رسالة ماجستير أمير سعد / بعنوان: الأمراء المماليك الفقهاء في مصر وبلاد الشام (648-923هـ/1250-1517م)دراسة تاريخية

المستخلص

    إنَّ دولة المماليك في مصر والشَّام (648-923ه/1250-1517م) تُعدّ وريثة الدولة الأيوبيّة في أنظمتها السّياسيّة والإداريّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة ، كما كانت وريثتها في الجهاد ضد الفرنج الصّليبيين ، إذ استطاع المماليك حماية العالم الإسلاميّ من هجمات متعدّدة شكّلت مخاطر عليه في تلك المدّة  ، كما استطاعوا مواجهة هجمات المغول وهزيمتهم في عين جالوت سنة (658ه/1260م) ، ثمّ أصبحت دولة المماليك قوّة هائلة خدمت الحضارة العربيّة الإسلاميّة مدّة حوالي ثلاثة قرون ، إذ حكم السلاطين المماليك مصر والشّام والحجاز وامتدّ نفوذهم السّياسيّ إلى كلّ أنحاء العالم الإسلاميّ ، كما كانت دولتهم هي الأكثر تقديراً واحتراماً في العالم لذلك الوقت.

    لم تقتصر الأهميَّة في دولة المماليك على جوانبها السّياسيّة والاداريّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة ، وإنّما تعدّت ذلك ليكون للحياة الدّينيّة والفقهيّة أثرها المهم والفعّال لدى النّاس جميعاً ، منهم الأمراء المماليك الفقهاء ، ولذا ارتأينا دراسة هذه الحقبة المهمة في حياة الأمراء وتسليط الضوء عليها باعتبارها محور الجانب العلمي خلال تلك المدّة، وعلى الرغم من كثرة الدّراسات الّتي تناولت في كتاباتها دولة المماليك في جوانبها كافّة ، إلّا أنَّ الجانب المتعلّق بحياة الأمراء الفقهاء كان بحاجة إلى دراسة نستطيع من خلالها أن نسلّط الأضواء على هذا الجانب المهم في دولة السلاطين المماليك البحريّة (648-784ه/1250-1382م) ،ودولة السلاطين المماليك البرجّية (784-923ه/1382-1517م) ، لاسيما الاتّجاهات الفقهيّة لهم ، والمماليك الّذين لقّبوا بـ(الفقيه) ، فهذا منطلق اختيار الرّسالة الّتي جاءت بعنوان  (الأمراء المماليك الفقهاء في مصر وبلاد الشّام ” 648-923ه/1250- 1517م ” دراسة تاريخيّة).

أمّا أسباب اختيار هذه الدّراسة والبحث فيها :

    فتعدّ مصادر التّاريخ حافلة بسرد أحداث التّحدّيات والمعارك المملوكيّة  العسكريّة وتفصيلها وتحليلها ، ولكنّ الحديث عن دور الأمراء الفقهاء لم يذكر في كتب التّاريخ ومصادره بشكل مباشر أو دراسة مستقلّة ، ولهذا فإنَّ هذا الموضوع لم يدرس بحسب اطّلاعنا ، وإنَّه كيف لهذا الإنسان المملوك غير العربي من أصل تركي أو مغولي أو شركسي أن يستطيع الوصول لهذا المنصب والتّدرّج في الرّتب العسكريّة والدّينيّة ، ليصبح (فقيه) بعد أن درس اللغة العربيّة والدّين الاسلاميّ والفقه ، والحديث الشّريف والسّيرة وبرع فيها واعتنق أحد المذاهب الإسلاميّة المتعدّدة  كالمذهب الشافعي،  والحنفيّ ، والحنبليّ ، والمالكيّ ، و أصبحوا يتلقّبون بالفقهاء كما سنرى ذلك من خلال هذه الدّراسة ، مثل يشبك الفقيه ، وأرغون شاه الفقيه ، والأمير تغري برمش الفقيه ، وغيرهم الكثير كما ذكرت المصادر.

     ولم نجد أحداً من الكتّاب والباحثين ممَّن كتب عن دينهم ، وتفقّههم بصورة مستقلّة ، وإنّما مَا وَجدناه عبارة عن شذرات متناثرة في الكتبِ ، فأردنا  أنْ نجمع هذه الشَّذرات ونجعلها عقد منظوم مترابط متسلسل.

    أمَّا الدّراسات السّابقة:

    وجدنا مجموعة رسائل تناولت المماليك من جوانب مختلفة ، وهي : رسالة ماجستير قدَّمتها الباحثة سماح بنت سعيد عبد القادر باحويرث في المملكة العربيّة السّعوديّة بعنوان ( الأثر السّياسيّ و الدّور الإصلاحيّ للعلماء في عصر سلاطين المماليك ، 648ـ 923ه/1250ـ 1517م : دراسة تاريخيّة  حضاريّة)  ، ورسالة ماجستير للباحث  حيدر  مختار  في الجزائر بعنوان (الحياة المذهبيّة في مصر والشّام خلال عصر المماليك البحريّة) ، ورسالة ماجستير للباحثة شريفة بنت ردة بن عطية المالكي في المملكة العربيّة السّعوديّة بعنوان (الأمراء المماليك في القاهرة خلال عصر دولة المماليك البحريّة) ، ورسالة ماجستير للباحث مروان حمدي محمّد في جامعة سامراء بعنوان (الإسهامات الحضاريّة لأمراء دولة المماليك البحريّة في مصر ” 648- 784ه/1250- 1382م).

     لذا حاولنا جاهدين أنْ نشقَّ طريقنا بنهجٍ خاصٍّ ودراسة الموضوع بعيداً عن هذه الدِّراسات السّابقة الّتي استفدنا منها في بعضِ جوانبها ، وهنا لابدَّ منَ الإشارةِ إلى أنَّ  فصول هذه الدِّراسة جاءت متقاربة في حجمِها ، وهذا يشكّل تناسقاً منَ الناحية العلميَّة والمنهجيَّة الشّكليّة للدّراسةِ.

    ولا تخلو هذه الدّراسة  منْ صعوبات ، منها قلَّة المصادر الّتي تحدَّثت عن هذا الموضوع ، فضلاً عن أنّ الجانب الفقهيّ للمماليك لم يحظَ باهتمام مَن عاصرهم مِنَ المؤلِّفين.

    وقد اقتضتْ طبيعة الدِّراسة تقسيمها على ثلاثةِ فصول مسبوقة بمقدِّمة وتمهيد وتحليل للمصادر مشفوعة بخاتمة احتوت على أهمِّ النَّتائج الَّتي توصَّلتْ إليها الدِّراسة، وملاحق الدِّراسة، ومِن ثُمَّ قائمة بالمصادرِ والمراجعِ المستخدمة، وملاحق الدِّراسة، وملخَّص الرِّسالة بالّلغة الإنكليزيّة.

   جاء التَّمهيد بعنوان (التعريف بالفقه والمماليك)، تناولنا فيه تعريف الفقه لغةً واصطلاحًا، والتعريف بالمماليك والوظائف المتعلّقة بالأمراء.

   أمَّا الفصل الأوّل  فقد كان بعنوان (نشأة الأمراء المماليك  الفقهاء)  قسّم على مبحثين، كان المبحث الأوَّل بعنوان (بدايات ظهور الأمراء المماليك الفقهاء)  تناولنا فيه نشأة المماليك الفقهاء وكيفيَّة شرائهم وجلبهم وتربيتهم ، ولغتهم العامَّة والخاصَّة وحياتهم وثرواتهم ، والمبحث الثَّاني كان بعنوان (تعليم الأمراء المماليك الفقهاء) تطرَّقنا فيه إلى كيفيَّة تعليم المماليك الفقهاء وطريقة أخذهم للعلم من الشّيوخ.

   أمَّا الفصل الثَّاني فتضمَّن (إسهامات الأمراء المماليك الفقهاء الدِّينيّة والعلميّة والعمرانيّة) ، واشتمل على مبحثين ، كان المبحث الأوَّل بعنوان (اسهامات الأمراء المماليك الفقهاء في الفقه والحديث والسّيرة) تناولنا فيهكيفيّة تعلّم المماليك الفقهاء للفقه وطريقة اكتسابهم للحديث وعلوم القرآن والقراءات ، فضلاً عن مذاهبهم الفقهيّة ،أمَّا المبحث الثّاني فتحدّث عن (اسهاماتهم  في العلم والعمران وبناء دور العلم) ، تناولنا فيه نشاطات المماليك الفقهاء في بناء المدارس والجوامع ودور العلم ، وكذلك نتاجهم العلميّ والأدبيّ.

    وجاء الفصل الثّالث بعنوان (النشاط السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ للأمراء المماليك الفقهاء) ، واشتمل على ثلاثة مباحث ، كان الأوَّل بعنوان(النشاط السّياسيّ) واحتوى على سياسة المماليك الفقهاء وكيفيّة حصولهم السّلطة ووظائفهم والمعارك والاغتيالات الّتي حصلت من أجل السّلطة، أمَّا المبحث الثّاني فحمل عنوان(النشاط الاقتصاديّ) درسنا فيه النَّشاطات الاقتصاديّة للمماليك الفقهاء والّتي تحتوي على الزّراعة والثّروة الحيوانيّة والصناعة والتّجارة ومواردهم ونفقاتهم ،  والمبحث الثَّالث حمل عنوان (النشاط الاجتماعيّ)، تناولنا فيه موقف المماليك الفقهاء من الفقراء وكيفيّة تعاملهم معهم، وزيّ المماليك الفقهاء وعلاقاتهم الاجتماعيّة ، فضلاً عَن موقفهم مِنَ الأعياد والمناسبات ، وكذلك تأثير الأمراض والأوبئة عليهم وموقفهم منها .

اترك تعليقاً