المستخلص
غيرت عمليات التبشير والاستكشاف الجغرافي التي قام بها المبشرون والمستكشفون وبعض المغامرين عبر العصور، الثقافة، والتجارة، والمشهد الجيو سياسي للأمم، ففتحت تلك العمليات أسواقا أمام منتجات جديدة، وأدت إلى تلاقح الفلسفات والأفكار، وزاد المبشرين والمستكشفين عن طريق مغامراتهم في المناطق المجهولة معرفتنا بالعالم، وفتحوا الباب أمام إمكانيات جديدة ومهدوا الطريق للتأثير في حياة الشعوب سلبًا وايجابا، فأفريقيا وحتى حلول نهاية القرن الثامن عشر كان المعروف منها بشكل رئيس مناطقها الساحلية شمال وجنوب القارة، ففي القرن السابع عشر استكشف الفرنسيون مناطق غينيا، والسنغال، والنيجر وأجزاء أخرى من غرب إفريقيا الاستوائية، فيما سيطر البرتغاليون على منطقة أنغولا الحالية في الغرب، والأراضي الواقعة على ساحل خليج موزمبيق وحوض نهر الزامبيزي في الشرق، أما في جنوب إفريقيا الذي تناوب على استعماره الهولنديين والبريطانيين فقد بسطوا سيطرتهم على الأراضي الممتدة من نهر ليمبوبو إلى نهر فال، فيما لم يتم استكشاف بقية أفريقيا من نهر فال إلى الصحراء الكبرى التي كان الأوربيون ينظرون إليها على أنَّها أرض مظلمة لا يمكن اختراقها واستمر الحال على ما هو عليه حتى قيام المبشر والمستكشف الاسكوتلندي ديفيد لفنجستون برحلاته الملحمية وسط القارة الافريقية ليكشف للعالم مكنونات واسرار الداخل الافريقي المجهول ابان القرن التاسع عشر.
يُعد ديفيد لفنجستون أحد أهم المستكشفين في القرن التاسع عشر إذ غيرت رحلاته الاستكشافية نظرة العالم باسره إلى القارة الأفريقية وشعوبها، فبفضل الرحلات الكشفية التي دفعها النشاط التبشيري وتأسيس المحطات الإرسالية لنشر المسيحية بين الافارقة حقق لفنجستون سلسلة من الاكتشافات المهمة في المدة (1849-1873)، منها استكشافه لبحيرة نغامي، وشلالات فيكتوريا، واستكشافه لوسط افريقيا من المحيط الاطلسي إلى المحيط الهندي، واستكشاف نهر الزامبيزي في الاعوام (1949-1864)، ثم قيادته لبعثة استكشاف منبع نهر النيل خلال المدة (1866-1873) قام فيها برحلة استكشافية إلى بحيرات تنجانيقا، وبانغويولو، ومويرو وواصل خطواته الكشفية إلى أن تدهورت صحته ووافته المنية عام 1873.
أسهمت جهود لفنجستون الكشفية في تقديم ملاحظات وعينات مهمة في مجال العلوم الطبيعية التي ساعدت علماء الطبيعة في البحث عن مناطق غير مستكشفة في وسط أفريقيا من ناحية، وأجرى لفنجستون بحثًا عرقيًا مكثفًا جعل عاداتهم وحياتهم معروفة لدى الاوربيين مما اسهم في تغلغل الاستعمار الاوربي للداخل الافريقي في العقود التي تلت وفاته من ناحية اخرى، والأهم من كل ذلك مقارعته لتجارة الرقيق منذ أنَّ وطأة قدماه الاراضي الأفريقية، وطرح قضية العبودية في جميع المحافل الدولية التي أقيمت على شرفه، وفي رسائله التي أرسلها إلى المسؤولين وذوي الشأن الامر الذي أجبر حكومة غلادستون في عام 1872، على اصدار قرارًا بمنع بيع العبيد سواء للاستخدام المحلي أو للتصدير، تلاها عقد معاهدة بين بارتل فرير حاكم بومباي وسلطان زنجبار في الخامس من حزيران عام 1873، أُغلق بموجبها سوق الرقيق في زنجبار بشكل نهائي.