المستخلص
ظهر حزب نهضة الحرية الإيراني (نهضة آزادي إيران) من عمق المجتمع الإيراني،المجتمع الذي أولى الدين على مر السنين أهمية خاصة،وجعل منه الموجّه للفرد والمجتمع في اغلب مفاصل الحياة،حتى غدا الهوية الوطنية الأكثر تأثيرًا، الأمر الذي أوجب على من امتلك زمام الامور في إيران الأخذ بالحسبان الدّور المناسب للدين ومن يمثله، لأن أي اتفاق وطني على النظام العام لابد أن يأخذ بعين الاعتبار مكانة الهوية الإسلامية ورجال الدين، وفي الجانب الآخر كان الشاه محمد رضا بهلوي،آخر الملوك الذين اعتلوا العرش في إيران، يعمل على تسليط نفوذه بمساندة القوى الخارجية المتمثلة ببريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة الأميركية والتي كانت بنظر الشعب ماهي إلا مظهر من مظاهر الإستعمار والسّيطرة على مقدرات الدولة، إضافة الى محاولة الشّاه إدخال كافة مظاهر التغريب إلى إيران، متجاهلا الهوية الإيرانية الإسلامية المتجذرة، وكان ذلك مدعاة لاعتراض طبقات الشعب، ولاسيما رجال الدين والطبقة المثقفة المتديّنة.
جاء تأسيس حزب نهضة الحرية كحزب ليبرالي إسلامي، وسعى لبيان دور الدين وحدود تدخله ومدى قدرة النص الديني على إدارة المجتمعات المعاصرة، لاسيما بعد التغييرات الثقافية والاجتماعية التي بدلت النظرة الى الدين والانسان، مثلما ركز مؤسسو الحزب على “الفكر الديني ” الذي هو حاجة ضرورية ونتيجة حتمية. فكان للحزب دورٌ مهمّ في إيران خلال المدّة المحددة للدراسة 1963-1979، إذ حفلت إيران بتطورات خطيرة ألقت بآثارها على مجمل الأحداث داخل إيران والّتي أدت فيما بعد الى إلاطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي،مثلما أدى حزب نهضة الحرية دورا بارزا في تلك الأحداث،وهو ما شجع على اختيار دراسته ودور مؤسسيه واعضائه سواء داخل إيران أو خارجها خلال مدة الدراسة.
وقفت وراء اختيار موضوع الدراسة عوامل عدة منها اقتراح بعض الأساتذة والرغبة في الكتابة في هذا الموضوع، كونه لم يحظ بدراسة علمية اكاديمية تاريخية موسعة، فضلا عن أن الموضوع اكتنفه بعض المحددات المعروفة للبعض الأمر الذي شجع على خوض غمار هذه الدراسة بشكل محايد اعتمادًا على عدد من الوثائق والمصادر الأصلية بصورة علمية مع بعض التحفظات البسيطة، ومن هنا جاء هدف هذه الدراسة وذلك للإسهام في توضيح تاريخ حزب نهضة الحرية وأهم الشخصيات التي اثرت وتأثرت فيه فضلا عن نشاطه السياسي وفكره الإسلامي في الوقت الذي لم يكن بعيدا عن الفكر الاشتراكي، كما وبرزت اهمية دراستنا من خلال التعرف على بعض الاشكاليات ومنها:هل كان الحزب مقتنعا بالنظرة الاشتراكية في الوقت الذي أكدت الأحداث على تمسكه بالفكر الإسلامي، وهل اعتنق الحزب إيديولوجيات وأفكارًا سياسيةً أثرت في الواقع الإيراني، وهل تعرض الحزب لحالة من الانقسام مما سبب تعثر مسيرته الحركية، وما الأشخاص الذين تولوا قيادته وتوجيهه أم كانت هناك قيادة جماعية ارتكزت صلاحيات الحزب فيها، وسيجد القارئ الكريم الإجابة عن كل ذلك وما لحق به أو إرشاده إليه خلال صفحات الدراسة.
اقتضت طبيعة الدراسة تقسيمها على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة،إذ جاءت المقدمة مبينة أهمية الموضوع وموضحة لسبب إختياره وعناوين فصوله، فضلا عن تحليل لبعض المصادر التي رفدت الدراسة بالمعلومات المهمة، فتناول الفصل الأول نبذة قصيرة عن تشكيل الأحزاب منذ سنة1944 بعد فسح المجال أمام تشكيل مثل تلك المنظمات، زيادة على تشكيل الجبهة الوطنية الأولى والجبهة الوطنية الثانية التي انشطر منها حزب نهضة الحرية لكنه ظل مكونا تابعا للجبهة ويعمل تحت رايتها محتفظا بتوجهاته الإسلامية، كما استعرض الفصل اهم الشخصيات المؤسسة للحزب وتأسيس الحزب سنة 1961، والإيديولوجية الفكرية واهداف الحزب الاساسية.
وضّح الفصل الثاني دور حزب نهضة الحرية في الاحداث داخل إيران منذ تأسيسه حتى سنة 1965، إذ بيّن موقف الحزب من الإصلاحات الداخلية والثورة البيضاء ودوره في احداث انتفاضة (15خرداد1342ه.ش) إلى جانب دور رجال الدين الذين عدّوا الشرارة الأولى لانطلاق الثورة الإيرانية، كما تناول اعتقال مؤسسي الحزب وعدد كبير من أعضائه ومحاكمتهم مما أدى الى نكسة في نشاط الحزب العلني داخل إيران.
بيّن الفصل الثالث نشاط الحزب داخل إيران وخارجها منذ سنة 1964 وحتى منتصف حقبة السبعينيات، ففي الداخل لم يثن عزيمة مؤسسيه عن استئناف نشاطهم السري حتى وهم داخل السجن على الرغم من انشقاق بعض الأعضاء من الدرجة الأولى من الحزب، وفي الخارج تم تأسيس فرع للحزب من خلال بعض الشخصيات والطلبة الوطنيين الذين يتلقون تعليمهم في الجامعات الأوروبية والأميركية، ودورهم في إيصال أخبار إيران إلى العالم، ولم يقتصر نشاط الحزب في الخارج على البيانات والاستنكارات فقد تواصلوا مع بعض الدول العربية ومنها الجزائر ومصر ولبنان لتدريب المتطوعين من اجل العمل المسلح الذي تميزت به اغلب التنظيمات السياسية في حقبة السبعينات.
تطرق الفصل الرابع الى أهم التوجهات الجديدة للحزب بداية النصف الثاني من حقبة السبعينات ولاسيما بعد تزايد الضغوط الدولية على الشاه محمد رضا بهلوي من أجل منح الحريات للشعب، كما درس الفصل جهود حزب نهضة الحرية في مجال حقوق الانسان التي نتج عنها تأسيس (الجمعية الإيرانية للدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان)، وقد أدت الجمعية دورا بارزا آنذاك، وأخيرا استعرض الفصل عودة نشاط حزب نهضة الحرية للعمل السياسي المعلن وحتى سنة 1979، إذ أدى حزب نهضة الحرية خلال تلك المراحل دورا مميزا، وكان للجهود المبذولة من قبل زعمائه واعضائه أثرٌ ملموسٌ في الاحداث الأخيرة للثورة من توجيه وإسناد لرجال الدين والثوار.
تضمنت الخاتمة أهم الإستنتاجات الّتي تمّ التوصل إليها خلال هذه الدراسة.
اعتمدت الدّراسة على مجموعة من الوثائق والمصادر باللغتين العربية والفارسية وعدد من المراجع المعرّبة، وبعض الدوريات ولاسيما الدوريات الشهرية التي يصدرها الحزب، وركزّت على إظهار المصادر الأصلية بنسبة جيدة توخّيًا للموضوعية والدقّة.
كان للوثائق غير المنشورة دورٌ مهم في رفد الدراسة بالمعلومات الأصلية وأهمها وثائق(دار الكتب والوثائق العراقية)، ووثائق الحزب المنشورة بإسم وثائق حركة حرية إيران (إسناد نهضت آزادي إيران) والمنشورة في اجزاء عدة، ووثائق حزب نهضة الحرية في الخارج، ومن الوثائق الإيرانية المهمة هي وثائق مركز الدراسات والوثائق التاريخية (مركز بررسي إسناد تاريخي) .
احتلت الدراسات السّابقة مكانة متميزة من بين المصادر الأساسية للدراسة وأهمها اطروحة (دور المؤسسة الدينية في السياسة الداخلية الإيرانية1963-1979) للدكتور غانم باصر حسين ظاهر الزيادي، واطروحة (الأحزاب الملكية في إيران 1941-1979) للدكتورة روافد جبار شرهان الحسناوي، اضافة الى رسالة (التطورات السياسية الداخلية في إيران 1964-1979) للدكتورة وفاء عبد المهدي راشد الشمري، وكتاب (الأحزاب والمنظمات السياسية في إيران 1963-1979) للدكتور أحمد شاكر عبد العلاق الذي كان بالأصل اطروحة دكتوراه والذي اغنى الدراسة بالمعلومات القيمة، ذلك الى جانب التنويع من ناحية المراجع من خلال الاعتماد على الموسوعات والصحف فضلًا عن شبكة المعلومات الدولية (الانترنيت) التي لا تخلو من المعلومات المهمة والتي تم التعامل معها بحذر قدر المستطاع.
واجهت الدراسة خلال مسيرتها صعوبات عدّة،كان اهمها صعوبة الحصول على المصادر التي تخص موضوع الدراسة بشكل مباشر والتي كان أغلبها باللغة الفارسية، مما جعل الحصول على المعلومات أمرًا ليس باليسير،دفع إلى الترجمة والقيام بمقارنتها مع باقي الوثائق والمصادر للتوصل إلى الحقائق أو الإقتراب منها. على أن ذلك لايعني الإحاطة بجميع الوقائع والأحداث ولا الإدعاء للكمال فالكمال لله وحده، ويبقى الرّجاء أن يكون الجهد المبذول في هذه الدّراسة خطوة في عالم البحث عن الحقائق التاريخية، والله الموفّق.