You are currently viewing رسالة ماجستير مريم حارث / بعنوان: حُجّاج المشرق الإسلاميّ وأثرهم في الحياة العامة  (132-656هـ/749-1258م)  

رسالة ماجستير مريم حارث / بعنوان: حُجّاج المشرق الإسلاميّ وأثرهم في الحياة العامة  (132-656هـ/749-1258م)  

المستخلص

فقد شهدت الدولة العربية الاسلامية على اختلاف اجناسها رحلات كثيرة ومتنوعة افرادا وجماعات بدوافع واغراض عديدة، ولاشك ان الرحلات تعد من اهم ركائز حياة المجتمع أذ انها تعكس نمط الحياة المدنية بكافة تفرعاتها وتعطي صورة واضحة في المجالات الادارية والسياسية والعلمية والاقتصادية فضلا عن الانشطة الاجتماعية من عادات وتقاليد ومعتقدات ومعارف باعتبارها محور كبير واساس في حياة الانسان، ولما كانت مكة بيت الله الحرام فان الرحلات اليها كانت متواصلة من كل حدب وصوب لأغراض دينية لأداء فريضة الحج ويشهدوا منافع لهم .

       وفي ضوء هذه المعطيات وقع اختيارنا على موضوع الدّراسة: “حُجّاج المشرق الإسلاميّ وأثرهم في الحياة العامة (132–656ه / 749–1258م)” اذ انه من الموضوعات التي تستحق الدّراسة والتعريف بها؛ لغرض تسليط الضوء على أثر الحاجّ المشرقي في جوانب الحياة السياسية، والإعلامية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعلميّة .

 وبحسب اطلاعنا فان الدراسات السابقة التي تناولت موضوع الحُجّاج لم تذكر أثر حُجّاج المشرق الإسلاميّ في الحياة العامة؛ بل اكتفت بإشارات يسيرة جدًّا عنهم، ولا سيّما أَنَّ المشرق الإسلاميّ كان من أولويات الدولة العربيّة الإسلاميّة على مَدّىِ العصور، وقد كان لحُجّاج الأقاليم الأُخرى أثرا واضحًا أيضًا عن طريق الدراسات التي تناولت أثرهم؛ لذلك ارتأينا من الضروري أَنْ نأخذ حُجّاج المشرق الإسلاميّ عنوانًا لدراستنا هذة؛ لمكانتهم، وأثرهم في الدولة والمجتمع في الوقت نفسه، فضلًا عن أعدادهم الكثيرة عند مجيئهم لموسم الحجّ، وكان هذا هو السبب والدافع لاختيار الموضوع، ولابد من الاشارة ان موضوع الحجّ في العصر العباسي قد حضي بعناية عدد من الباحثين، ومن أبرز هذه الدراسات رسالة ماجستير بعنوان: الحجّ وتنظيماته في العصر العباسي (132–334ه/ 750–946م)، للباحث: بسام أحمد عبدالغفور الحيالي (جامعة بغداد/ العراق)، ورسالة: أخبار الحجّ والحُجّاج المسلمين في العصر العباسي (132–656ه/ 749–1258م)، للباحثة: سيماء فيصل محمد الأرحيم (جامعة الموصل/ العراق)، إِلَّا أَنَّ تلك الدراسات لم تتناول أثر حُجّاج المشرق الإسلاميّ، وإِنَّما كان ذكرهم في سياق الأحداث، والذي شجعني أيضًا على هذا الموضوع وجود دراسات منفردة تناولت الحجّ من منظار آخر على سبيل المثال: أطروحة الدكتوراه: إمارة الحجّ في المغرب العربي والأندلس (138–635ه/755–1237م)، للباحثة: وجدان فريق عناد (جامعة بغداد/ العراق) وغيرها العديد؛ لذا يُعَدُّ موضوع الدّراسة: “حُجّاج المشرق الإسلاميّ وأثرهم في الحياة العامة (132–656ه/ 749–1258م)” من الموضوعات الجديرة بالدّراسة؛ لأَنَّها تسلط الضوء على الكثير من المعلومات والحوادث التي لم يُتطرق إليها من لدن الباحثين من قبل، أو أَنَّها ذكرت بسياق الكلام من دون الغوص في أعماق هذا الموضوع .

       وهنا لا بُدّ من الإشارة إِلى أَنَّ المنهج الذي اعتمدت عليه الباحثة في هذهِ الدّراسة هو المنهج الوصفي، عن طريق أخذ الرواية التاريخية من مصدرها الأصلي، وتوظيفها ضمن الدّراسة؛ من أجل أَنْ تلائم محتوى الدّراسة، وتكون المعلومة ذات فائدة علميّة للقارئ.

       وقد واجهت الباحثة العديد من الصعوبات، كان من أبرزها شحة المعلومات ذات القيمة وتناثرها في الكتب، وقلّة المصادر التي ركزت على حُجّاج المشرق الإسلاميّ، ولا سيّما فيما يتعلّق بالجوانب التي كانت محور الدّراسة، فضلًا عن طول مُدّة الدّراسة.

       وهنا لا بُدّ من التوضيح والإشارة إِلى موضوع مهم، وهو أَنَّ عنوان الدّراسة في البدء كان (حُجّاج خراسان) بدلًا من (حُجّاج المشرق الإسلاميّ)؛ لأَنَّ حُجّاج المشرق جميعهم يطلق عليهم حُجّاج خراسان؛ إذ إِنَّ هذا العنوان أخذ الاسم الشائع على المشرق الإسلاميّ خراسان؛ لأَنَّ خراسان هي المشرق، والمشرق هو خراسان؛ حتّى أَنَّ أغلب مُدن المشرق الإسلاميّ كانت تبعيتها الإدارية إِلى خراسان؛ لأَنَّ مصدر القرار الإداري ينطلق من خراسان؛ فهي المركز الرئيس للولاة الذين حكموا في مُدد متلاحقة من العصور الإسلاميّة، وهذا ما سار عليه باحثين لهم باع في المشرق الإسلاميّ بوجهٍ جليٍ، أمثال: الدكتور قحطان الحديثي (رحمه الله)؛ لكن بعد تفكير طويل وجدنا أَنْ يكون العنوان (حُجّاج المشرق الإسلاميّ) بدل من (حُجّاج خراسان)؛ لأَنَّ المفهوم هنا أوسع، والتقسيم الجغرافي للمشرق يأخذ أقاليم ومدن واسعة لا تقف عند إقليم خراسان وحده.

       اقتضت طبيعة الدّراسة تقسيم الرسالة الى: تمهيد وثلاثة فصول، سبقتها مقدمة تطرقنا فيها إِلى أهمية الموضوع وأبعاده، وعرض أهم المصادر والمراجع، ثُمَّ تلتها الخاتمة التي هي مجمل النتائج وخلاصة البحث التي توصلت إليها الدّراسة، ثُمَّ تلتها قائمة الملاحق التي تتضمن أسماء المحدثين من حُجّاج المشرق الإسلاميّ، ثُمَّ ملاحق مختلفة شملت مواضيع الدّراسة، وأعقبتها قائمة المصادر والمراجع، وملخص الرسالة باللغة الإنكليزية.

       جاء التمهيد بعنوان الحجّ مكانته والمحمل والتعريف به؛ ليبين لنا الكثير من المفاهيم عن مكانة الحج، ثُمَّ ذكر المحمل ومكانته في حقب تاريخية مختلفة عن طريق الأثر الذي يتركه في موسم الحجّ.

       تضمن الفصل الأَوّل الموسوم بـ(أمراء الحاجّ المشرقي وطريق الحجّ محطاته واستراحاته) ثلاثة مباحث، جاء المبحث الأَوّل بعنوان (شروط أمير الحجّ ومشاهير أمراء الحاجّ المشرقي في العصر العباسيّ)، تناولت فيه شروط أمير الحجّ، وأبرز الموظفين الذين يساعدون أمير الحج، إِلى جانب ذكر أمراء حُجّاج المشرق الإسلاميّ، وسنين توليهم إمرة الحجّ، أَمَّا المبحث الثاني فحمل عنوان (طريق الحجّ (خراسان) مدنه ونواحيه وقراه وأبرز المخاطر التي تعرض لها الحاجّ المشرقي)، تناولت فيه طريق الحجّ من مدينة كاشغر، وهي أدنى مدائن الصين إِلى مكّة المكرمة وقسمت الطريق على قسمين، شمل القسم الأَوّل: الطريق من كاشغر إِلى بغداد، أَمَّا القسم الثاني فمن بغداد إِلى مكّة المكرمة، وتطرقت إِلى أبرز المخاطر التي تعرّض لها حُجّاج المشرق الإسلاميّ في أثناء رحلة الحجّ سواء كانت سياسية أو كوارث طبيعية، جاء المبحث الثالث فكان بعنوان: (المحطات والاستراحات على طريق الحج) تناولت فيه الربط، والخانات، والقصور، والقلاع، والحصون الواقعة على الطريق بين كاشغر وبغداد، أَمَّا المحطات والاستراحات الواقعة على الطريق بين بغداد إِلى مكّة المكرمة فقد اكتفيت بذكرها بصورة أقلّ من الاستراحات والمحطات الواقعة بين كاشغر وبغداد منعا من التكرار؛ لأَنَّها ذكرت سابقًا في دراسات أُخرى.

       أَمَّا الفصل الثاني الموسوم بـ(ركب الحجّ المشرقي وأثره السياسي والاقتصادي والاجتماعي)، فقد تضمن ثلاثة مباحث، تناولت في المبحث الأَوّل الذي حمل عنوان: (الأثر السياسي والإعلامي)، وهو أثر الحُجّاج المشارقة في الجانب السياسي والإعلامي وذلك لمكانته في أثناء توافد الحُجّاج في موسم الحجّ عن طريق إعلان ولاية العهد، أو عزل الأمراء وتنصيبهم، وقبلهم الولاة، في حين جاء المبحث الثاني بعنوان: (أثر حُجّاج المشرق الإسلاميّ في الانتعاش الاقتصادي)؛ إذ تناولت فيه أثر الحُجّاج في الانتعاش الاقتصادي، وذكر أبرز البضائع الوافدة مع الحاجّ المشرقي، وذكر أبرز الحُجّاج من التجار المشارقة، أَمَّا المبحث الثالث فجاء بعنوان: (الأثر الاجتماعي)، تناولت فيه أثر الحُجّاج المشارقة في الجوانب الاجتماعية والمناسبات، سواء كانت احتفالات أو أحزان، أو عمليات التكافل الاجتماعي، وصور متفرقة من العادات والتقاليد الاجتماعية لدى الحاجّ المشرقي.

       وجاء الفصل الثالث بعنوان: (أثر الحاجّ المشرقي في الجانب العلميّ)، وكان على ثلاثة مباحث، حمل المبحث الأَوّل عنوان: (جوانب الأخذ والعطاء العلميّ في رحلة الحجّ المشرقي)، تناولت فيه أبرز أساليب التعلّم والتعليم التي اتبعها الحاجّ المشرقي، أَمَّا المبحث الثاني فحمل عنوان: (أبرز الأماكن العلميّة في رحلة الحجّ المشرقي)، أَمَّا المبحث الثالث فكان بعنوان: (إسهامات الحاجّ المشرقي العلميّة الأُخرى)، وفي هذا المبحث تطرقت إِلى أثر العلماء في علم الحديث، والأدب، وعلم التاريخ، والجغرافية.

ولما كانت الدّراسة قد عنيت بدراسة الحُجّاج وأثرهم في الحياة العامة ولحقبة زمنية طويلة؛ فقد تطلّب الرجوع إِلى الكثير من المصادر المتنوعة، سنستعرض الأبرز منها من حيث الفائدة العلميّة في الدّراسة منها التي أغنت الرسالة بمعلومات قيمة جدًّا يأتي في مقدمتها:

1. كتب التاريخ العام:

تأتي هذه المصادر في مقدمة الكتب؛ فقد اعتمدت الدّراسة عليها بصورة كبيرة في جميع فصول الرسالة، وجاء في مقدمتها كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والامم لابن الجوزي، وهو جمال الدِّين أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد (ت597ه)، الشيخ، الإمام، الحافظ، المفسر، المحدّث والمؤرخ، ويعدّ كتابه أَوّل مصدر جمع بين الحوادث والتراجم مقسم على تسعة عشر مجلدًا، تناول التاريخ من بدء الخليقة إِلى عام (574ه)، وكتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير، وهو عزّ الدِّين ابن الأثير (ت630ه)، الشيخ، العلّامة، المحدّث والنسابة، وهو كتاب مقسم على عشرة أجزاء تناول فيها الأخبار من بدء الخليقة حتّى حوادث عام (628ه)، وكتاب تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) للذهبي، وهو شمس الدِّين أبو عبدالله محمد بن أحمد (ت748ه)، محدّث، وإمام حافظ، ومؤرخ، يُعَدُّ مؤلفه أبرز الكتب الموسوعيّة الضخمة التي صنّفها المؤرّخون المسلمون، وهو كتاب تاريخ وتراجم معًا يبدأ هذا الكتاب من مبعث الرسول (ﷺ) إِلى عام (700ه) مقسم على اثنين وخمسين جزءًا، وكتاب البداية والنهاية لابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر (ت774ه) محدّث، ومفسر، وفقيه، تناول في كتابه الأحداث بشكل نادر جدا من بدء الخليقة حتّى عام (768ه) مقسم على عشرين جزءًا برزت أهميتها كون أحداثها مرتبة بحسب السنين.

2. كتب الجغرافية والبلدانيين:

       أغنت هذه الكتب الدّراسة بكثيرٍ من المعلومات القيمة عن الطرق، ومسالك الحُجّاج، والمحطات، والاستراحات الواقعة عليها، وقد أفادت في الفصل الأَوّل في المبحث الثاني والثالث، فضلًا عن تعريف البلدان، والمدن، والقرى في بقية المباحث، ومن أبرز هذه الكتب: كتاب المسالك والممالك، لابن خرداذبه، وهو أبو القاسم عبيد الله بن عبدالله بن أحمد بن خرداذبه (ت280ه)، كان مؤرخًا وجغرافيًا، رفيع المستوى، من أصل فارسي، تولى منصب صاحب البريد، ويبدو عمله هذا قد أدى إِلى اتساع معلوماته عن الطرق والأوضاع الجغرافية والإدارية في البلدان الإسلاميّة وغير الإسلاميّة؛ فألّف هذا الكتاب، وكتاب الأعلاق النفيسة، لابن رسته، وهو أحمد بن عمر (ت300ه)، عالم جغرافي، ويمكن عدّ كتابه موسوعةً جغرافيةً؛ إذ وصف به الكثير من المدن والبلاد، وكتاب المسالك والممالك، للاصطخري، وهو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الكرجي (ت346ه)، أحد رواد علماء البلدان والجغرافيين، وجاء كتابه في وصف البلدان والتقسيمات الإدارية، وكتاب صورة الأرض، لابن حوقل، وهو محمد بن حوقل البغدادي (ت367ه)، جغرافي ورحالة معروف، حوى كتابه المتكون من جزئيين على معلومات أصيلة اكتسبها من رحلاته التي استغرقت من عمره ثلث قرن، وجمع كُلّ ما حصل عليه من تجارب في كتابه صورة الأرض، وكتاب معجم البلدان، لياقوت الحموي (ت626ه)، رومي الأصل ومن البلاد البيزنطية، ولعلَّه من عرق يوناني، مؤرخ ثقة، ومن روّاد علم الجغرافيا، لغويّ، وأديب، وشاعر، وكاتب بارع، وعالم بصير في تقويم البلدان، قامت برحلات واسعة يحتوي كتابه على سبعة أجزاء مرتب على الحروف الهجائية.

اترك تعليقاً