رسالة ماجستير : أمل خليل / بعنوان

روايات محمود سعيد دراسة في ضوء التعددية الثقافية

المستخلص

تُعد الرواية من الفنون السردية التي اكتسبت ديمومتها عبر تعانقها مع مجالات متعددة، إذ عدت تلك المجالات مادتها الخام، وأخذت تُعبر عن قضايا المجتمعات لكونها مرآة مصورة لحياة الشعوب، كذلك عُدت الثقافة من بين تلك المواد الخام التي ينهل منها النص الروائي، لذلك فإن  هذه الدراسة ترصدُ التوجهات المعاصرةِ والمحيطةِ بالتعددية الثقافية، بدايةً من الهويةِ الوطنيةِ وترابطها الاجتماعي وصولاً إلى ضربِ المركزيةِ الغربيةِ وخلخلةِ مفاهيمها، فهي ظاهرةٌ واقعيةٌ تعرفها المجتمعات منذ القدم، وهي أشبه بعملية تنظيم حياة المجتمع تحت قواعدَ مشتركة، مع وجود الاختلاف والتنوع بشرط احترام هذا الاختلاف وتقبله، أما رواية التعددية الثقافية هي نوعٌ من أنواعِ الرواية الحديثة، التي تحملَ سماتَ ما بعد الكولونيالية، تهتمُ بعلاقةِ الفردِ مع المجتمع، وتكشفُ القناعَ عن السلطةِ عن طريقِ الكلام المنطوقِ، نرى هذه المميزات مجتمعةً في تشكيل روايةِ التعدديةِ الثقافيةِ التي انقسمت على  نمطينِ أساسيينِ في رواياتِ محمود سعيد هما: نمطُ الرواية المهاجرة ونمطُ رواية الأقليات،  لتضع  بين أيدينا المقارنة بين عالمين مختلفين أي ثنائية الشرق والغرب، وتثير فينا التساؤلات هل هناك تعالق بين هذين العالمين، كيف استطاعت رواية التعددية الثقافية أن تكون منبراً للأقلية والمهاجرين، يخاطب به العالم ويرسم حجم معاناته وبما أنّ المفهوم السائد عن الواقع في أي عصر هو بالتأكيد العنصر الأساس الذي يحدد طبيعة الرواية وكيفية اشتغالها بوصفها فناً يتأسس على رؤية فلسفية حول المظهر والواقع والأفراد وطبيعة علاقاتهم، وكيفية التعامل مع الزمان والمكان والصور الذهنية، ومن ثم فهي تندرج في حقل الدراسات الثقافية، فأصبح مذهبا اجتماعياً بديلاً عن سياسة الإدماج، وعليه التزامات من حيث الإقرار بحقوق المواطنين وهوياتهم الثقافية للجماعات التي هي ضمن مجتمعات التعددية .  فبين الواقع والمتخيل خط محمود سعيد أعمالاً متميزة تستمد جذورها من التاريخ، تضع أعماله بين أيدينا المقارنة بين عالمين مختلفين أي ثنائية الشرق والغرب، وتتضمن حمولات ثقافية ظاهرة ومضمرة، والملاحظ أنّ حياته ومؤلفاته وجهان لعملة واحدة أو لحقيقة واحدة، لاسيّما في روايات التعددية الثقافية، وعلى وفق ذلك حملتني الرغبة في الخوض في غمار تجربة الكتابة المسندة إلى الواقع الثقافي، ليحمل عنوان أطروحتي (روايات محمود سعيد دراسة في ضوء التعّددية الثقّافية)، ولأن الإلمام بروايات محمود سعيد أمر صعب المنال، إذ بلغت رواياته أكثر من عشرين رواية، فقد قادني ذلك إلى انتخاب العينة الأكثر تناولاً لموضوع التنوع والتعدد في المجتمع الواحد، التي تحمل سمات التعددية الثقافية، وهي:(زنقة بن بركة، الموت الجميل، نطة الضفدع، لست الأول، هزائم وانتصارات)، ضمن نمط الرواية المهاجرة و( صيد البط البري، ثلاثية شيكاغو، والشاحنة) ضمن نمط رواية الأقليات، واعتمدت في التقسيم  الأبطال الذين هاجروا إلى بلدان أخرى من دون حصولهم على الجنسية من الدول التي هاجروا إليها، ضمن الرواية المهاجرة، والأبطال المغتربين الذين حصلوا على الجنسية من الدول التي هاجروا إليها، ضمن رواية الأقليات .وجاء اختياري لهذا الموضوع بسبب ميلي إلى فن الرواية عموماً ولاسيما حداثة موضوع رواية التعددية الثقافية، لأنّ البحث في موضوع التعددية الثقافية  ما يزال  حقلاً وميداناً مهماً لم يشبع بالدراسات والأبحاث، ماعدا بعض القلة القليلة من الإسهامات التي لا تعدو أن تكون إسهامات نادرة، وهذا راجع إلى أنّ الدراسة ما بعد حداثية ولم يمضِ وقتٌ كافٍ لهضمها واستيعابها من طرف النقاد والباحثين، وكذا توضيح ملابساتها وفك رموزها وتناقضاتها، وقد طرق من قبل الباحثين والدارسين الذين خلفوا وراءهم عدداً من الدراسات والأبحاث في هذا المجال الواسع والمتشابك، من ذلك دراسة بعنوان( نزعات التعددية الثقافية في القرن الرابع الهجري، نور إسماعيل، دراسات فكرية جامعة الكوفة، بيروت،ط1، 2019) تبحث عن شذرات التعددية الثقافية في القرن الرابع الهجري عند العرب، لم تخض في مضمار المصطلح وتطوره وتطبيقه، ودراسة بعنـــوان ( التعددية الثقافية في رواية قبور في الماء، ل”محمد زفزاف، رسالة ماجستير جامعة محمد الصديق بن يحيى، الجزائر، 2018  )، لكنها لم تتناول المصطلح  وتحولاته إلى رواية التعددية الثقافية، ولم تتناول مميزات الرواية  من حيث تبنيها الواقع ما بعد الكولونيالي وجمالية الرواية الحديثة . وأيضاً عدد من البحوث  أهمها : (رواية التعددية  الثقافية دراسة في المفهوم وتطبيقاته، وحيدة صاحب، مجلة وميض الفكر، لبنان)  تناولت المصطلح بدون تطبيق، (والتعددية الثقافية وضغوطات الواقع في السرد الروائي، نوافل الحمداني، مجلة تامرا، العدد14، 2021) تناولت الدراسة تتبع ظاهرة التعددية من خلال التطبيق في روايات عراقية، وقد أفادت الباحثة من هذه الدراسات، وعدّتها العتبة الاولى في دراستها. ارتأينا أنّ نتناوله بالدراسة، من منطلق آخر مختلف يلم  بعناصر ومكونات المصطلح، يدرس ويحلل أنماطها كرواية تعددية ثقافية، بتكوينها الذي يميزها كرواية تجمع ما بين الواقع ما بعد الكولونيالي ومميزات الرواية الحديثة، وتحقيق أهدافها في تهميش المركز وإسقاطه واعلان مركزية الهامش، من خلال خطاب شرق غرب ومقدار التوافق بين العالمين.  من هنا جاءت إشكالية الدراسة تطرح التساؤلات الآتية: ما هي تحولات هذا المصطلح ؟ وكيف وصل إلى الرواية؟ مَنْ الذي أسس لها كرواية وهلْ وجدت على نمط واحد أم أنماط عديدة ، هلْ حققت روايات محمود سعيد مفهوم التعددية الثقافية؟ وهلْ تحققت أنماطها  في الرواية ؟ وهلْ صوّرت كتاباته صراع الذات مع الآخر وشعوره بالدونية مقابل الآخر الغربي؟ وهلْ تمكن من تحديد هويته الثقافية الجديدة التي ارتبطت مع هوية العربي المسلم؟ كيف كانت  سوسيولوجيا الهوية في رسم العلاقة المهيمنة مع المجتمع الغربي؟  وهل استطاعت رواية التعددية الثقافية لمحمود سعيد من تهميش المركز الغربي المستعمِر وإعلاء مركزية الشرق المستعمَر؟ هلْ جاءت ثقافة الأنا الشرقي “أقليات ومهاجرين” محاولات لتهميش ثقافة الآخر وإسقاطه؟ ما هو دور العنوان والمكان في إعادة الاعتبار للهامش؟ 

ولما كانت طبيعة الموضوع هي التي تفرض أو تحدد المنهج المتبع، اعتمدت دراستي هذه بشكل مباشر على المنهج النقدي الثقافي والدراسات الثقافية  بما فيها من تفرعات مثل الهوية والكولونيالية وما بعد الكولونيالية، وقد وجدت أنه من الضروري تهجين المنهج الثقافي بانفتاحه على بعض مقولات البنيوية الشكلانية للإفادة منها في الفصل الأول من خلال تحليل البنية السردية.     

وللإجابة عن هذه التساؤلات وتحقيق الأهداف، اتبعنا خطة، وهي تقسيم البحث على ثلاثة فصول، لكل فصلٍ مبحثان، تسبقهم  مقدمة للموضوع وتمهيد له وتعقبهم الخاتمة لأهم النتائج مع قائمة المصادر ثم ملحقاً يتضمن حياة  المؤلف وأعماله الأدبية.

وجاء التمهيد نظرياً تبرز فيه أهم الكلمات المفتاحية، وتعريف حول المصطلح فجاء بعنوان: تطور مفهوم التعددية الثقافية وعلاقتها بالرواية والوعي النقدي، وقد تضمن: التعددية الثقافية المصطلح ونشأة المفهوم وتطوره، ولمحة  عن التعددية الثقافية  وعلاقتها بالوعي النقدي،  وصولاً إلى الرواية وعلاقتها بالتعددية الثقافية.  

أما الفصل الأول الذي كان بعنوان: أنماط رواية التعددية الثقافية، فقد تضمن توطئة ومبحثين للفصل، تضمن التعريف برواية التعددية الثقافية وتقسيم أنماطها في ضوء تقسيم الروايات المختارة العشرة.

المبحث الأول:  نمط الرواية المهاجرة، وقد تناولت فيه خمس روايات من حيث الرؤية والبناء السردي وعلاقتهما بالتعددية الثقافية، والمبحث الثاني:  كان بعنوان رواية الأقليات،  تطرقت فيه أيضأً للرؤية والبناء السردي لخمسة روايات أخرى.

في حين جاء الفصل الثاني بعنوان:  الهوية وقد تضمن مبحثين تسبقها توطئة حول الهوية وتقسيماتها وعلاقتها بالثقافة والمجتمع، المبحث الأول: آيديولوجية الهوية، كيف ارتبطت الإيديولوجية مع الهوية وبيان العلاقات الأيديولوجية المهيمنة في السياسة والدين.   

       والمبحث الثاني: سوسيولوجية الهوية: كيف ارتبطت الهوية مع المجتمع، وبيان العلاقات المهيمنة في المجتمع.

أما الفصل الثالث فكان بعنوان: المركز والهامش، تضمن مبحثين وتوطئة  للفصل، تناولت فيه التعريف بالمركزية وتشكلها وتمركزها حول الغرب، ووضع الشرق في الهامش، وكيف حاولت رواية التعددية الثقافية  قلب هذا المفهوم وإعلان مركزية الهامش، أما المبحث الأول فقد جاء بعنوان: الكولونيالية وما بعد الكولونيالية ” الصراع ” بين المستعمِر والمستعمَر، وما قدمته رواية التعددية الثقافية من قلب المفاهيم  من أجل إعلاء مركزية الهامش الشرقي على حساب المركز الغربي.

أما المبحث الثاني فكان بعنوان: المكان الاصل والمكان البديل، تناولت فيه الصراع بين المكان الأصل والمكان البديل في المكان والعنوان، وكيف حاولت رواية التعددية الثقافية إعلاء شأن المكان المحسوس المهمش الشرقي، على حساب المكان المركزي الغربي وتهميشه، كذلك جاءت رواية التعددية الثقافية في إعادة الاعتبار لعتبة العنوان، وكيف أسهم في تهميش المركز وإسقاطه بين الشرق المستعمَر والغرب المستعمِر.

وطبعاً ليس لي أنْ أنهض بهذا البحث وحدي، بل كان لي أن استند إلى مجموعة من المراجع، أهمها: أوديسا التعددية الثقافية لويل كيمليكا، والتعددية الثقافية لعلي راتانسي ، وتطور الرواية الحديثة لجيسي ماتز، والكولونيالية وما بعدها لآنيا لومبيا، والاستشراق  لإدوارد سعيد،  والرد بالكتابة لبيل اشكروفت.

اترك تعليقاً