المستخلص
يُعَّد الفضاء في الخطاب الشعري المعاصر عنصراً مهماً لا تخلو منه النصوص الشعرية المعاصرة، فهو مداراً وجوهراً يستند إلى تصور فلسفي وليس جماليا بالضرورة ومن هنا سعينا إلى رصد مفهوم الفضاء في الفكر والكتابة، ولعل الصعوبة الأساسية كانت مطروحة على مستوى تدقيق المفاهيم الأساسية التي اقتضتها سيرورة البحث وأخص بالذكر مفهوم الفضاء نفسه الذي أنهكته حالة الالتباس القصوى فقد ظل يختلط مفهوم الفضاء بمفهوم المكان مع أن الفضاء غير المكان كما موضح في متن الرسالة، ومن هنا أخذنا على عاتقنا أن نعيد ترتيب العلاقة بين المفهومين، وكما إن فكرتنا لهذه الدراسة تقديم الفرضية التي يتشكل بمقتضاها الفضاء المتخيل لنص أدبي في داخل سياق إيديولوجي ولذلك انشغلنا بسؤال الفضاء الشعري ليس فقط كانشغال أدبي أو جمالي بل كذلك بوصفه انشغالا ثقافيا ووعيا شعريا، ومن هنا وجدنا أنفسنا منساقين إلى دراسته متخذين من أعمال الشاعر العراقي علي فرحان أنموذجاً لهذه الدراسة الموسومة بـ(الفضاء الشعري عند علي فرحان)، ولعل من أهم الدوافع التي سوقتنا لاختيار هذا الموضوع ما تمثله تجربة الشاعر من أهمية عدا انه لم يحظ بدراسة مستقلة سوى عثوري على مقالات متفرقة، ونسعى بهذا الاختيار للإجابة عن التساؤلات الآتية:- كيف حققت نصوص الشاعر فضاءها الشعري؟ وما أهم الأليات الإبداعية التي دخلت في بناء فضاء النص عموماً؟ ولكن قبل هذا ما الفضاء؟ ولمعالجة هذه الإشكالية توزعت الدراسة في تمهيد وفصولٍ ثلاثة، وخاتمة جاء التمهيد بعنوان (مفهوم الفضاء) وقد اقتصرتُ فيه على إبراز المفاهيم المنهجية التي يستند إليها البحث، كمفهوم الفضاء والفضاء في الفكر الفلسفي ودلالاته فضلاً عن علاقته بالأدب، وكما اعدنا ترتيب العلاقة بين الفضاء والمكان وصولاً إلى الفضاء الشعري ومراحل تطوره في داخل البنية الذهنية للمجموعات وما تنتجه هذه المرحلة من رؤية للعالم تسهم في إنتاج الشعرية، إذ يجيء الفصل الأول بعنوان الفضاء الداخلي (النصي) وقد تضمن مدخلاً ومبحثين: اختص الأول: بالحديث عن التشكيلات السطرية التي يتبناها النص لتشكيل إبداعه، وكيفية تعامل هذه التشكيلات مع اللغة ومضامينها، فضلاً عن النظر فيما أثرَّ بذلك من تحولات على صعيد تشكّل النص، والذي يخضع لطول السطر الشعري وقصره، والسطر الشعري المتموج، والاتجاه السطري، كذلك التقطيع السطري، وقد جاء بعنوان (التشكيل السطري)، أمَّا المبحث الثاني: فهو تحت عنوان (السواد والبياض) إذ توجه بالنظر إلى طريقة تعامل الفضاء مع السواد والبياض بوصفه أسلوباً ومكوناً من مكونات النص ومواضع النصوص الموازية للمتن الأصلي، ويعرض تساؤلاً ما بعد الاشتغال الذي يتبناه الفضاء في هذا الأسلوب؟، وقد اتجهتُ في الفصل الثاني إلى تتبع مفهوم الفضاء الدلالي وما يحيل إليه من معنى من خلال ما يطرحه النص وهو بعنوان (الفضاء الدلالي) متضمناً مبحثين: الأول: بعنوان (تقنية الكولاج) وقد رصدتُ فيه انتقال الفضاء الشعري عبر هذه التقنية من خلال كولاج الهلالين والكولاج الثقافي، أمّا المبحث الثاني: فهو بعنوان (تقانات أخرى) وهو يبحث في كيفية تشكل معنى الفضاء من خلال الرمز والتناص والمفارقة وما يحيط بالنص بشكل عام ، أما الفصل الثالث: فقد جاء بعنوان (الفضاء الخارجي) وفيه تتبعت مسارات تشكيل الرؤية النصية (رؤية الشاعر تجاه النص) متوصلة إلى اقتراح بنية فضائية ثقافية فكان مقسماً على مبحثين: الأول: بعنوان (الفضاء اليومي) كما رصدت فيه الفضاء الواقعي، أما المبحث الثاني: فهو بعنوان (الفضاء الميثولوجي) وهو إدراج البنية المستخرجة من النص المتمثل بالميثولوجيا في داخل سياقات التحولات الواقعية والثقافية على صعيد الواقع، وقد جاء مسك الختام مع خاتمة تضمنت مجمل النتائج التي توصلت إليها الدراسة. وعليّ أن أشير إلى أن محاولة الكشف عن هذه الظاهرة وبالرؤية التي اعتمدتها اقتضت التقسيم المشار إليه آنفاً وكذلك كان موضع التحليل مقتصرا على أنموذج أو ما يزيد عليه قليلا، إذ إن الأهمية بتشخيص الظاهرة والكشف عنها لا بالتدليل المتعدد.