\
المستخلص
في بداية تناول المظاهر الساخرة في كتاب الأغاني، نجد أن التميز الحاضر بين أبنائه في بناء تشكيل هرمي لقوام مجتمعي يحدد عراقة وأصالة الفنون الأدبية من شعر ونثر بين نتاجاته التي يتميز بها، ومن ثمَّ فإن الأدب عامل مهم في تشكيل الحضارة، ويمثل الأدب العربي منذ عصر ما قبل الإسلام جوهر وأساس المنظومة الحضارية للعرب، وما يَعنينا من النتاجات الأدبية التي جمعها صاحب الأغاني في موسعته من( شعر، وأخبار، وغناء) بدءاً من العصر الجاهلي، ثم الإسلامي، فالعهد الأموي فالعباسي(السخرية) التي تُوظف كتعبير عن مواقف ناقدة تجاهها عند حضور النص الأدبي، وتُشير المصادر إلى أن كتاب الأغاني يُعد مصدراً ثرياً لأنواع السخرية في الأدب العربي؛ إذ يُقدم الكتاب أمثلة على السخرية السياسية التي تستهدف نقد السلطة والحكام، كما يُظهر السخرية الاجتماعية التي تنتقد العادات والتقاليد والسلوكيات في المجتمع. ومن خلال دراسة مختلف أنواع السخرية في الكتاب يمكن فهم التوجهات الفكرية والثقافية التي سادت في تلك الفترة، إذ يُعدّ ذلك الكتاب مرجعاً مهمًا في الأدب العربي، فهو يُسلّط الضوء على العديد من جوانب الأدب العربي بما في ذلك الخطاب الساخر، ومستويات تلقّيه لدى الجمهور. يتناول البحث بالتفصيل آليات الخطاب الساخر، مثل الحوار، والرمز، والمبالغة. كما يُبيّن مستويات التلقي المختلفة، بدءًا من النخبة من الخلفاء والملوك، ووصولاً إلى الناس عامة، مُسلّطًا الضوء على ردود أفعالهم واستجاباتهم تجاه ما يُعرض من أدب تميز بالسخرية.
استعمل الأدباء السخرية لتصوير عيوب المجتمع ونقد سلوكيات أفراده وطبقاته المُختلفة، سواء كانوا من الحضر أم البدو، فضلًا عن السخرية من الناحية الاقتصادية التي تعد أحد أوجه النقد الاجتماعي الذي استعمله الأدباء العرب، فكثيراً ما ذُكرت ظاهرةُ البخلِ والتقتيرِ عند بعض الطبقات، ومن الجوانب الحساسة التي تعرّضت لها السخرية في الأدب العربي هو الجانب الديني. وتجدر الإشارة إلى أن السخرية الدينية في هذه الفترة غالباً ما كانت تنحرف عن القيم الإسلامية وتتجّه نحو الزندقة؛ بسبب انتشار أفكار وتيارات فكرية بعيدة عن جوهر الإسلام.
وإنَّ المنهج الذي اعتمده الباحث هو المنهج الوصفي التحليلي الذي يصف الأخبار المذكورة في الكتاب ويناسب التحليل لتلك الأخبار.
وإنَّ سبب اختيار الموضوع كان له العديد من الحيثيات التي دفعتني لاختياره، مثل وجود العديد من الأخبار التي تحمل معاني السخرية وتقابلاتها سواء أكانت شعرًا أم نثرًا، وقد شدتني تلك الأخبار على اختلافها، وكذلك لشمولية المعاني الساخرة، أما الصعوبات التي واجهتني فهي عدم توافر بعض الأخبار في كتاب الأغاني التي تكشف معاني السخرية بشكل أوضح وأدق للقارئ؛ لأن الخبر الساخر عند إخضاعه للتدقيق والتمحيص ونجد أن السخرية فيه تكون في أكثر الأخبار ظاهرة وجليّة، بشكل يؤكد سعة تلك المعاني التي لا يمكن حصرها.
تناولت الدراسة في بداياتها مقدمة تضمنت العديد من الصور النوعية في إظهار السخرية في كتاب الأغاني، ويليها التمهيد الذي درس فقرتين اشتملتا على التعريف بالسخرية وتقابلاتها الدلالية، ويليه التعريف بكتاب الأغاني، أما بقية الفصول الثلاثة فقد تضمن الفصل الأول منها والذي وسم بـ(المرجعيات الساخرة)، توطئة يليها التعريف بالمرجعيات وتقسيماتها الأربع على شكل مباحث؛ إذ كان عنوان المبحث الأول منها تحت مسمى مرجعيات السخرية السياسية والمبحث الثاني بعنوان مرجعيات السخرية الاجتماعية، أما المبحث الثالث فقد كان بعنوان مرجعيات السخرية الاقتصادية والرابع عن مرجعيات السخرية الدينية، أما الفصل الثاني فوسم بـ(الخطاب الساخر وآليات إشغاله في كتاب الأغاني)، والذي تضمن بعد التوطئة وآليات الخطاب ثلاثة مباحث، كان أولها بعنوان الحوار والمبحث الثاني الرمز والمبحث الثالث في مظاهر الخرق البلاغي، ويليه الفصل الثالث الذي حمل عنوان (مستويات التلقي وطبقات الجمهور في كتاب الأغاني) والذي انقسم بدوره على أربعة مباحث كان فالأول منها في مستويات التلقي، والمبحث الثاني في طبقات الجمهور، والمبحث الثالث في استجابات الجمهور التي تمثلت بطبقتي النخبة والعامة، ويليه المبحث الرابع في الاستجابات اللغوية ومنها التعليقات القولية والردود والسكوت والتجاهل، ومن ثمَّ الخاتمة فثبت المصادر والمراجع.
وقد اعتمد الباحث العديد من المراجع المهمة في رسالته أولها كتاب الأغاني فهو كالوتد العظيم، ويليه العديد من المراجع المهمة كالقاموس المحيط للفيروز آبادي، وطبقات الشعراء لابن المعتز، والفن ومذاهبه في الشعر العربي للدكتور شوقي ضيف وغيرها كثيرًا، فمنها: الكامل في التأريخ، لابن الأثير، والطبقات الاجتماعية، غريب سيد احمد، ودراسة كتاب الأغاني ومنهج مؤلفه، داود سلوم.