You are currently viewing رسالة ماجستير علي رشيد / بعنوان: السيرة النبوية في العهد المكي من خلال تفسير الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي(ت427هـ/1036م)  دراسة تحليلية نقدية

رسالة ماجستير علي رشيد / بعنوان: السيرة النبوية في العهد المكي من خلال تفسير الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي(ت427هـ/1036م)  دراسة تحليلية نقدية

المستخلص

بعث الله سبحانه وتعالى النبي محمد(صلى الله عليه وسلم) رسولاً أميناً ومعلماً مبيناً الى العالم أجمع، بعد أن ضاعت معالم الرسالات السماوية السابقة، وتحرفت تعاليمها، وضعف أثرها في الحياة الإنسانية، فكانت رسالته تجديدا لدعوة التوحيد التي بعث بها سائر الأنبياء والمرسلين، ليكون النبي الخاتم الذي بشر به الأنبياء السابقون (عليهم السلام)، وقد صرَّح القرآن الكريم على لسان النبي (r) بأن هذا الدين قد بلغ طوره الأخير من الكمال والوفاء بحاجات البشر، فقال تعالى:ﱡ… ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ  ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ …ﱠ ([1])، وكذلك وصف الله سبحانه في القرآن الكريم رسوله (صلى الله عليه وسلم) الذي ختم به النبوة، بصفات تشير إشارة بليغة إلى خلود رسالته، وكونه قدوة صالحة وأسوة حسنة في كل عصر وجيل، وأن الاقتداء به هو طريق النجاح والسعادة في الدنيا والآخرة، فقال تعالى:ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ  ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ  ﱠ([2])، إذ جمع الله سبحانه وتعالى جميع صفات الكمال البشرية بشخص النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولن نتمكن من الاقتداء بها وأتباع ما سار عليه ؛ ما لم نقف على  سيرته وندرسها ونتعرف عليها، لأنها تجسيداً حيًّا لجميع تعاليم الإسلام، ومدرسة عظيمة لا غنى للأمة الإسلامية عنها في مختلف الأزمان والأوطان، فهي دستوراً شاملاً  لجميع نواحي الحياة  الانسانية، وتوضح للمسلم كل المواقف الحياتية التي عاشها رسول (صلى الله عليه وسلم) بدقائقها وتفاصيلها ابتداء من ولادته وحتى وفاته، فضلاُ عن ذلك فهي تعد أصدق وأصح سيرة لتاريخ نبي مرسل أو عظيم مصلح عرفتها البشرية ؛ إذ وصلت إلينا بأصح الطرق العلمية وأقواها ثبوتاً مما لا يترك مجالا للشك في وقائعها البارزة وأحداثها الكبرى، وليس بين أيدينا مصادر موثوقة لسير الأنبياء عامة إلا ما ورد منها في القرآن الكريم، فلم تصل إلينا الروايات التي تذكر تفاصيل حياة الانبياء والرسل السابقين بالقدر والتفصيل الذي ذكرت به سيرة نبينا محمد(صلى الله عليه وسلم)،  والتي جاءت على ألسنة الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان  حتى دونت على وفق تفاصيل لم يخف منها شيء، حتى أصبح القارئ  لسيرة النبي (r) كأنه يراه ويعايشه ويشاهده تماماً ؛ لوضوحها وشمولها ، وعلى الرغم من ذلك الوضوح والشمول إلا إن هذا لا يعني عدم احتوائها على بعض الاختلافات الطفيفة  الواردة فيها، كالاختلاف في تاريخ الحادثة سواء في اليوم أو الشهر وحتى السنة، أو عدم الاتفاق على أسم الصحابي الذي ورد أسمه في بعض الحوادث، أما في جوهرها ومضمونها فلا اختلافات تعتريها، كحادثة الأسراء والمعراج التي أختلف في تحديد زمنها قبل الهجرة الى المدينة وهل كانت بالروح أم بالروح والجسد، لكنها حادثة وقعت وأشار إليها القرآن الكريم الذي يعد أوثق مصدر عرفه المسلم، فالسيرة النبوية بمفهومها الواسع والشامل هي التطبيق العملي للوحي الرباني، لأن القرآن الكريم دعوة تعليمية توجيهية، وسيرته (صلى الله عليه وسلم) دعوة تطبيقية عملية، وبهذا التلاقي تحققت المثالية الإسلامية في مجال الواقع، والتقت الفطرة البشرية مع الوحي الإلهي العظيم، وتجسدت في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي جعل القرآن تطبيقا عمليا في خُلُقه وسلوكه.

      استمرت البعثة المحمدية ثلاث وعشرين سنة، أقام خلالها رسول الله (r) في مكة ثلاث عشرة سنة، والمدة الباقية عاشها في المدينة المنورة بهجرته (صلى الله عليه وسلم) إليها، علماً أن العهد المكي كان بمثابة عهد التأسيس للدعوة الإسلامية  ففي مكة نزل الوحي بالقرآن الكريم على النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي قرَّر دلائلَ التَّوحيد وكَشَفَ الشِّركَ الذي كان عليه الناس، واثبت البعث والنُّشور والجزاء في اليوم الآخر، ودعا الى مكارم الأخلاق والمساوات بين الناس جميعاً في الحقوق والواجبات، وكل هذه المفاهيم التي قدمتها الدعوة كانت مفاهيم جديدة لم يكن العرب يعرفونها ولم يكونوا يؤمنون بها ولاسيما عقيدة التوحيد، التي تعارضت مع المعتقدات الوثنيَّة المتغلغلة في حياتهم، لذلك نجد أن الدعوة في مكة لم تكن أمرًا سهلاً على الأطلاق، بل كانت في غاية الصعوبة  والمشقة، وقد سجل القرآن الكريم في كثير من آياته  افتراءات المشركين على الإسلام ونبيه محمد(صلى الله عليه وسلم) بمواقف ومشاهد عديدة قبل هجرته الى المدينة،  وبالتالي نجد أن كتب التفاسير قد أوضحت وشرحت  هذه الآيات من خلال ما يعرف بأسباب النزول، فكانت دراستنا للمرويات التاريخية الواردة في تفسير الثعلبي والتي جاءت بعنوان (السيرة النبوية في العهد المكي من خلال تفسير الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي (ت427هـ / 1036م) دراسة تحليلية نقدية )، وقد اقتصرت دراستنا على العهد المكي؛ لوجود دراسة تضمنت العهد المدني من الكتاب نفسه . 

       أما المنهج الذي أتبعناه في أنجاز هذه الدراسة فتمثل بجمع ما دونه الثعلبي من الأحداث التاريخية الخاصة بالسيرة النبوية في العهد المكي، والتي كانت متفرقة في تفسيره للآيات القرآنية إذ لم ترد وفق التسلسل الزمني، فوضعنا هذه الروايات بلفظها الذي وردت فيه، بعد أدراجها في العناوين الدالة عليها، مراعين بذلك تسلسلها الزمني لدى المؤرخين الا للبعض القليل منها للحفاظ على وحدة الموضوع، كما عمدنا الى مقارنة الاخبار الواردة في تفسير الثعلبي مع المصادر الأخرى سواء من كتب السيرة المشهورة  أو كتب الحديث النبوي الشريف، وبيان جوانب الاتفاق والاختلاف بينهما، مع اعطاء الآراء والأحكام وتحليلها ونقدها بالاعتماد على أقوال العلماء من القدامى والمعاصرين الى جانب ما اجتهدنا به، فضلاً عن تخريج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي ذكرها الثعلبي، وترجمة العديد من الاعلام التي ذكرت أسمائهم في الدراسة، الى جانب تخريج الابيات الشعرية من كتب الأدب، وتوضيح المصطلحات اللغوية والألفاظ المبهمة والتعريف بالأماكن وأسماء البلدان والقبائل التي ذكرت اعتماداً على المصادر المختصة بذلك .


([1])سورة المائدة ، الآية (3).

([2])سورة الأحزاب ، الآية (21).

اترك تعليقاً