاسيما في الخلافة الأموية، فضلاً عن أثرها العظيم في التحرير والفتوح.
اما عن هدف الدراسة فقد تجسدت في بيان مكانة قبيلة تميم وآثرهم في الحياة العامة سواء كان آثرهم في الحياة السياسية والعسكرية والادارية والعلمية، بدءا من العصر ما قبل الاسلام حتى وفاة ابن عساكر، والتي نأمل أن تصبح هذه الدراسة مرجعاً يرفد المكتبة العربية بمعلومات كانت متناثرة في بطون الكتب بعد تجميعها وترتيبها لتخرج بحلة جديدة.
ان فرضية البحث التي ستبثتها الدراسة من خلال التحليل والاستنتاج والتقصّي، كشف تاريخ هذه القبيلة العريقة، والادوار القيادية التي تزعمتها، وكشف عن اشراقات جديدة في تاريخ قبائلنا، وفضلا عن ذلك تقلب مواقف بنو تميم في عدد من المواقف، إذ كانوا يميلون للأقوى، إذ كانت تميم تميل دائماً حيث تكون الغلبة.
ويُعد كتاب تاريخ دمشق الكبير لمؤلفه بن عساكر المتوفى (571هـ/1175م) مثالاً رائعاً في تجسيد الحضارة العربية الإسلامية؛ لانه بحث في ذاكرة الأمة الإسلامية، وتراثها المدون، فكان يترجم لبني تميم من حكماء ومقاتلين ودهاة ووفود وصحابة وولاة وعلماء وأدباء وشعراء وقضاة، إذ جمع فيه عدد من رجال الفكر الإسلامي وأعلام الحضارة العربية، فكان كتابه موسوعة إسلامية مطولة وميراثاً حضارياً غنياً بأهم مصادر التاريخ الإسلامي، وهذا يدل على أن المؤلف كان مساهماً بارزاً في تدوين الحضارة العربية الأسلامية ؛ لأن كتابه لا يمثل تاريخ دمشق ورجالاتها فحسب، بل لأنه وسع من دائرة أفقها فشملت الدولة الأسلامية، مما زاد الموضوع قيمة علمية وحضارية كبيرة، لأن بن عساكر كان محدثاً كما هو معروف وهذا الذي شجعني اكثر على خوض غمار الموضوع.
وبالرغم من ذلك فقد زودنا ابن عساكر بمعلومات متكاملة عن أغلب العلماء لبني تميم، فذكر اسم العالم ولقبه وكنيته واختصاصه العلمي وأتجاههه الفكري ومكان مجالسه العلمية ومحل ولادته وسكنه وسنة وفاته، والذين لم يذكر سنة وفاتهم، وهم قلة، فضلا عن ذلك لم يذكر ابن عساكر ( نسب بني تميم ) وبطونهم وأفخاذهم، فأستكملنا ذلك من كتب النسب.
واجهت الدراسة بعض الصعوبات منها كثرة بطون تميم وأبنائه، كان واحداً من الصعوبات التي واجهتها، أذ لم يكن من اليسر حصر قبيلة تعد جمجمة من جماجم العرب في جزء من مبحث، فأجبرنا ذلك على الأختصار والتركيز على الأهم، فضلاً عن ذلك التشابة في أسماء بطون تميم مع بطون قبائل أخرى، فكان من الصعب الجزم أن هذه الشخصية أو تلك تميمية أم لا الإ بعد جهد كبير، أما الصعوبة الثاني فتتمثل في كتاب تاريخ دمشق، وماذكره بن عساكر، فكان لكل شخصية من الشخصيات التي تم ذكره برعوا بأكثر من علم من العلوم، مما أدى الى ضخامة الدراسة، فكان يعاد الشخصية عدد مرات.
وتبعاً لذلك قسمت الدراسة على أربعة فصول تقسم على مباحث مع مقدمة وخاتمة وجداول لكل علم من العلوم، وكذلك لمؤلفات بن عساكر، والعلماء الذين شغلوا مناصب سياسية وإدارية والوفود الذين وفدوا على رسول الله (r) والخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين، وثبت للمصادر والمراجع والرسائل والاطاريح وكذلك المجلات والبحوث:
وتناول الفصل الأول : حياة ابن عساكر وتاريخ بنو تميم الذي قسم على مبحثين خصص المبحث الأول حياة ابن عساكر، وأسمه وكنيته ولقبه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته وزواجه وأبناءه، فضلاً عن رحلاته وشيوخه وتلاميذه ومؤلفاته، وآراء الآخرين فيه، ووفاته، بينما تناولنا في المبحث الثاني تاريخ بنو تميم من حيث نسبهم، وبطونهم ومنازلهم وأيامهم وديانتهم، وكانت الدراسة لهذا الفصل موجزة في العديد من فقراتها، لان هنالك العديد من الدراسات التي أسهبت في الحديث عن ابن عساكر وعن كتابه وعن تاريخ بنو تميم .
أما الفصل الثاني: أثر بني تميم السياسي والعسكري في العصور الأسلامية والذي تألف من مبحثين، فتناول المبحث الأول أثرهم السياسي والعسكري في العصر النبوي الشريف: أبتدأ من أثرهم السياسي فيتمثل بموقف بنو تميم من الدعوة الأسلامية وأهميتها و المؤاخاة الذي كان له دوراً كبيراً في جمع المسلمين من المهاجرين والأنصار، مع القاء نظرة عامة على أثرهم في الغزوات والسرايا منها غزوة مؤتة وفتح مكة وغزوة حنين وغزوة الطائف وغزوة تبوك وسرية عيينة بن حصن الفزاري إلى أرض بنو تميم، وسرية مسلم بن الحارث التميمي، وتحدث المبحث الثاني عن أثرهم السياسي والعسكري في العصور الأسلامية منها مواقف بني تميم من حركات الردة و حركة الفتوحات في العصر الراشدي منها تحرير العراق وبلاد الشام ومصر وبلاد المشرق، وتضمن أبرز القادة بنو تميم الذين شاركوا في الفتوحات في الخلافة الراشدة منهم القعقاع بن عمرو التميمي والأسود بن قطبة التميمي وسواد بن مالك التميمي ومعقل بن قيس التميمي وعاصم بن عمرو التميمي، وموقف بنو تميم من أغتيال الخليفة عمر بن الخطاب (t)، وأثرهم في أحداث الفتنة وأستشهاد الخليفة عثمان بن عفان (t) سنة (35ه/ 655م)، وأثرهم في معركة الجمل سنة (36ه/646م)، ثم أثرهم في معركة صفين وأمر التحكيم سنة (37 هـ/657م)، ومارافق ذلك من أحداث حتى أعلان الخلافة ألاموية، وموقفهم من خلافة معاوية بن أبي سفيان (41-60هـ/661-679م)، ثم موقفهم من حركة الخوارج في العصرين الراشدي والأموي، و موقفهم من بيعة يزيد بن معاوية، و أثرهم في الحركات والثورات المعارضة للخلافة الأموية منها حركة حجر بن عدي الكندي والمختار الثقفي وعبد الله بن الجارود (75هـ/694م) وغيرهم، وثورة الإمام الحسين (u) وأستشهاده (61هـ/680م)، وثورة يحيى بن زيد بن علي(125هـ/733م )، موقف بنو تميم من النزاع على الخلافة ما بين عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير (65-72هـ/684-691م)، وأثرهم في العصبية القبلية في العصر الأموي (41-132ه/661-749م )، وأثرهم في حركة التحرير والفتوح في العصر الأموي(41-132هـ /661-749م )، وأثرهم في الدعوة العباسية، وختم الفصل الثاني بمشاركتهم في الأحداث التاريخية والسياسية في العصر العباسي.
أما الفصل الثالث الأثر الإداري لبني تميم في العصور الإسلامية الذي ضم مبحثين، فجاء في المبحث الأول أثر بنو تميم في الحياة الأدارية للدولة العربية الإسلامية منها الوزارة، فكان يحيى بن أكثم بن محمد التميمي من أبرز وزرائهم، والولاة، فكان من أبرزهم زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم التميمي، أستطاع جده الأعلى أبراهيم بن الأغلب بتأسيس دولتهم في المغرب الأدنى، والقضاة، فكان من أبرزهم سوار بن عبد الله بن قدامة بن عنزة التميمي قاضي البصرة من قبل الخليفة أبي جعفر المنصور، و يحيى بن أكثم بن محمد التميمي قاضي قضاة بغداد من قبل الخليفة المأمون، والشرطة، فكان أشهرهم معقل بن قيس الرياحي التميمي صاحب شرطة علي بن أبي طالب (u)، والمغيرة بن عبد الله التميمي البصري، وكان على شرطة البصرة في خلافة معاوية بن ابي سفيان، والكتاب، فكان من أبرزهم عدي بن زيد التميمي كاتب كسرى، وحنظلة بن الربيع بن صيفي التميمي كاتب رسول الله (r)، و الدواوين، فكان من أشهرهم، عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي، وكان على صدقات بنو دارم، و حمزة بن أسد بن علي التميمي، وتولى رئاسة دمشق مرتين، وأما المبحث الثاني فتناول الوفود على الرسول (r) والخلفاء والولاة الراشدين والأمويين والعباسيين، اختلفت وفاداتهم وأغراضهم من هذه الوفادات منها ماكان سياسي وعسكري وأجتماعي وعلمي واقتصادي.
وأما الفصل الرابع أثر بني تميم في العلوم الدينية والانسانية والعقلية، والذي تألف من مبحثين، أبتدا المبحث الأول بنظرة عامة عن أثر بنو تميم في العلوم الدينية وأصنافها التي ذكرها بن عساكر منها علوم القرآن وعلم القراءات والتفسير والحديث والفقه والتصوف، كما تطرقت إلى أثرهم في علم الكلام والفرق الأسلامية منها الجهمية و الأشاعرة و المعتزلة، و تضمن المبحث الثاني أثرهم في العلوم الأنسانية والعقلية والفنون وأصنافها التي ذكرها بن عساكر منها علوم اللغة وفروعه النحو والبلاغة والفصاحة والخطابة، وعلوم الأدب وفروعه الشعر والنثر وأشهر شعرائهم جرير والفرزدق، وأثرهم في التدوين التاريخي وفروعه الراوية التاريخية والأخباري، وعلم الأنساب، وعرضت أثرهم في العلوم العقلية التي شملت الطب والكيمياء و الفلك(الهيئة) من أبرزهم محمد بن حبان التميمي و علي بن القاسم التميمي، والحساب من أشهرهم محمد بن عبد الواحد بن محمد التميمي، والفنون وفروعه الموسيقى والغناء، فكان ابراهيم الموصلي التميمي من أشهرهم، أشتهر بالغناء والموسيقى.
وفيما يخص الدراسات المتعلقة السابقة لهذه القبيلة أو جزء منها والتي تم الاعتماد عليها على عدد منها وأهمها ( الأحنف بن قيس التميمي سيرته ودوره في السياسة الأموية ) للباحثة زهرة كوكز، كذلك ( قبيلة تميم ودورها في التأريخ العربي قبل الأسلام ) للباحث سعيد جبار جياد، قدم فيه معلومات قيمة عن هذه القبيلة قبل الأسلام ، و( قبيلة تميم ودورها خلال العصر الأموي (41-132ه/661-749م)) للباحث نصير بهجت فاضل الجبوري، شمل رسالته الحديث عن أخبار هذه القبيلة قبل الأسلام وفي عصر الرسالة والخلافة الراشدة وحتى نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي، فضلاً عن دراسة بطن من بطونها ( بنو يربوع وأثرهم في الحياة العامة حتى نهاية القرن الثالث الهجري )، و ( بنو تميم ودورهم في الحياة الفكرية في المشرق الإسلامي (132-617هـ/750-1222م) ) للباحثة لبنى جابر عبد النبي، قدمت فيه معلومات قيمة عن هذه القبيلة في المشرق الأسلامي، وعن العلوم التي أشتهرت بها القبيلة.