المستخلص
إنَّ اللغة العربية تمتاز بمرونتها، وشيوع الألفاظ الحضارية الدخيلة عليها ظاهرة لغوية طبيعية، فلا يؤثر ذلك في أصالتها الممتدة منذ العصور الأولى. فضلا عن أنها تميزت بحفظ الهي مقدّس؛ إذ إنَّ الله سبحانه وتعالى اختارها من بين سائر اللغات لتكون لغةً لكتابه الكريم فقد قال عز وجل: {بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ} [الشعراء: 195]، ثم أضفى عليها حفظه بقوله:{إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} [الحجر: 9].
ثم إنّ اللغة هي كائن حيّ تنمو وتتطور مع مرور الوقت حيث توّلد ألفاظاً حضارية جديدة باستمرار، متماشية مع تطور الحياة الاجتماعية والتجارية والاقتصادية والسياسية والفنية والادبية والزراعية وغيرها. الأمر الذي استدعى عناية الدارسين اللغويين المحدثين إلى دراسة الالفاظ الحضارية في اللغة العربية؛ إذ كان مجمع اللغة العربية في دمشق الذي تأسس عام 1919 م كان في طليعة من عُني هذا الموضوع، فقد كان على رأس اللغويين الذين انكبوا على البحث في هذا المضمار المرحوم محمود تيمور(ت:1973م) فقد نشرت مجلة المجمع العلمي عام 1922 مقالاته حول الموضوع. وأيضا من الرواد الاوائل المرحوم أحمد لطفي السيد رئيس مجمع فؤاد الأول (في المدة 1945-1963) الذي وجه بإنشاء لجنة ألفاظ الحضارة في المجمع. ولم تشر الدراسات التي ذكرت رواد البحث في ألفاظ الحضارة إلى اسم الشاعر معروف الرصافي (1875-1940)، الذي نشر معجماً كاملاً لألفاظ الحضارة في اللغة العربية عام 1919 قبيل إنشاء أول مجمع عربي، وهو المجمع العلمي العربي بدمشق. وعنوان المعجم الذي صنّفه هو: (الآلة والأداة وما يتبعها من الملابس والمرافق والهنات) وهو عنوان يكفي للدلالة على محتوى المعجم. وغير هؤلاء من اللغويين والعلماء الذين عُنوا بموضوع ألفاظ الحضارة.
فقسمت دراستي على مقدمة وتمهيد أختصَّ بالتعريف بالمصطلحات وقد احتوى تعريف اللفظ لغة واصطلاحاً، وأيضاً الحضارة لغة واصطلاحاً، وكذلك ألفاظ الحضارة , والحداثة واللغة العربية, والدخيل , والمولد, وطرق توليد الألفاظ الحضارية, والتعريب .. وبعدها الإشارة إلى الدراسات السابقة التي تناولت ألفاظ الحضارة. ومن ثم ثلاثة فصول.
أما الدراسة للألفاظ فقد اختصَّت بـ (نماذج من ألفاظ الحضارة) واخترت نماذج منها بحسب شيوعها وانتشارها بين المجتمعات العربية، وبيان أثرها في اللغة العربية، مقسمة على ثلاثة فصول، الأول (ألفاظ الحضارة الاجتماعية) وهي كثيرة جمعت منها ما يخص الملابس والثياب وما يتعلق بهما, والمأكولات والأطعمة والمشروبات، وأثاث المنزل وما يتعلق به، والثاني (ألفاظ الحضارة الثقافية) كألفاظ الحضارة للتربية والتعليم، وألفاظ الصحافة ووسائل التواصل، وألفاظ الفنون والموسيقى، وأما الفصل الثالث فعنوانه (ألفاظ الحضارة الاقتصادية والسياسية وألفاظ متنوعة).
أمَّا الألفاظ الحضارية المشمولة بالدراسة، فأخذت بعض الأمثلة فيها من عدة مصادر المصادر، وقد اخضعت هذه الألفاظ إلى التحليل اللغوي والتاريخي وبيان ما فيها من ألفاظ فصيحة أو دخيلة أو عامية أو مولدة.
ولكون طريق البحث العلمي لا يكاد يخلو من الصعوبات فقد مر بي بعضها كضيق الوقت مع سعة الموضوع وامتداده، فضلا عن اختيار امثلة من العدد الكثير من الالفاظ الحضارية الحديثة الأمر الذي دعا إلى الحاجة لوقت أضافي لإتمام البحث.
وبعد توفيقه سبحانه وتعالى خُتمت هذه الرحلة مع هذا البحث بما فيها من التحديات والخوض في غمار البحث والمعرفة، لله حمد الشاكرين الذاكرين … اتقدم بجزيل الشكر والامتنان إلى المشرف على رسالتي الاستاذ المساعد الدكتور عمار عبد الستار محمد، وأيضا كل الشكر والعرفان إلى الاستاذ الدكتور مكي نومان مظلوم الذي كان له الفضل في اختيار هذا الموضوع بارك الله فيه ونفع بعلمه. والشكر إلى كل من كان له شرف المساعدة ولو بحرف من الصديقات والأصدقاء والأحبة.
وأقدم الشكر الجزيل إلى أعضاء لجنة المناقشة الأفاضل لما سيبدونه من آراء وما سيهدونه إليَّ من ملاحظ تثري هذا البحث وتغنيه.