You are currently viewing أطروحة دكتوراه/ ضياء أحمد

أطروحة دكتوراه/ ضياء أحمد

المقدمة 

 

 

   فلكل لغة إنسانية أصول وقواعد وخزين من المفردات تمنحه متكلميها يختارون منه ما يغنيهم في إيصال أفكارهم وقضاء احتياجاتهم في تبيين المعنى المقصود من اللفظ، وإيقاعه موقعه وظيفيًا، بحسب أصل وضعه، ولو كان لكل وظيفة عبارة ، وعبارة واحدة لكل وظيفة، وطبق هذا على اللغة، لكانت اللغة ثابتة ثبوت المسائل البديهية، ولبقيت العبارة ثابتة، ولو كانت ثابتة لما تشعبت اللغات السامية عن اللغة الأم، فاللغة تأنف الإقامة على حالة ثابتة، وإذا كان المنهج المعياري للنحاة يحتم عليهم بناء قواعد النحو وأصوله، فهذا المنهج يعارض أي تغيير يخرج على القياس، وكل ما يخرج عنه قابلوه بالتأويل والتعليل والتقدير من جهة أو رد بعضه إلى اللحن أو الشذوذ أو الضرورة أو القليل أو النادر من جهة ثانية.إن الدلالة غاية التحول ومقصده، وهي الدليل على أنَّ أحد الشيئين ـــ وإن تعددت عناصره ـــ يكون بمنزلة الآخر وإن تبعضت عناصره، ويُحكم ببقاء ألفاظ القسم الواحد والباب الواحد على معانيها أو الانزياح عنها على وفق ما تحدده دلالتها بحسب أسيقتها في الأصل والفرع، فالطارئ يزيل حكم الثابت وإنَّ التحول إلى جهة الفرع يعني التحول إلى وضعٍ جديدٍ وحكمٍ جديدٍ، فاللفظ بالنسبة إلى جهة التحول طارئٌ ، كما أنَّها بالنسبة إليه طارئةٌ كذلك.إن التحوّل في الأحكام النحويّة متسبب عن انزياح الألفاظ ويلزم عنه الارتحال وتغيِّر المنقول في أبسط أحواله، وهذا التحول لا يُبقي المعنى مرعيًا على حاله الَّذي وضعه الواضع، فيتحول المنقول إلى بيئة تخالف أصل وضعه، وصار طارئًا إلى فرع طارئ يحل فيه.وبناء على هذا جاء تقسيم الدراسة على مدخل وأربعة فصولٍ مسبوقة بمقدمة ومتلوة بأبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة :أما المدخل فقد عنونته بـ ( بالتحول وعناصره في اللغة) أوجزت فيه القول عن الإنزياح ومدلوله والفرق بين دلالتي الأصل والفرع، ثم عرجت على ذكر أبرز عناصر التحول.ولما كان التحول في الدلالة ثم الوظيفة مقدمة للتحول في الحكم، جاء الفصل الأول بعنوان آليات التحوّل وجهاته انقسم على مبحثين: مبحث خاص بآلية التحول وهي المعنًى، والوظيفة، والحكم، وآخر فصلت فيه القول عن اللفظ المُحوّل والجهات والمواضع التي سيؤول إليها ، وتعدد المعنى الوظيفي للمبنى من خلال جهة النقل. وجاء الفصل الثاني في ( بواعث التحوّل) اشتمل على ثلاثة مباحث، ركّزت الدراسة في المبحث الأول على أثر النيابة في تحول الأحكام النحوية، وأفردت الثاني بالحديث عن الاتساع وأثره في تعدد المعنى، وقصرت الثالث لدراسة التقارض وأثره في تبادل الأحكام النحوية.       وأما الفصل الثالث ؛ فكان في ( معايير التأصيل وأثرها في تقرير الأحكام النحوية) ، اشتمل المبحث الأول على معايير التأصيل، أما المبحث الثاني فخصّصته للحديث عن العدول والتحول.وختمت الدراسة بفصل عرضت فيه  ( الأحكام النحوية وأوضاع التحوّل) ، انقسم على مبحثين، الأول : أحكام التحوّل، والثاني بيّنت فيه أثر التركيب في تشكيل الأحكام، وقفيت العمل بخاتمةٍ ذكرت فيها أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة، ثم طرزت الدراسة بثبت المصادر والمراجع التي اعتمدتُ عليها، وهي كثيرة منها عدد من كتب النحو القديمة والحديثة وبعض دواوين الشعراء وكتب الأدب بغية تخريج الشواهد الشعرية وقد تضمنت المصادر بضعة من المعجمات العربية التي التجأت إليها لشرح ما غمض من ألفاظ الشواهد، فضلًا عن عدد كثير من الدراسات والبحوث والرسائل الجامعية والأطاريح وغيرها مما تزينت به إحالات الدراسة.ولا تخلو هذه الرحلة من صعوبات بدءًا من تسجيل العنوان الذي تفضّل عليّ مشكورًا باقتراحه المدرس الدكتور سيف الدين شاكر نوري، فقد كان في أول الأمر ( الأحكام النحوية بين التحول والثبات)، ثم تبين لي بعد البحث والاستقصاء وجود ثلاث دراسات مشابهة لعنوان دراستي أولها : تحولات البنى النحوية دراسة في التطور النحوي، أطروحة دكتوراه  للباحث : خلف عايد إبراهيم ، جامعة مؤتة، 2009م. وهي بعيدة كل البعد عن فحوى دراستنا إذ تبنى الباحث فيها فرضية مغايرة تنبثق من التطور النحوي، وهو تحول البنى بعضها من بعض استعماليًا، وتفاوتها في درجة تداولها واستعمالها، أما تعددها فيأتي في المرحلة التي يتحول فيها التركيب إلى تركيب نحوي آخر، يجري الثاني مع الأول في الاستعمال، ثم يتصارعان، إلى أن يسود أحدهما، وقد يجريان في بيئتين استعماليتين. ثانيها :الأحكام النحوية بين الثبات والتحول، للباحث (وليد محمد عبد الباقي عبد العاطي ) جامعة القاهرة  كلية دار العلوم عام 2012م، وبعد جهد جهيد حصلت على الدراسة ثم تبين لي أنْ لا تشابه بيننا سوى العنوان، فقد تضمنت دراسته : تفصيل الأحكام النحوية من حيث معايير السماع إذ انصبت دراسته حول الحسن والقبيح والشاذ والعلوم التي أثرت في الأحكام النحوية وختمها بأسباب المنع والقبح وأوجز مظاهر التحول بالبنية أما لضرب من ضروب المعاني، أو تغيير ينحصر بالزيادة والحذف والابدال.. والإدغام، وعزاها إلى الأنساق الصرفية والصوتية، وأما للتحول في الدلالة ومرده إلى السياق، وأما تحول تركيبي، وأوجز أسباب التحول بتقارض المعاني والضرورة الشعرية والاتساع والتناسب بين الفواصل والمجاورة والتوهم.وثالثها: الثابت والمتحول في التأليف النحوي في القرن الرابع الهجري: رسالة ماجستير للباحثة نسيمة خوّام صاحب، كلية الإمام الكاظم (ع) للعلوم الإسلامية الجامعة 2019م، وهذه الدراسة أكثر بعدًا من الدراستين السابقتين‘ إذ تحدثت فيها عن: وصف الثابت من الموضوعات والمؤلفات النحوية وآراء النحاة ووصف تنوع مؤلفاتهم في مختلف الموضوعات النحوية، وعرضت الأصول النحوية الثابتة والمتغيرة والتغير الذي طرأ في مؤلفات النحاة وتنوع اتجاهات التأليف منذ نشأته حتى نهاية القرن الرابع الهجري. فهي دراسة تاريخية وصفية وليست دراسة في الأحكام النحوية.لذلك ارتأت اللجنة العِلميّة في القِسم إلى تغيير العنوان من الأحكام النحوية بين التحوّل والثبات إلى العربية بين التحوّل والثبات دراسة في المستوى النحوي، دفعًا للتشابه بين العنوانات على الرغم من تغاير المضامين تغايرًا كليًا، مع أنّني لم أفد من هذه الدراسات الثلاثة من بعيد ولا قريب. فضلًا عن سعة الموضوع وضيق الوقت وصعوبة الحصول على بعض المصادر المهمة يضاف إلى ذلك جائحة كورونا التي حالت دون اللقاء بيني وبين المشرف والمتخصصين إلا عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي ومشاكلها لا تخفى على أحد .

اترك تعليقاً