المستخلص
وبعد … فأن الباحث الذي يريد أن يتصدى إلى دراسة الموروث لابد أن يتسع خياله البحثي والعلمي في فهم التاريخ بمعناه الشامل، وأن يغلب عليه التنوع في دراسة موضوعاته المختلفة، ولا نجافي الحقيقة أذا قلنا أن دراسة أحداث التاريخ لا تنحصر في المجالات الإدارية والسياسية او الاقتصادية، أنما تشمل فضلا عن ذلك الانشطة الاجتماعية والعلاقات مع الاخرين افراد وجماعات، ومن هنا تبرز أهمية دراسة الحياة الاجتماعية، أذ أنها تعد من أهم ركائز حياة المجتمع؛ لأنها تعطي صورة واضحة عن التواصل والفعاليات الاجتماعية المتنوعة من عادات وتقاليد وقيم ومعتقدات باعتبارها محوراً كبيراً وأساساً في دراسة حياة الانسان.
وبناء على ما تقدم نرى أنه من المهم على الباحث التاريخي أن يولي اهتماماً كبيراً في دراسة هذا الجانب من حياة الأنسان، ولابد أن يكون مطلعاً على المصادر الأخرى من غير كتب التاريخ للاستفادة منها في دراسة نمط الحياة الاجتماعية لاسيما منها كتب الحديث فهي تعد من أصدق الكتب بعد كتاب الله تعالى، إذ تضم في طياتها معلومات علمية غنية بالجوانب الاجتماعية ما يدعو الباحث التاريخي للركون إليها في دراسة الحياة الاجتماعية في تضاعيفها والاستفادة منها.
وفي ضوء هذه المعطيات وقع اختيارنا على دراسة الحياة الاجتماعية في كتاب الترغيب والترهيب لأبي القاسم الأصبهاني (ت535ه) فهو كتاب قد أشتمل على الترغيب في الأعمال والأقوال والنيات الصالحة والحسنة، وعلى الترهيب من الاعمال السيئة والأقوال والنيات الفاسدة.
وانطلاقا مما تقدم كان أحد أسباب اختيار موضوعنا أذ تولدت لدينا القناعة بإمكانية استجلاء الحياة الاجتماعية من كتب الحديث، ومن هنا تبدو أهمية دراستنا في تسليط الضوء على دراسة الحياة الاجتماعية من خلال كتاب الترهيب والترغيب لأبي القاسم الأصبهاني، ونأمل أن تضيف هذه الدراسة معلومات مهمة يمكن أن تكون مصدراً من مصادر دراسة الحياة الاجتماعية في المكتبة العربية الإسلامية.
وبحسب اطلاعنا وطوال مدة البحث لم نجد من كتب عن هذا العنوان أو من خلال هذا الكتاب باستثناء ما كتبه الباحث خالد بن محمد بن مبارك الأحمدي في رسالته الموسومةُ(جهود الأمام الحافظ أبي القاسم الأصبهاني في تقرير العقيدة والرد على المخالفين) وهو عنوان بعيد لا تمت بصلة بموضوع دراستنا.
لم تخلوا الدراسة من صعوبات املتها طبيعة الدراسة ولعل من أبرزها شحة المعلومات التي تطرقت إلى سيرة أبو القاسم الاصبهاني، ومن الصعوبات الأخرى سعة جوانب الموضوع وتداخل المعلومات فيما بينها مما حتم علينا في كثير من الأحيان تتبع الجوانب الاجتماعية وفصلها عن الجوانب الأخرى.
واقتضت طبيعة الدراسة تقسيم الرسالة الى ثلاثة فصول سبقتها مقدمة تطرقنا فيها لأهمية الموضوع وتحليل لأهم المصادر والمراجع وتلتها خاتمة أجملنا فيها أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة وأعقبتها قائمة المصادر والمراجع وملخص الرسالة باللغة الانكليزية .
جاء الفصل الأول: بعنوان أبو القاسم الاصبهاني دراسة في حياته الشخصية والعلمية: وقد تضمن تقسيمه الى مبحثين، درسنا في المبحث الأول: حياته الشخصية من حيث أسمه ونسبه وكنيته وولادته ونشأته وأسرته، وصفاته وتواضعه، وألقابه، ومذهبه ورحلاته، ووفاته، ودرسنا في المبحث الثاني: حياته العلمية من حيث شيوخه، وتلاميذه، ومنهجه في عرض الجوانب الاجتماعية، وعلومه ومعارفه، ومؤلفاته، وأقوال العلماء فيه.
أما الفصل الثاني: فقد خصص لدراسة المظاهر الاجتماعية السائدة في المجتمع من خلال كتاب الترغيب والترهيب، وتم تقسيمه الى ثلاثة مباحث، درسنا في المبحث الأول: أولاً: الحياة الاسرية، من حيث بر الوالدين، وحقوق الوالدين والإحسان إليهما، وتعظيم حقوق الوالدين والبر إليهما، وعقوق الوالدين، وثانياً: العلاقة بين أفراد الأسرة، من حق الأنباء على الآباء، وجور الآباء بين الأبناء، والإحسان الى البنات، أما ثالثاً تطرقنا فيه الى الزواج من حيث الترغيب في الزواج، وطاعة الزوج وتعظيم حق الزوج، وصفات الزوجة الصالحة وصفات زوجة السوء، أما المبحث الثاني: تضمن الأطعمة في الحياة الاجتماعية اليومية، من حيث آداب الاكل، والكرم والضيافة، واحتكار الطعام وفضل من يجلب الطعام، والاقتصاد في الطعام وعدم الإسراف، أما المبحث الثالث: فقد ضم العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، ويشمل أولاً: العادات الاجتماعية المحمودة من حيث الاصلاح بين الناس، وأداء الأمانة، والإحسان إلى الجار، والتواضع، وحسن الخلق ويضم الصدق، وثانياً: العادات الاجتماعية المذمومة من حيث النفاق والغش والخيانة، وأذى الجار، وسوء الخلق الذي يضم البخل والتكبر والغيبة والتجسس والكذب وكثرة الضحك، والطيرة.
أما الفصل الثالث: فجاء بعنوان مظاهر الحياة الاجتماعية في الجوانب الدينية والعلمية من خلال كتاب الترغيب والترهيب، وتم تقسيمه الى مبحثين، درسنا في المبحث الأول: الجوانب الدينية، من حيث عيادة المريض، وزيارة الأموات، والصبر على البلاء، وكظيم الغيظ واجتناب الغضب، وغص البصر، والنميمة، والاخلاص في العمل وحسن السيرة، والحسد وذم الحسد، وشرب الخمر، وحفظ اللسان، والحياء، وليلتي العيد، والحلم والأناة، وقطيعة الرحم، والظلم، والورع في العبادة، والربا، أما المبحث الثاني: فقد اشتمل على الجوانب العلمية من حيث الرحلة، ومفهومها في القرآن والسنة النبوية، وأهميتها في طلب العلم، ومجالس الذكر، والفتوى، والتفكير في آلاء الله عز وجل وخلق السموات والأرض، وحفظ القرآن.