المستخلص
يُعد اقليم بلاد ما وراء النهر من اهم اقاليم وثغور المشرق الاسلامي ، اذ لعب دورا مهما وكبيرا في مجرى الاحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية وقيل عن هذا الاقليم انه من أنزه النواحي واخصبها واكثرها خيرا وليس به موضع خال من العمارة ان كانت مدينة او قرية او مزرعة او مرعى … وسكانها اهل خير وصلاح في الدين والعلم والاخلاق”([1]) ،وفق هذه الرواية يمكن ان نرى اهمية بلاد ما وراء النهر من جوانب متعددة، فقد كانت مدنها تزخر بالعلماء والمفكرين الذين كانت بصماتهم واضحة على مدى العصور ، كما ويعد موضوع الدراسة التي بين ايديكم والموسومة بعنوان( مدن بلاد ما وراء النهر في كتاب اللباب في تهذيب الانساب لابن الاثير(ت630هـ/1232م) دراسة في احوالها العامة) موضوع ذو اهمية كبيرة؛ كونه من الموضوعات المهمة ذات البعد الواسع والذي يزود القارئ بالكثير من المعلومات عن مدن ونواحي ومواقع في بلاد ما وراء النهر وقراها الكبيرة ولعل الهدف من الدراسة في ذكر كل ما رواه او سمعه او نقله بن الاثير عن هذه المدن ومقارنته بالمصادر الاخرى، اذ جاءت معلوماته عن مدن ونواحي بلاد ما وراء النهر في كتابه اللباب في تهذيب الانساب والذي هو احد كتب النسبة المهمة اثناء ذكره للانساب ومن ينسبون الى هذه المدن او النواحي وغيرها معتمدا بشكل اساسي على السمعاني(ت562هـ/1166م) وقد هذب بنقله لعدد الشخصيات المنتسبة لكل نسبة وكان يضيف شخصيات او نسب قد فاتت السمعاني او غفل عنها، وقد تميز بن الاثير عن السمعاني بذكره لبعض النسب والمدن التي قد فاتت السمعاني فمثلا نسبة الافراني والتي هي نسبة الى أفران وهي قرية من قرى نسف ذكرها السمعاني وقد تميز بن الاثير عن السمعاني اذ انه كان اكثر دقة فذكر قريتين مختلفتين لنفس الاسم الا ان الاختلاف هو بالهمزة والمد(أفران، آفران) واورد انها قد فاتت السمعاني وذكر لكلا القريتين اشخاص مختلفين ، كما قد فاته قرية برسان والتي هي قرية من نواحي سمرقند، وان اكثر ما يثير الانتباه هو ذكر بن الاثير لمدينة سمرقند وعدم ذكر السمعاني لهذه المدينة ويمكن القول من باب التعليل قد يكون السمعاني لم يذكرها لان الصفحات التي وردت بها هذه النسب والقرى قد اتلفت او ضاعت وهذا الامر شائع او قد يكون السمعاني على عداء مع اهل سمرقند ، وقد اورد بن الاثير ان السمعاني قد فاته إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن عقيل بن الأشعث الأشعثي السمرقندي وذكر انه فات السمعاني رغم انه روى عنه، ولم يذكر ايضا عبدالله بن محمد بن يعقوب بن الحارث الكلاباذي الفقيه البخاري فعلى الرغم من ان السمعاني قد ذكره واخذ منه وقد لقبه بالاستاذ و في صفحات اخرى كان السمعاني قد ذكر سنة وفاته ووضعه ضمن نسبة الاستاذ وهنا قد يكون بن الاثير قد اخطأ حين قال انه قد فاته ذكره ، وقد اورد بن الاثير ان السمعاني قد فاته النسبة الى بني الحليمي وهم بيت علم بنسف على الرغم من انه قد ذكر نسبة الحليمي ، وقد شملت دراسة ابن الاثير على المدن والنواحي والقرى المتعارف عليها في بلاد ما وراء النهر ومع ذلك لم يقدم لنا تفصيلات وافية لما تعنيه هذه التعابير والتغيرات الجغرافية والاقتصادية والسكانية التي مرت خلال العصور، وقد ترك جانبا مهما من دراسة المدن ولاسيما خطط المدينة والانهار والاسوار والقلاع والحصون ودار الامارة ودور الحديث والدور العلمية والحمامات والاسواق والخنقاهات والخانات والسكك والدروب وغير هو ذلك مما يميز بناء المدن بيد انه ذكر الشيء اليسير عنها وقد ذكر الشيء النادر عن المساجد والربط والقصور والقلاع ولم يذكر مدارس او بيمارسمانات او مشاهد ومقابر وشيء قليل تضمن جوانب عمرانية وحضارية وكانت معلوماته عنها شحيحة بفضلا عن ان هناك مصادر اخرى سبقته وتناولت تلك الجوانب، كما ان هناك كتاب مختصر لكتاب اللباب في تهذيب الانساب والذي قام بأختصاره السيوطي بجزء واحد وسماه لب اللباب في تحرير الانساب والذي اقتصر على ذكر النسب والنسبة فقط ولم يتطرق الى من ينتسب اليها.
وقد افادت الدراسة من دراسات اخرى هي احوال العرب العامة في بلاد ما وراء النهر من الفتح العربي الاسلامي حتى نهاية القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي لشيماء فاضل عبد الحميد العنبكي، اطروحة دكتوراه في جامعة بغداد /كلية التربية للعلوم الانسانية عام 2014م وتكمن اهمية الدراسة في كونها تناولت مدن واقاليم بلاد ما وراء النهر واحوالها العامة ومراحل فتحها واحوال العرب فيها كما اعتمدت دراسة اخرى وهي رسالة ماجستير بعنوان بلاد ما وراء النهر في كتاب الانساب للسمعاني (ت562هـ/1166م) دراسة في احواله العامة /جامعة ديالى كلية التربية للعلوم الانسانية عام 2021م، واعتمد الباحث في هذه الدراسة على المنهج الوصفي في ذكر المادة العلمية التي جاء بها بن الاثير في كتابه اللباب عن مدن ونواحي بلاد ما وراء النهر مع مقارنة هذه المادة العلمية بمعلومات اخرى من مصادر متعددة والخروج بنتيجة مهمة مفادها هل ان المعلومات التي اوردها بن الاثير بخصوص تلك المدن كانت كافية وملمة بالموضوع ام لا وهو ما بينته الدراسة لاحقا.
[1])) القزويني، زكريا بن محمد بن محمود (ت682هـ)، اثار البلاد واخبار العباد، دار صادر،(بيروت – د.ت)، ص557.