المستخلص
لقد اضحت بعثة النبي مُحمَّداً (r) في خَير الازمنة ، واختارَ لَه مِن الْأَصْحَابِ أكمَلَ النَّاسِ عُقُولاً وأَشجَعَهُم قُلُوباً ،قومٌ جَاهَدُوا في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ ، فأقامَ اللهُ بهم الدِّينَ ، وأَظْهَرَهُم عَلَى جَميع العَالَمِينَ واتجهوا إلى فنون القتال مع ضروب الشجاعة التي اختصوا بها من النبي (r) وتزودهم بالتقوى التي يدعون إليها ويدافعون عنها ، فما خانوا وما غلوا فكانوا بحق أسوداً في النهار بغزواتهم وفتوحاتهم وعباداً في الليل وعَلِمُوا أَنَّ للجهادِ فَضلاً لا يُضاهَى وأَيْقَنوا : (أَنَّ الجَنَّةَ تَحتَ ظِلَالِ السُّيوفِ)([1]) وَنَفَرُوا إِلَى ذَوِي الكُفْرِ والعِنادِ مِن شَتَّى أَصنافِ العِبَادِ ، وَجَهَزوا الْجُيوشَ وكانوا اغلبهم مقاتلين فيها وبَذَلُوا في سَبيلِ اللَّهِ العَطَايَا ، وضَربُوا الكَافِرِينَ ، واسْتَعَذَبُوا مِن المَنِيَّةِ المذاق وباعُوا الحَياةَ الفانية بالعيش الباقي ونَشَرُوا أَعْلَامَ الإسلام في الآفَاقِ في غزواتهم مع النبي (r) وفتوحات الاسلامية التي هي سفر الخلود وسر العظمة ، ومشرق النور ، فدروسها شيقة منيرة ، مملوءة بالصبر ومواصلة القتال ، إذ لم يحارب المسلمون قوماً أو أمة أو شعباً ، إنما حاربوا القوى التي تحول دون وصول الإسلام إلى الناس من كفار وروم وفرس ، فقد حارب رسول الله (r) واصحابه معه أهل الكفر في مكة فانفتحت بذلك قلوب من بقي على الشرك منهم للإسلام فأسلموا ، والأمر ذاته مع جميع البلاد التي فتحها المسلمون بالمشرق والمغرب الإسلامي منذ وقت مبكر، لما لها من أهمية تاريخية ، فقد شهدت تلك الأراضي العديد من الفتوحات لنشر الإسلام لتشكل مجتمعًا إسلاميًا جديدًا في تلك المناطق ، تركت آثارا كثيرة في شتى نواحي الحياة .
اكدت كتب امسيرة التاريخية للدعوة الاسلامية أن النجاحات التي تحققت في عصرالنبوة في تأسيس الدولة الاسلامية وتثبيت اركانها فقد وجه نظرة في اختيار افضل الرجال ليضطلعوا بمهمات الادارة وتحقيق تطلعات الدولة الاسلامية لتسيير امورها في توليها بأكفاء الرجال من الصحابة والذين سنذكر منهم من له صحبة مع النبي (r) من ابناء الصحابة ممن جاءوا كمقاتلين وعمال وولاة يتحلون بالروح الإسلامية بالحفاظ على الأمانة، ومع ذلك لم تكن القيادة الإسلامية ببعيدة عن إدارة الولايات وأعمال العمال بل كانت تتقصى أخبارهم أولآ بأول من خلال العيون التي وضعت في الولايات والمدن المختلفة جاءت تلك الاعمال بنتائج باهرة وكثيرة اصبحت كالضوء للأجيال القادمة ، ولاشك أن التاريخ الإسلامي الوضاء ، وخصوصا دروس الفتوحات الاسلامية دروس نافعة سارت شرقاً وغرباً وشاماً ويمناً وهنداً وسنداً ، فدكوا من خلالها العروش وفتحوا الاذهان بالمعارف ، وأسسوا حضارة اسلامية على تقوى الله ورضوانه برزت اعمالها بالجانب الاداري لا ريـب فـي أن أفضل العصـور فـي الإسلام وأكثرهـا نقـاء هو عصـر الرسول (r) وصحابته، ففي عهدهم أرسيت قواعد الإسلام، فـي ربـوع الأرض.
فأبناء الصحابة إذن هم صفوةً ونخبة مميزة، وفئة مؤثرة في المجتمعات التي حلوا بها، ولهم تقاليدهم التربوية ، الفذة وميزة السبق إلى الإسلام وصحبة محمد (r) ، وهذا جعل الفئات الاجتماعية الأخرى من التابعين وتابعي التابعين تنظر إليهم بهذا الاعتبار ، وترى مكانتهم وفضلهم كما كان لهم أثراً بارزاً في مجريات الأمور الاخرى كالإفتاء والتفسير والحديث وحل المشكلات غير التي درست في دراستنا.
- أهمية واسباب الموضوع :
تكمن أهمية الموضوع لعدد من النقاط منها :
- لقد بدأ اهتمامي وشغفي بالقراءة في التاريخ الإسلامي منذ زمن مبكر وقد اطلعت على كثير من الكتب والبحوث في تاريخنا الإسلامي في أثناء دراستي الجامعية ، ومن خلال تلك المطالعات استوقفي ذلك الانجاز المذهل في الفتوحات الإسلامية لأبناء الصحابة لما قدموه أولئك الرجـــال مـــن تضحيات كبيرة من غزوات وفتوحات واعمال ادارية كثيرة خلدها التاريخ الاسلامي لهم، فحققوا في فترة وجيزة من عمر التاريخ ما تعجز أمم بأكملها عن تحقيقه في مئات السنين .
- رفد المكتبة الإسلامية بالدراسات العلمية الأكاديمية الجادة التي تناولت هذا الموضوع والمتعلقة بالمؤسسة العسكرية والادارية لأبناء لتكون مرجعا للباحثين والقراء .
- تكتسب هذه الدراسة أهميتها كونها تناقش موضوعاً من الموضوعات المهمة التي تتعلق بتطور المؤسسة العسكرية من غزوات عصر النبوة مع رسولهم (r) وفتوحات اسلامية مع قوادهم وادارية من قضاء وشرطة وولاة وغيرها مما اتسموا به ابناء الصحابة ، وبيان أهمية كتب التراجم وكتب التاريخ في حفظ مآثر وأعمال ومساهمات ابناء الصحابة والوقوف على أبرز نتاجاتهم العسكرية والادارية المتنوعة .
- تكتسب الدراسة الحالية اهميتها بتجميع المعلومات المتناثرة والمتعلقة بالموضوع من المصادر والمراجع فهناك حاجة إلى دراستها بصورة شاملة ،لأجل بيان الجانب العسكري والاداري لا بناء الصحابة بدراستنا هذه .
- إبراز أثر ابناء الصحابة الذين خدموا الامة الاسلامية من خلال التعرف على جهودهم العسكرية والإدارية، لأن لأولئك(y) صحبوا النبي (r) كما صحبه كبار الصحابة ، وتلقوا منه كما تلقى منه الصحابة الكبار، وهذا يعني بمنطق بدهي أن الشاب في أي مجتمع يمكن أن يفوق أقرانه، وأن يكون له دور، وأن يصل لمنزلة أعلى مما يضعها لنفسه ، كما كان لشباب الصحابة في مجتمعهم السابقة في الإسلام .
- إن دراستهم جزء من رد الجميل لأبناء الصحابة ومن جاء بعدهم كابر عن كابر وخلفا عن سلف (y) لان لهم الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في نشر الإسلام والدفاع عنه في غزواتهم وفتوحاتهم خلال القرن الاول الهجري ، لذا ينبغي للمسلمين الاقتداء بهم ، من خلال التعرف على جهودهم العسكرية واعمالهم الادارية وتقديمها للقراء الكرام حتى يكونوا لهم قدوة في ذلك .واستشعار القاري للسيرة النبوية اهمية التضحيات التي قدمها ابناء الصحابة (y) من اجل اعلاء كلمة الله تعالى كي يصل الينا الدين نقيا صافيا وبمعنى اخر كونهم صـوراً جهادية مشرقة رائدة ، كانوا مجاهدين في سبيل الله ، ومنفذين للتوجيهات الجهادية في الكتاب والسنة ، ومقتدين برسولهم المجاهد (r) ومقاتلين بارزين في ساحات الفتوحات الاسلامية .
- الهدف من الدراسة :
الهدف من هذه الدراسة هو خدمة الإسلام وإخراج دراسة عن حركة الغزوات والسرايا في عهد النبوة والفتوحات خلال القرن الاول الهجري لأبناء الصحابة وما تولوا من اعمال إدارية ، والأهم منه معرفة الأسباب التي كانت وراء هذا الإنجاز الضخم في زمن قصير من عمر التاريخ الاسلامي، ليكون ذلك زاداً لأجيال الأمة الناشئة ،ونبراساً لها على طريق الجهاد .
- الدراسات السابقة :
تناولت العديد من الكتب والرسائل والدراسات الاكاديمية دراسات عن عصر النبوة والخلافة الراشدة والخلافة الاموية خلال القرن الاول الهجري قد ذكرت، لكنه لم توجد دراسة مختصة تعطِ تفصيلات لأبناء الصحابة تناولت الجوانب العسكرية من غزوات وسرايا وفتوحات و جوانب ادارية من قضاء وشرطة وولاة ومستخلفين خلال القرن الاول الهجري ، على الرغم من ان كثير من جوانب السيرة قد درست ،غير أنه توجد دراسات هنا وهناك بعيدة عن دراستنا ومنها :
- الصحابة الذين فتحوا بلاد ما وراء النهر واقليم الديلم واقليم الرحاب ،العبيدي ، احمد مطر خضير ، اطروحة دكتوراه غير منشورة ، دار امجد للنشر والتوزيع ، (عمان-2018م) .
- جهود اصحاب الإمام علي (u) في الفتوحات الإسلامية ، قاسم جوده عداي الازيرجاوي ، اطروحة دكتوراه غير منشورة ، الجامعة المستنصرية ، 2017م .
- أثر الفتوحات الإسلامية في نشأة وتطوّر النُظُم الإدارية والمالية في المشرق حتى نهاية العصر الأُموي 132هـ ، عويد ، فراس حمد خلف ، أطروحة دكتوراه ، جامعة تكريت ، 2021م.
- الخدع العسكرية في صدر الاسلام (1-132هـ/622-749م) ،سليمان ، ابو ريدة جمال احمد ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة غزة ، كلية الآداب ، 2009م.
- صحابة نزل فيهم القرآن دراسة تاريخية تحليلية ، منصور ، وليد لطيف ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة ديالى ، 2021م .
- دخول الصحابة والتابعين إلى بلاد المغرب الاسلامي ودورهم الحضاري(1-2هـ/7-8م) ، الطيب ،ابو سعد، رسالة ماجستير منشورة، جامعة الجزائر،للعام(2017)
وهذه الدراسات والكتب وغيرها كانت تنفرد بالعرض التاريخي بدراسة معينة لأشخاص معينين او صحابي معين او الاهتمام بجانب معين من حياه ابناء الصحابة وإما أنها تخصص ببعض جوانب معينة ومحدودة من تاريخ عصر النبوة أو الخلافة الراشدة والاموية او غير ذلك ، كأن يسلط الضوء على إحدى الجوانب العسكرية أو السياسية أو الادارية والاقتصادية أو الاجتماعية او الدينية والفكرية لدى عصر النبوة والخلافة الراشدة أو الأموية لمدة محددة لأولئك(y)، علماً إن دراستنا هذه اوسع ، اذواشتملت على دراسة الجانب العسكري والاداري لأبناء الصحابة من بدايات عصر النبوة المتمثلة بالسرايا والغزوات ومدة الخلافة الراشدة وجزء من الحقبة التاريخية للعصر الاموي المتمثلة بالفتوحات والاعمال الادارية التي تقلدوها خلال تلك المدة، لهذا ارتئنا أن نأخذ من ابناء الصحابة من له صحبة مع الرسول (r) .
(1) ابو دواد سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني (ت275هـ) ، سنن ابو داود، تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد ، المكتبة العصرية ، (بيروت–بلات) ، ج2،ص48 ، رقم الحديث : 2631 .