المستخلص
إنَّ هذه الدراسة التي بين أيدينا عُنيَت بـ”المُصاحبة اللغويَّة في شعر الفرزدق”، وقد تناولَ عُلماء اللغة والنحو والبلاغة هذا الموضوع -المُصاحبة اللغويَّة- في دراساتهم وبحوثهم، فبذلوا الجهود المباركة، ولم يدَّخروا أيَّ جُهدٍ في إظهارِ معاني ودلالات المُصاحبة اللغويَّة في ألفاظ اللغة العربيَّة.
وقد اخترنا للدراسة التطبيقيَّة شاعرًا من شعراء العصر الأمويّ الذي اصطبغ شعره بظواهر اللغة والبلاغة والدلالة، لا سيَّما ظاهرة المصاحبة بأنواعها التي سنتحدَّث عنها، مع العناية بظواهر الترادف والاشتراك اللفظيّ، إذ مثَّل الشاعر الفرزدق صورة دلاليَّة عمَّا تطوَّرت إليه اللغة ودلالاتها.
وكانت ألفاظ شعراءِ العصر الأمويّ في قصائدهم فصيحةً تستقي مُفرداتها ومعانيها من القرآن الكريم، ومن الحديث النبويّ الشريف، ومن قصائد فطاحل الشعر وجهابذته -جاهليين وإسلاميين- وخاصَّةً أصحاب المعلَّقات.
ويُعَدُّ الفرزدقُ واحدًا من شعراء تلك الفترة الأمويَّة التي عُنيت باللغة الفصيحة -لغةِ القرآن الكريم- فكانت أشعارُهُ تأتي خادمةً للظواهر البلاغيَّة، ومنها ظاهرة “المُصاحبة” أو “المُلازمة” التي تنسابُ على فمه في قصائده التي تحفل بألفاظِ هذه الظاهرة.
وقد أوضحنا بالأمثلة التطبيقيَّة عنايةَ الشاعر بظاهرة المُصاحَبَة في المستويات اللغويَّة (الدلاليَّة، التركيبيَّة، الصوتيَّة، والصرفيَّة).
ثُمَّ الحديث عن أنواع المُصاحبة التي حَفِلَ بها شعره، في الجانب التركيبيّ والدلاليّ، من مصاحبة في المركبات الاسميَّة كما في المصاحبة بين الصفة والموصوف أو المضاف والمضاف إليه، أو المصاحبة بين المعطوف والمعطوف عليه، وكذلك العطف بالحرف (عطف النسق) وكذلك ما وُجِدَ في نصوصه من أنواع المصاحبات بين الجمل الفعليَّة التي تصاحب الفعل بالفاعل أو المفعول أو غيرها.
إنَّ بحث المصاحبات اللغويَّة بحثٌ يُظهرُ جماليَّة هذه الظاهرة التي تدلُّ على ألفاظٍ مُتصاحبةٍ، إنْ ذُكرَ أحدها استدعى ذلك ذكرُ الآخر، وقد يُصاحبُ لفظٌ ما ألفاظًا مُتعدِّدةً، وعندئذٍ فإنَّ تحديد معنى اللفظ يكون مقرونًا بذكر مصاحبه حتَّى يتّضحُ معناهُ، وقد يلجأ الأدباء إلى عقدِ مُصاحباتٍ لغويَّة فيها خروج عن المألوف بالاعتماد على علاقة متلازمة بين اللفظين.
إنَّ هذه الظاهرة هي أسلوبٌ من أساليب البلاغة التي تُكسِبُ الألفاظ معاني ودلالاتٍ في غيرها، فتكتملُ هذه المعاني في التركيب المُتصاحب بتلازمِ ألفاظه.
ولمحبَّتي باللغة العربيَّة وآدابها وظواهر النحو والبلاغة فيها، فقد اخترتُ هذا البحث “المُصاحبة اللغويَّة في شعر الفرزدق” كي أُبْحِرَ في بحر دلالات الألفاظ المُتصاحبة عند الشاعر الأمويّ الفرزدق الذي كان بارعًا في استخدام هذه الظاهرة في شعره؛ كي يكونَ توظيفُه لها أبلغ وأنفذ إلى أذن المتلقي وقلبه وخياله.
فقد ضمَّ ديوانُ الفرزدق الكثير من المُصاحبات اللغويَّة على المستويات (الصوتيَّة، الصرفيَّة، النحويَّة، الدلاليَّة).
الدراسات السَّابقة:
1- المصاحبة في التعبير اللغويّ، للدكتور محمد حسن عبد العزيز، وهو كتابٌ يعرضُ لأمثلةِ المُصاحبات الكثيرة، والمُقابلةِ بين أشكالِها في المُصنَّفات العربيَّة الغربيَّة، وقد خصَّ التراثَ العربيَّ بالعناية، إلَّا أنَّه لم يتعرَّض لتحليلها وتفصيلها.
2- المصاحبة اللغويَّة وأثرها في تحديد الدلالة في القرآن الكريم- أُطروحة دكتوراه، وهي للطالب حمَّادة الحسيني، وقد تحدَّث عن المصاحبة وأنواعها وصورها، وخصَّ حديثه بالألفاظ القرآنيَّة والتصاحبات بين بعضها، ولم يتطرَّق إلى هذه الظاهرة في الشعر العربي وتطوّره بعد نزول القرآن الكريم وتأثره به.
3- المُصاحبة اللغويَّة ودلالاتها في سياقِ الأحاديث النبويَّة، من خلالِ كتاب “جامع العلوم والحِكَم” لابن رجب الحنبليّ- رسالة ماجستير في آداب اللغة العربيَّة، وقد تحدَّثت هذه الرسالة باختصار عن بعضِ المُصاحبات الاسميَّة والفِعْليَّة في كتاب “جامع العلوم والحِكَم”.
4- المُصاحبة اللفظيَّة في شعر لبيد بن ربيعة وهو بحث في مجلَّة إضاءات نقديَّة- دراسة دلاليَّة، وهو يتحدَّث عن بعضِ الألفاظ المُتصاحبة في ديوان لبيد بن ربيعة دون أن تقسيمِها على أنواعِها.
5- المصاحبة اللفظيَّة- لإبراهيم الدسوقي، وهو مقالٌ زاخرٌ بالمعلومات عن المُصاحبة وشرائطها ووجودها وأهميتها، إلَّا أنَّه غيرُ كافٍ لِما نروم.
6- المُصاحبة اللفظيَّة في كتاب “مُتخيَّر الألفاظ” لابن فارس، وهو بحثٌ قُدِّمَ في جامعة اليرموك، يتحدَّث عن المُصاحبات اللفظيَّة وأنواعها ومصادرها مع ذِكْرِ بعض الأمثلةِ دونَ شرحٍ كثير.
7- المُصاحبة اللفظيَّة في شعرِ امرئ القيس- دراسة دلاليَّة، وهو بحثٌ مُقدَّمٌ في جامعة أصفهان، ويتحدَّث عن المُصاحبات اللفظيَّة التي وردَت عند امرئ القيس دون شرحٍ كثير، مع ذِكرِ بعضِ الأمثلةِ التي وَردَت في الديوان.
8- المُصاحَبَةُ المُعْجَميَّة في النّصِّ القرآنيّ، وهو بحثٌ قدَّمَهُ باحثانِ إلى كُلّيَّة التربية للعلومِ الإنسانيَّة في جامعةِ البصرة عام 2017م، إذ بَحَثا في المُصاحبات اللفظيَّة وأثرها في تماسُكِ النّصّ القرآنيّ، مع ذِكْرِ بعضِ الأمثلةِ القرآنيَّة الجليلة.
9- المُصاحبة اللغويَّة وأثرها الدلاليّ (دراسة في نهج البلاغة)، أطروحة دكتوراه قدّمتها الطالبة فضيلة عبوسي محسن العامري عام 2013م في كُلّية الآداب في جامعة الكوفة، تحدَّثت فيها الطَّالبة عن المصاحبات اللغويَّة التي تتعلَّق بالألفاظ (الألفاظ الدينيَّة- وألفاظ الفلك- وبعض الألفاظ التي تتعلَّق بالحيوانات- وألفاظ القضاء والجيش والسلاح- وبعض المُصاحبات بين الفعل وحروف الجرّ في نهج البلاغة)، وقد ركّزت الطالبة على الألفاظ دون الدلالات التركيبيَّة.