أطروحة دكتوراه غسان عبد خلف / بعنوان: تمثّلات البلاغة الجديدة في الدراسات العربية المعاصرة

المستخلص

فإنّ البلاغة سمة أصيلةٌ من سِمات العربيّة، وهي واحدةٌ من أقدمِ عُلومِها، بل وأقدسها بعد النحو، فلا مجال لإنكارِ سبقِ هذه السمة في الحفاظِ على العربيّة، ولعلّ العربيّةَ ـــ بوصفها لغةً ـــ لم تمت مثلَ سائرِ لُغاتِ الأقوامِ الأخرى؛ لأنّها لُغة دينٍ فحسب، بل لأنّ الله تعالى وسمها بسماتٍ أخرى، أعطتها الحريّة في الاستيعاب والتجدد والسّعة، وإنّي أرى أنّ عُلومها كانت وما تزال سهلة مرنة، مُقدّرٌ لها أن تسير على منهج المقاومة والاستمرار، وهي في الوقت ذاته ستظلّ صَلدة عصيّة على كلّ عوامل الفناء والانقراض، أو التغيير والانحراف.

ومعلوم أنّ اللغات البشريّة تكتسب صفة الثبات والبقاء كلّما كانت قادرة على تفسير النظريات واستيعابها، وهي التي تتجدد فيها اللغات الأخرى، تمامًا كقدرتها على استيعاب مصطلحات بقيّة اللغات وألفاظها.

ومن هنا كانت أهميّة دراستي هذه؛ إذ إنّها تُعنى بدراسة المفاهيم المُستحدثة في البلاغة العربيّة، سواء أكانت نظريّاتٍ دخيلة، أم عربيّة مستحدثة؛ لِما لتلك النظريّات والمفاهيم من أهمّية في تطبيقها على النصوص العربيّة، أدبيّة كانت أم عامّة، وكانت هذه الأطروحة في أهمّ أهدافها تحاول جاهدةً أن ترصد المحاولات النظرية، التي انبثقت حديثًا في الدراسات العربية المعاصرة، وهي تحاول تجديد البلاغة العربيّة، انطلاقًا من أصول غربيّة أحيانًا، وأخرى عربيّة أصيلة، فكان لزامًا أن يكون عنوان الدراسة: (تمثّلات البلاغة الجديدة في الدراسات العربية المعاصرة)؛ وذلك لما لمصطلح (البلاغة الجديدة) من أثر في الساحة النقديّة، ولا سيّما بعد التحولات الكبرى التي رافقت التطوّر العربي على صعيد الفكر واللغة؛ فظهرت أدوات مُستحدثة كانت تبتغي جاهدة أن تُغيّر الواقع المعيش لدى تلك الشعوب، وكان هذا أول دافع لخوض غمار البحث في هذه الأرض البكر، وممّا دفعني ثانيًا، وشجّعني لأن أنحو هذا المنحى هُم أساتذتي في قسم اللغة العربيّة؛ فلهم يعود الفضل بعد توفيق الله، حينما شدّوا على يديّ، ووضعوا ثقتهم بي محلّ اعتبار ويقين، فحملتها وتجشّمتُ الصعاب في هذا الموضوع على حَرْفٍ من الجِدّة، وعلى قلّة المصادر واضطراب المنهج المخصص لهذه الدراسة، ثمّ عزمتُ أمري بعد أن توكّلتُ على الله الحيّ القيّوم، وأسررتُ في نفسي مُرددًا: أيّها الفتى، كُلّما قَلَّ الوُرّاد طابَ المورِدُ وَزَكى، وما ذاع صيتُهُ مُنتهكٌ؛ فدعكَ من كُلّ منتهكٍ ذائعٍ وتمثّل قول الشاعر:

وَلَنْ تُصادِفَ مَرعًى مُمرّعًا أبدًا      إلّا وجـــدتَ بــــهَ آثــــارَ مُنتجِـــعِ*

       والباحث لا يغفل الجهد الجامعي الكبير الذي قدّمته العديد من الدراسات؛ إذ إنّها تُشكّل المادّة الأساس لبحثِ جانبٍ مهمٍّ من جوانب (البلاغة الجديدة) على حدة، وهي إذ قدمت منهجًا مباركًا، إلّا أنّها لا تلتقي مع الرؤية الشموليّة التي اتخذتها دراستي.

       ومن أهم تلك الدراسات: (البلاغة الجديدة دراسة في مفاهيم الشعريّة واللسانيات المعاصرة)، وهي أطروحة دكتوراه قدّمها الباحث وليد فرحان علي، تحت إشراف               د. فائز هاتو الشرع، في الجامعة المستنصريّة، كلية الآداب، عام 2014م، وكذا رسالة الماجستير الموسومة بـ ((تلقي البلاغة الجديدة في النقد المغاربي)، للباحث الحسين سونة، جامعة مولود معمري ــ تيزي وزو ــ كلية اللغات ــ قسم الأدب العربي ــ الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. فضلا عن رسالة الماجستير الموسومة بـ (بلاغة الجمهور في النصّ التراثي، كتاب الأغاني أنموذجا)، للباحثة ميس فرات محمد، جامعة البصرة، كلية التربية للعلوم الإنسانية، قسم اللغة العربية، تحت إشراف د. هناء عبد الرضا رحيم، عام 2021م، فضلًا عن دراساتٍ أُخر، قد يطول المقام بذكرها هنا.

       ولقد انطلقتُ من المنهج الذي قامت عليه تلك الدراسات، مع ما قَدّمتهُ المراجع النقدية المعاصرة بهذا الجانب النقدي، ثمّ تقدّمت بخطوات حذرة نحو منهجٍ نقد النقد؛  فكان الأنسب لدراسةٍ كهذه؛ إذ تُحلّلُ المُصطلحات والدراسات النظرية والتطبيقيّة، محاولًا استنباط رؤيةً نقديةً شموليةً للبلاغة الجديدة، ومن ثمّ تفصيل الآليّة التي من خلالها سأقوم بنقد النصوص، سردية كانت أم شعرية، أم عامّة.

       ولقد اعتمدت الأطروحة على مصادر عدّة في البلاغة الجديدة، ولقد تطلّب المنهج تقسيمها على ثلاثة فصول، يتقدّمها تمهيدٌ، بيّنتُ فيه محاولات التجديد في البحث البلاغي العربي المعاصر، إذ درست في القسم الأول منه تأصيل المصطلح، وتطوّر المفهوم عربيًّا وغربيًأ، وأمّا القسم الثاني منه فقد بحث بدايات التجديد في مفهوم البلاغة الموسّعة عربيًا.


* عيون الأخبار: 4/11. 

اترك تعليقاً