المستخلص
شكل الضوء عاملاً مهماً من عوامل وجود الحياة على سطح الارض وعليه توقف نشاط اغلب الكائنات والمخلوقات ومنها الإنسان الذي ارتبط نشاطه بوجود الضوء منذ وجود الحياة وظهور النشاط الإنساني عليها كانت البداية معرفة الإنسان لضوء الشمس الذي شكل عنصراً اساسياً في الحياة ومشاهدة الإنسان بصورة كبيرة للأشياء التي حوله وكان الإنسان الاول يسعى جاهداً لجعل نشاطه مقروناً بضوء الشمس ومع غياب الشمس تتوقف انشطة الإنسان الكبرى ويتحول مع غروبها إلى السكون والنوم ، وبمرور الزمن استطاع الإنسان أن يكتشف وسائل اخرى للإضاءة مع محدوديتها ، وبساطتها إلا أنها شكلت العامل الاول لإيجاد بديل عن ضوء الشمس اثناء الليل رغم بساطتها ، ومكنت الإنسان من ايجاد انشطة بسيطة على ذلك الضوء له في الليل أو الأماكن المظلمة مثل الكهوف والمغارات التي سكنها أول مرة .
وبمرور الزمن تطورت أنواع وسائل الإضاءة مع ازدياد تلك الانواع زادت انشطة الإنسان وتغيرت حياته بشكل كبير وظهر نمط جديد من الحياة لم يكن الإنسان قد عرفه في الماضي ، ومن هنا جاءت الدراسة لتميط اللثام عن جانب مهم من جوانب انشطة الإنسان بفعل وجود الضوء وتأثيره على حياته الاجتماعية ، ولهذا ظهرت الحاجة لتسليط الضوء حول ابرز الجوانب الحضارية في الدولة الإسلامية الا وهي (وسائل واساليب الإضاءة في الدولة العربية الإسلامية حتى عام 656ه/1258م- دراسة تاريخية) .
وكان الهدف من هذه الدراسة أبراز دور الإضاءة في الحضارة الإسلامية وتطور أساليبها على مر العصور ودور الفنان المسلم في تطويرها اضافة للمواد التي دخلت في صناعة وتطوير الإضاءة ، إلى جانب الدور الذي لعبته الإضاءة فانها لم تقتصر على الظلام اثناء الليل لكنها وسيله من الوسائل الترفيه واستعملت في المناسبات والاحتفالات وتأثيرها على الحياة العلمية ودورها في مد الحلقات العلمية إلى الليل إضافةً إلى تأثيرها على الحياة الاجتماعية بكل الجوانب ، كانت أهمية الدراسة تنبع من كونها تتطرق إلى أهمية الضوء واثره على الحياة الاجتماعية ، ولأول مرة في دراسة مستفيضة حول جانب مهم الا وهو الإضاءة وتأثيرها على الحياة الاجتماعية والعلمية ودور السلطات في رعايتها ، ورغم تناثر موضوع الإضاءة في كتب التاريخ ومصادره إلا أنّ هذا كان دافعاً للبحث عن تطور الإضاءة في مناحي الحياة ورغم وجود دراسات سابقة حول الإضاءة وتطورها الا ان الدراسة جاءت مكملة لما بدء به الباحثون في هذا المجال ومن أبرز تلك الدراسات :
- كتاب (الإضاءة في المدينة الإسلامية) لمحمد عيسى صالحية .
- بحث (المسارج في بلاد اشور ) لاسراء عبد السلام مصطفى بحث منشور في مجلة التربية والتعليم في جامعة الموصل ، المجلد (20)، العدد (1) ، 2013.
- (دراسة نماذج من الاسرجة البيزنطية المتأخرة والاموية المحفوظة في دار السرايا (اريد) ومتحف التراث الأردني) ، لرنا احمد ياسين الكناني ، رسالة ماجستير ، جامعة اليرموك ، قسم الاثار، 2008م .
- (دراسة تطور اساليب وحدات الإضاءة في الفن الإسلامي) ، للباحثة منى ثروت محمد ابو جبير ، بحث منشور مجلة العمارة والفنون والعلوم الإنسانية ، قسم النحت ، كلية الفنون ، مصر ، 2020م .
ومن هنا ورغم وجود هذه الدراسات إلا أنها تناولت ادوات الإضاءة وانواعها دون التطرق لاثرها في الحياة الاجتماعية والعلمية ولم تكن هناك دراسة وافيه لكل جوانب هذا الدراسة ولم تكن هناك دراسة شاملة لكل الموضوع بكل جوانبه لذا ظهر لدينا الدافع للخوض بها ، وهذا من اسباب اختيار الموضوع يضاف إلى اهمية الموضوع كونه يتمثل في أحد أبرز الجوانب الحضارة المهمة .
أما عن الصعوبات العلمية التي واجهتنا في الدراسة فهي تكمن في قلة اشارات المصادر التاريخية لدور الإضاءة في الحياة الاجتماعية والعلمية يضاف إلى عدم وصف المصادر التاريخية لأدوات الإضاءة الا ما ندر حيث تطلب الامر بحثاً وقراءة متأنية ودقيقة للحصول على روايات بهذا الصدد – وهي قليلة جدًا – ، لذلك اقتضى الأمر إلى الاعتماد إلى المراجع والدراسات الاثرية الحديثة التي عثرت على بعض القطع ومواد الإضاءة ثم قامت بوصفها وتحديد العصور التي تنتمي اليها .
ومن هنا فان البحث في مسألة الإضاءة هو تكملة للدراسات الحضارية السابقة ومن أجل إبراز كل ما يخص الوسائل والأساليب التي اتبعها المسلمون في مجال الإضاءة وتأثير هذا الاكتشاف الكبير الذي قام به الإنسان – الضوء – على تغيير مجرى حياته ونقله من مكان إلى مكان اخر، وكذلك المنجزات التي ساهم بها الضوء .
ونظراً لطبيعة الدراسة واهميتها اقتضى تقسيمها على تمهيد واربع فصول سبقتها مقدمة تناولت أهمية الدراسة وأسباب اختيار الموضوع وخطة البحث ، ثم تلت الفصول خاتمة اوجزنا فيها النتائج التي توصلت اليها الدراسة ، والملاحق التي جاء فيها الرسوم والزخارف التي نقشت على ادوات الإضاءة وصور توضيحية لأدوات الإضاءة واسماء للأشخاص الذين عملوا في الإضاءة وغير ذلك ثم تلا ذلك قائمة بالمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها الدراسة .
تم التركيز في التمهيد على تعريف الإضاءة لغةً واصطلاحاً ، واعطاء لمحة تاريخية عن جذور الإضاءة وتسليط الضوء على البدايات الأولى للإضاءة وكيفية اكتشاف النار من قبل الإنسان الاول ، فضلاً عن وسائل وأساليب الإضاءة في الحضارات القديمة وكيفية تطورها في الحضارات السابقة ، وتضمن التمهيد ايضاً الإضاءة عند العرب قبل الإسلام والوسائل التي شاعت لديهم اضافة إلى أنواع النيران التي عرفها العرب.
أما الفصل الاول فقد جاء بعنوان (أدوات ووسائل الإضاءة في الدولة الإسلامية) ، فقد تطرق المبحث الاول فيه إلى المعادن التي دخلت في صناعة ادوات الإضاءة وقسم لعناوين متعددة جاء فيها أنواع المعادن التي استعملت في الإضاءة مثل أولاً : المعادن التقليدية كـ(النحاس والقصدير والبرونز والحديد) ، ثانيًا : المعادن الثمينة كـ(الذهب والفضة …) ، وثالثاً (الزجاج) .
وجاء المبحث الثاني تحت عنوان : أدوات ووسائل الإضاءة المتنقلة والمحمولة كـ(المشاعل – والسراج – والقناديل – والفوانيس) .
وتناول المبحث الثالث : وسائل الإضاءة الثابتة وجاء فيه (المشكاوات -الثريات – التنانير).
اما المبحث الرابع : فكان عنوانه : الملحقات لوسائل الإضاءة (الوسائل الثانوية) وهي (الاتوار – الشماعد) .
اما الفصل الثاني فقد جاء بعنوان (المواد الداخلة في صناعة وقود الإضاءة) والذي جاء بثلاثة مباحث الاول للزيوت النباتات والدهون الحيوانية التي استعملت كمواد للإيقاد وكان من ابرزها زيت الزيتون الذي شاع وبكثرة استعماله كوقود للإضاءة إضافة إلى زيت السمسم وزيت البلسان ، وكذلك لبعض انواع الزيوت الرخيصة والاقتصادية كزيت الحار ، وكما كان لدهون الحيوانية دوراً في وقود الإضاءة فقد استعملت دهون بعضها مثل حيوان الحوت في إيقاد الضوء.
والمبحث الثاني فقد حمل عنوان (الشمع) لِمَا له من أهمية كبيرة في الإضاءة حتى وقتنا الحاضر فقد تطرقت الدراسة لتعريف الشمع لغةً والدور الذي لعبه في الإضاءة ، فقد شاع وبكثرة استعماله كوقود لوسائل الإضاءة إضافة إلى طرق صنع الشمع والاستعمالات التي دخل فيها الشمع غير الإضاءة ، وتناولت الدراسة أبرز أنواع الشموع التي عرفها المسلمون . اما المبحث الثالث فقد خصص لـ (النفط) وورد فيه تعريف النفط لغةً واصطلاحاً واكتشافه واستعمالاته وابرز الجوانب التي استعمل المسلمون فيها النفط واهمها الجانب العسكري والحروب اضافةً إلى الإضاءة ، وفكان للنفط دوراً بارزاً في الإضاءة وطرق استعماله كوقود للإضاءة .
أما الفصل الثالث فقد حمل عنوان (مراحل الإضاءة وتطورها خلال العصور الإسلامية واثر السلطة في ادارتها) الذي تطرقت فيه إلى مبحثين الاول تضمن الإضاءة في العصور (النبوي ، الراشدي ، الاموي والعباسي) ومراحل تطور الإضاءة عبر العصور الإسلامية ودور السلطات في تطور وسائلها واساليبها ، فقد اعتنت السلطات في الجانب لاهميتها في تطوير مناحي الحياة من ابرز الجوانب الحضارية لذلك تنافس الخلفاء والسلاطين ورجال الدولة في الإضاءة بأدواتها وموادها ، والمبحث الثاني تضمن (تنظيم الإضاءة) ؛ إذ تحت عدة عناوين منها تخصصت ادارة السلطات لنظام الإضاءة وتنظيمها ، والفقرة الثاني خصصت للعاملين على الإضاءة وابرز الموظفين والاسماء والالقاب التي اطلقت عليهم ، وجاء الموضوع الثالث عن (مخصصات الإضاءة) وقد سلط الضوء على المصروفات التي وضعت لوسائل الإضاءة وموادها وطرق تنظيمها ، والعنوان الرابع مخصص إلى سرقة ادوات الإضاءة والاعتداءالذي كانت تتعرض له ادوات ومواد الإضاءة سواء بالسرقة او الاعتداء او الحريق كونها كانت تصنع من مواد ثمينة.
أما الفصل الرابع فقد جاء بعنوان لـ(أثر الإضاءة على الحياة العلمية والاجتماعية) والذي قسم إلى مبحثين الاول تضمن (الحياة العلمية) وتضمن عناوين عدة منها أثر الإضاءة على الحياة العلمية والحلقات العلمية التي كانت تعقد في الليل وأثرها على عطاء العلماء وانتاجهم ، والعنوان الثاني جاء عن (نماذج من الشعر في الضوء والإضاءة) أما العنوان الآخر فقد تناول (الروايات عن المزايدات التاريخية والاعتقاد بالإضاءة وادواتها) .
وحمل المبحث الثاني عنوان (أثر الإضاءة في الجانب الاجتماعي) وضم عدة عناوين ، أولاً : الإضاءة وأثرها على بعض الطقوس (دفن الأموات) وما يرافقها من شعائر دنية ، والعنوان الاخر تضمن اثر الإضاءة في العمارة المدنية والدينية، اما ثالثاً قد خصص للاحتفالات والمناسبات وأثر الإضاءة فيها ، فقد أدت الإضاءة دورًا مهمًا جداً في المناسبات والاحتفالات التي عرفت في العالم الإسلامية منها المناسبات الدينية والاحتفالات كالأعراس وغيرها ، ولم تكن هذه المناسبات تكتمل إلا بوجود الإضاءة كونها كانت تمتد حتى اوقات متأخرة من الليل إضافةً إلى أنَّ هذه الانوار تعطي جمالية وبهجة للاحتفالات.