رسالة ماجستير أيثار ماجد / بعنوان:شخصّية المثقف في روايات سعد محمد رحيم

المستخلص

    يعد مفهوم المثقف وتفرعاته، من القضايا المهمة، التي شغلت عناية الباحثين والمفكرين, لا سيّما في مدونات ما بعد الحداثة، التي تناولت موضوعات حول الأنساق الثقافية وأثرها، في التكوين الثقافي والمعرفي لمجتمع من المجتمعات, فضلًا عن تناولها قضايا مختلفة مثل الاستشراق, والنسوية, والذات وعلاقتها بالآخر وغير ذلك من القضايا.    

    إنّ الحديث عن الثقافة والمثقف في الغرب، شكّل حيزاً واسعاً من الدراسات والصفحات؛ فتناولت إشكاليةً تتعلق بتحديد مفهوم الثقافة, ومن هو المثقف؟ وما دوره في المجتمع, وما وظيفته, وما موقعه في مجتمعه؟ فالنسق هو من يبرز شخصية المثقف وموقعه ووظيفته وشخصيته المثقفة .

    إنّ أهمية الموضوع شغلت الدارسين العرب، بعد وفود المصطلح إلى التنظير والكتابة عن الثقافة والمثقف، مثل الدكتور محمد عابد الجابري والدكتور علي حرب اللذينِ امتلكا مشروعاً ثقافياً أو نقدياً، فيعد إدوارد سعيد من أبرز المفكرين الذين تناولوا قضية الثقافة والمثقف في كتبه، ومن المفكرين أيضاً  الكاتب والروائي العراقي سعد محمد رحيم، الذي شغل باله  مفهوم الثقافة ومصطلح المثقف، ويوجد شبه إجماع من المفكرين، على أنّ مفهوم المثقف، لا ينحصر في أصحاب الاختصاصات الجامعية، ولا ما يفتك بالمجتمع، بل المثقف هو صاحب مشروع فكري وحضاري، هو غريب عن مجتمعه لأنه فريد في أفكاره وتصوراته، هو ذكي جريء شجاع لا ينخدع بالشعارات البراقة والأحزاب الضيقة،  إنه صانع المعرفة ومنتج الأسئلة.

     انتقل هذا الهمُّ أو الإشكالية حول معنى الثقافة إلى الدراسات الأدبية والنقدية بوصفها منهجاً حديثاً ومهماً في التحليل، فاحتلَّ مصطلح المثقف موقعا مهماً لدى الكتَّاب والأدباء في أعمالهم الإبداعية شعراً ونثراً ، فكانت دراسة الدكتور عبد السلام محمد الشاذلي شخصية المثقف في الرواية العربية الحديثة/ 1882 ــ 1952م من بواكير الدراسات، إذ صدرت عن دار الحداثة بالقاهرة 1985م، ومن ثم تبعه الباحث رياض وتار، في كتابه شخصية المثقف في الرواية العربية السورية الصادر عن اتحاد الكتاب بدمشق 1999م،  فضلاً عن دراسة الدكتور عقيل مهدي يوسف في شخصية المثقف في الرواية العراقية الجديدة/ نماذج منتخبة، الذي صدر عن وزارة الثقافة العراقية 2018. ورسالة الماجستير المعنونة بـ صورة  المثقف في روايات فؤاد التكرلي التي قدمتها الطالبة آلاء قحطان عبد الرحمن  في قسم اللغة العربية – كلية التربية للعوم الإنسانية–جامعة ديالى 2014.

    ولسنا هنا في مجال الإحصاء لكل الدراسات، التي وضعت في هذا المجال، وإنما اللافت هذا الثالوث الشخصية، المثقف، الرواية، الذي يدفع الباحث للتساؤل عن أهمية الرواية والشخصية لاختيارها ودراستها؟

    يمكن الإجابة بأنّ عناية الساحة الأدبية، في الحقبة الأخيرة بالرواية كتابةً ودراسةً ونقداً، وهذه الحظوة والمكانة، التي نالتها الرواية نابع من الإيمان بأهميتها في معالجة الكثير من القضايا الاجتماعية والمشكلات الفكرية، إذ احتلت العناصر السردية المختلفة كالزمان والمكان والشخصيات والحدث وغيرها، مساحة واسعة من التحليل والنقد في معالجتها، ونال عنصر الشخصية من أقلام الدارسين عناية ً بالغةً،  لأنها تشكل روح النص وحيويته، فضلاً عن تداخلها مع بقية العناصر السردية، فالشخصية الروائية ترتبط بأهمية الفن الروائي, إذ يستحيل وجود رواية بلا شخصيات, فالأحداث لا بد لها من شخصيات تقوم بها, والصراع الدرامي لا يمكن أنْ ينشأ لولا الشخصيات، التي تعبر عن أفكارها ومواقفها السياسية, والاجتماعية, والفكرية, وغير ذلك من القضايا، التي تخص الحياة الإنسانية.  

   وعليه يمكن القول أنّ ما شجعني على اختيار موضوع الدراسة، الذي حمل عنوان شخصية المثقف في روايات سعد محمد رحيم توجية الدكتور فاضل عبود التميمي  الى الكشف عن الكاتب والروائي سعد محمد رحيم رحمه الله بتحديد مفهوم المثقف, والدليل على ذلك، أنّه خصص كتابين تناول فيهما مفهوم المثقف والثقافة, مستعرضًا آراء المفكرين حول هذين المفهومين، ومبينًا رؤيته الفكرية للمثقف، فضلاً عن إبداعه في مجال القصة والرواية، والعدد الكبير الذي ألفه في هذا المجال، محاولاً تضيمِّنَ رؤيته حول الثقافة والمثقف، في شخصياته التي اتسمت بالتمرد والجرأة حيناً، والتخاذل والسلبية حيناً آخر.

وقد اتبعت الرسالة آليات الدراسات الثقافية بما يتلائم ومفهوم الثقافة واجراءات التطبيق في الرسالة، فاقتضت طبيعة الرسالة مدخلاً، يتحدث عن مفهوم الثقافة منذ ظهور المصطلح تاريخياً ثم بيان تطوره في المجتمعين الغربي والعربي, بدءاً من التعريفات  البسيطة انتقالاً إلى الفلسفات والمشاريع الفكرية، التي نشأت حوله، ومن ثمَّ قدمتُ سيرة موجزة عن الروائي سعد محمد رحيم, ذكرتُ فيها رواياته, ومجموعاته القصصية, وأعماله الفكرية, والجوائز التي حصل عليها.

     فجاء الفصل الأول بعنوان شخصية المثقف والقضايا الاجتماعية والفكرية وهو على مبحثين, درستُ في المبحث الأول شخصية المثقف والقضايا الاجتماعية يكشف موقف الشخصية الأنثوية المثقفة من القضايا الاجتماعية, ولاسيّما قضية الحب, والتسلط الذكوري، والعادات والتقاليد، كما كشفت الدراسة عن موقف الشخصية الذكورية من المرأة والقضايا المرتبطة بها، أمّا المبحث الثاني فجاء بعنوان شخصية المثقف والقضايا الفكرية الذي تناولتُ فيه الاتجاه الواقعي والوجودي، الذي برز لدى الشخصيات المثقفة في روايات سعد محمد رحيم، فقد برز الاتجاه الواقعي في تصوير الشخصية لمعاناتها في مجتمعٍ أضفى عليها إحساسًا بالغربة النفسية, والوجودي، المتمثل في إيمان بعض الشخصيات بعبث الحياة الإنسانية, فضلًا عما شغلها من تفكير بمفهومات تخص الوجود الإنساني مثل الحرية والعدالة, والصداقة والحياة وغير ذلك.

     وجاء الفصل الثاني؛ فحمل عنوان  شخصية المثقف والقضايا السياسية وهو مقسمٌ على مبحثين: خصصتُ المبحث الأول لدراسة الشخصيات المثقفة في روايات سعد محمد رحيم, ومواقفها من القضايا السياسية, فتحدثتُ عن تبني بعض الشخصيات للفلسفات السياسية كالاشتراكية والفكر اليساري والبرجوازية والرأسمالية, واستعرضت بعد ذلك مواقف الشخصيات المثقفة من  التسلط والاستبداد السياسي.

    والمبحث الثاني من هذا الفصل، جاء بعنوان شخصية المثقف ومواقفها الوطنية والقومية تحدثت فيه عن مواقف الشخصيات المثقفة من الحرب والتي حملت أبعادًا مختلفة, منها: الوطني والقومي.

      أمّا الفصل الثالث والأخير، فقد خصصته لدراسة الشخصية من الناحية الفنية, في مبحثين, تناولتُ في المبحث الأول أنماط الشخصيات، التي انقسمت على رئيسة وثانوية، تحدثنا فيها عن موقع كل شخصية وانعكاساتها داخل الرواية.

وفي المبحث الثاني طرائق تقديم الشخصيات في رواياته، التي تنوعت بين الطريقة المباشرة عن طريق الوصف، والطريقة غير المباشرة عن طريق تفاعل الشخصيات مع بعضها أو عن طريق الحوار، ومن ثمَّ جاءت الخاتمة، التي دوَّنتُ فيها أبرز النتائج. ولابد من ذكر الدراسات السابقة حول المنجز السردي لسعد محمد رحيم ومنها: الرواية الاستقصائية ،تأصيل المصطلح وتطبيقاته،  سعد محمد رحيم أنموذجاً: محمد جبير، دار نينوى، دمشق، 2018م. و البنية السردية في روايات سعد محمد رحيم،  نور جواد كاظم الكركوشي، رسالة ماجستير، جامعة كربلاء، كلية التربية للعلوم الإنسانية، قسم اللغة العربية، 2018م.

والتجريب في روايات سعد محمد رحيم، كلينة رمزي محمد، رسالة ماجستير، جامعة كركوك، كلية التربية للعلوم الإنسانية، قسم اللغة العربية، 2021م. فضلاً عن الخطاب السردي في القصص القصيرة لسعد محمد رحيم، تقديم: معن مزعل شهاب أحمد، رسالة ماجستير، جامعة كربلاء، كلية التربية للعلوم الإنسانية، قسم اللغة العربية، 2022 م. فضلاً عن )ماوراء الرواية في سرديات سعد محمد رحيم (  احلام عدنان.

اترك تعليقاً