المستخلص
فقد حظيت ألفية ابن مالك المسماة بـ(الخلاصة في النحو) بعناية العلماء، فحرصوا على حفظها وشرحها أكثر من غيرها من المتون النحوية؛ وذلك لما تميزت به من التنظيم، والإحاطة بالقواعد النحوية والصرفية في إيجاز، والسهولة في الألفاظ ، مع ترتيب محكم لموضوعات النحو، واستشهاد دقيق لكل واحد من هذه المواضيع؛ الأمر الذي جعل النَّحاة الذين عاصروا ابن مالك أو جاءوا بعده يعتنون بها ويعكفون عليها شرحًا وتفصيلًا وتبيينًا لمعانيها، وكان من أولئك النحاة المجتهدين الذين عنوا بشرحها وتوضيحها ابن هشام الأنصاري، فبعد كتابِه (أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك) صدر له حاشيتان على ألفية ابن مالك، وهما (الحاشية الكبرى)، وبعدها (الحاشية الصغرى)، وهي موضوع دراستنا.
ركَّزت هذه الدراسة على بيان موقف عالمٍ من علماء العربية، وعلمًا من أعلامها، وهو ابن هشام الأنصاري في كتابه(الحاشية الصغرى على ألفية ابن مالكٍ)، وذلك بتبيين موقفه من ابنِ مالكٍ.
لقد حملت هذه الحاشية (الحاشية الصغرى) بين طيَّاتها آراءً لابن هشامٍ وموقفًا متباينًا مِن ابنِ مالكٍ، فتارةً نجده يؤَيِّد ابنَ مالكٍ ويوافقه في آرائه، وتارةً أخرى يقف موقف المخالف له المضعف لآرائه، وثالثةً يستدرك عليه، مُعتمدًا في ذلك على الأدلة المتمثلة بالاستشهاد بآيات من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشَّريف، والشعر ورواياته، وأمثال العرب وأقوالهم، وكذلك على الأدلة العقلية المتمثلة بالقياس المرتبط ارتباطًا وثيقًا باللغة العربية في تأييد كلامه بذكر أقوال النحاة السابقين.
وجاءت هذه الدِّراسة؛ لتُبيِّن أهم الموضوعات النَّحوية الَّتي كانَ فيها موقفٌ لابنِ هِشَامٍ من ابنِ مالكٍ في حاشيته الصغرى، المواضع التي وافقه أو خالفه أو استدرك عليه فيها، المصادر الَّتي اعتمدها في حاشيته الصغرى؛ لتعزيزِ رأيه. كُلُّ ذلك سيظهر جليًّا في هذه الدِّراسة، وسأعرضه بشكلٍ مُفصَّلٍ إن شاء الله.
تضافرت مجموعةٌ من الأسباب التي دفعتني إلى اختياردراستي الموسومة بـ:(موقفُ ابنِ هِشَامٍ من ابن مالك فـي حاشيـتِـه الصُّغـرَى عـلى أَلفِيَّـةِ ابن مالكٍ)؛ ومنها: أَنَّ كتاب (الحاشية الصُّغرى) من الكُتُبِ النَّحوية المهمَّةِ الَّتي صدرت حديثًا، ومؤلّفه ابن هشام من الأعلام البارزين في علوم العربية فأردتُّ أنْ أُبرِزَ شخصيَّتَه في جوانب عِدَّة، علاوةً على ذلك رغبتي في دراسة هذا النوع من البحوث في علم النَّحوِ، والزِّيادة في فَهْمِ هذا الفرع من فروعِ اللغة العربية وإدراكه، فضلًا عن أنه بعد تفحُّصِي لمحتوى (الحاشية الصغرى) وجدتُّ أَنَّها جديرةٌ بالدراسة؛ لِما فيها من آراء لابن هشامٍ وموقف مِن ابنِ مالكٍ لَمْ يظهر في كتابه (أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك) الذي مشى فيه على ترتيب الألفية غير مُتعرِّضٍ لها، فأَرَدتُّ أن أُسلِّطَ الضُّوءَ علَى ذلك، وأبرزُ ذلك الموقف، فضلًا عن أَنَّ هذه الحاشية تختلف عن (الحاشية الكبرى) من حيث المادة التي عرضها ابن هشام، ونوعية النقل عن العلماء، وطبيعة الكتب التي نقل منها.
أما منهجي في عرض المادة العلميَّة فهو منهجٌ وصفيٌّ تَحليليٌّ؛ إذ تمَّ عرض المادة وفقًا لما اقتضته خطة الدراسة وتفريعاته؛ إذعَرَضتُ في هذا البحث المواضعَ من الألفية التي تخصُّ دراستي والتي كان لابن هشامٍ رأيٌ فيها وموقف من ابن مالك، مُبْتَدِأً بذكر بيت الألفية الذي فيه موقف لابن هشامٍ، ثمَّ عرضتُ بإيجاز ما ذكره شُرَّاحُ الألفية في ذلك البيت لبيان المعنى الذي أراده ابنُ مالكٍ وما قصده فيه مُعززًا ذلك من كُتُبه الأخرى كـ(التسهيل وشرحه، وشرح العمدة ، وشرح الكافية) في المسألة نفسها؛ لإثبات المعنى الذي أراده بهذا البيت من الألفية ثُمَّ عَرَضتُ آراء النحاة الآخرين في المسألة ثم رأي ابنِ هِشَام وموقفه من ابن مالك في تلك المسألة في (حاشيته الصغرى) موافقةً أو مخالفةً واعتراضًا أو استدراكًا، مُعززًا ذلك بأدلته من كُتُبِه الأخرى كـ(المغني ، وأوضح المسالك) وبقية كُتُبِه الأخرى التي تدعم رأيه، ثُمَّ تبيين وجهة نظر الباحث، وذلك بعد عرض المسألة النحويَّة ودراستها.
واقتضت منهجية البحث أن أقسِّمَه على أربعةِ أفْصُلٍ مسبوقةٍ بتمهيدٍ قبله مُقَدِّمَة، ومشفوعةٍ بخاتمةٍ، وقد خَلَتْ تلك الفصول والمباحث من التوازن فيما بينها في عرض المَادة العلميَّة؛ نظرًا لما يحتويه كل فصلٍ من موضوعاتٍ نحوية تتطلب تقسيمها على ما هو بين أيدينا.
أَمَّا التمهيد؛ فتناولت فيه (التَّعريف بحاشية ابن هشام الصغرى)، وأوضحت أهميتها وقيمتها العلمية.
أمَّا الفصل الأول؛ فكان مخصصًا لـ(منهج ابن هشام ومصادر مادَّته العلمية)، وتناولتُ فيه مبحثين؛ درستُ في المبحث الأول (منهج ابن هشام في التعامل مع آراء ابن مالك).
وأمَّا المبحث الثاني؛ فتناولتُ فيه (مصادِر ابنِ هِشَامٍ في موافقاته لابن مالك أو الرَّد عليه).
أما الفصل الثاني؛ فدرست فيه (موقف ابن هشام من ابنِ مالِكٍ في باب الأسماء)، واشتمل على ثلاثة مباحث، أمَّا المبحث الأَول: فخصصته للمرفوعات وتناولت فيه (الابتداء، ووجوب رفع المشغول عنه).
وأمَّا المبحث الثاني: فخصصته للمنصوبات وقسمته على أربع نقاط؛ الأولى: حكم تقديم التمييز على عامله، والثانية: حكم مجيء الحال من المضاف إليه، والثالثة: حكم حذف مفعولي ظن وأخواتها أو أحد مفعوليها لدليل أو لغيره، والرابعة: جواز رفع المشغول عنه ونصبه مع ترجيح النَّصبِ.
وأمَّا المبحث الثالث: فدرست فيه أسماء أخرى: وتشمل: أوَّلًا: الإضافة(إضافة “الآل” إلى الضمير)، ثانيًا: إضمار فاعل “نعم ، وبئس”، ثالثًا: الضمائر(اِتِّصال الضمير وانفصاله)، رابعًا: المُلحق بجمع المذكر السَّالم، وخامسًا:(جمع المؤنث السالم)، وسادسًا:(الموصول).
أما الفصل الثالث؛ فعنونته بـ(موقف ابن هشام من ابن مالك في الأفعال والأساليب).
وقد جمعتهما في هذا الفصل؛ لأنهما لا يكفيان أن يكون كل واحدٍ منهما فصلًا برأسه.
واشتمل على مبحثين؛ المبحث الأول: (الأفعال)، وقسمته على ثلاث نقاط؛ الأولى: توكيد الفعل المضارع المنفي بـ(لا)، والنقطة الثانية: إعراب الفعل المُضارعِ (الرَّفع ، النَّصب)، والنقطة الثالثة: خصصتها لأَفعال المقاربة (مجيء خبر كاد فعل مضارع، وحكم إسناد عسى إلى ضمير).
أما المبحث الثاني؛ فخصصته لـ(لأساليب)؛ إذ احتوى على أُسلوبين، الأول: أسلوب النداء.
أمَّا الأسلوب الثاني؛ فكان أسلوب (التَّعجب)، وتناولت فيه (حذف المُتَعَجب منه)، وموقف ابن هشام من ابنِ مالكٍ في ذلك، وبيان موقف ابن هشام من ابن مالك في ذلك.
أمَّا الفصل الرَّابع؛ فعنونته بـ(موقف ابن هشام من ابن مالِكٍ في باب الحروف وموضوعات أخرى). وقد جمعتهما أيضًا في هذا الفصل؛ لأنهما لا يكفيان أن يكون كل واحدٍ منهما فصلًا برأسه.
وتناولت فيه مبحثين، أما المبحث الأول؛ فخصصته لـ(الحروف)
وأما المبحث الثَّاني؛ فتناولتُ فيه موضوعات لغويَّة أخرى، وتشمل ( الإعلال ، والإمالة)، وقسَّمتُه على نقطتين ؛ الأولى: خصصتها للإعلال، ودرست فيها إبدال حرف الياء واوًا والعكس، أمَّا الأخرى فتناولت فيها الإِمَالة ( إمالة الاسماء غير المتمكنة).
وأمَّا الخاتمة فقد ضمَّنتُهَا النتائجَ التَّي أَراها مُهمَّةً في هذه الرِّسالة وجديرةً بالذِّكرِ.